القتل والفتنة
من الأرض السورية إلى دول الجوار
زهير سالم*
وماذا بعد ؟!
وماذا بعد كل هذه الدماء والأشلاء ؟! وماذا بعد كل هذا الفساد في الأرض ؟! وماذا بعد كل هذه الفتن بين أتباع الأديان والمذاهب وبين الشعوب والأقوام ؟! وماذا بعد كل هذا العدوان على دول الجوار في الشمال والجنوب والشرق والغرب على السواء ..؟!
ولماذا كل هذا الصمت ؟!
ولماذا كل هذا الصمت المريب عن هذا المجرم الطليق بل عن هذا ( الشيطان الرجيم ) ؟! ولماذا كل هذا التغاضي عن كل الجرائم التي يرتكبها ضد إنسانية الإنسان ؟ وضد القانون الدولي ؟ وضد الطفل والمرأة والشيخ ؟ وضد البنيان والعمران ؟! بعد عشرات الآلاف من الأسر السورية تمتد بالأمس يد الإثم لتغتال أسرة تركية آمنة لنسمع صمت المجتمع الدولي في لغة من التحذير والتنديد والاستنكار .
وأتحدى المجتمع الدولي أجمع إن كان المجرم الحقيقي سيدفع أي ثمن لجريمته على أي المستويات ؟! أتحدى مجلس الأمن ومجلس الناتو ومن شئتم من مجالس وهيئات بعد ؛ إن كان القاتل الذي اتخذ قرار قتل الأسرة التركية البريئة الآمنة بأطفالها ونسائها سيدفع أي ثمن مهما كان صغيرا لجريمته النكراء .... وسيبقى لنا أن نتساءل دائما عن سر الإفلات التاريخي من العقوبة لشجرة الشر ، وأسرة الشيطان ..
ألا أحدُ في هذا العالم يكشف لنا هذا السر الرهيب ؟!
ألا أحدا في هذا العالم من عدو أو صديق ، من قريب أو بعيد ؛ يكشف لنا سر هذا الإهمال ! وسر هذا الإمهال ! وسر هذا التغاضي ! وسر هذا الصمت المريب ! وسر هذا التواطؤ الخطير !
أهو الاستهانة بدماء الأبرياء ؟ أو الحرص على استكمال إبادتهم ؟ أو التمسك بالخادم الذي ما زال مأمولا منه أن يقدم المزيد !!..
كان شاه إيران يوما خادما جيدا وعندما انطوت أعلامه تخلى عنه مستخدموه !! وكان زين العابدين بن علي خادما وفيا وعند أول عثرة خذلوه !! وكان حسني مبارك خادما نشيطا فلما ادلهمت سماؤه سريعا ما تناسوه !! ووقف الزعيم معمر بين أيديهم عاريا حتى من ورقة التوت ، ولم يمنعهم ذلك أن يقصفوه ثم أن يقتلوه ..فما بال هذا الخادم العجيب ؟ ولماذا كل هذا الحرص عليه !! وما الذي يجعلهم يعضون عليه بالنواجذ برا أو وفاء أو اعترافا أو انتظارا لمهمة قذرة لن يجدوا من يقوم لهم بها فيما يقدرون..
لم تغير قناعتهم فيه حتى الآن دماء أربعين ألف شهيد ، كما لم تغير قناعتهم في أبيه دماء مائة ألف شهيد من قبل . وكان من هؤلاء الضحايا من قبل ومن بعد – في عهده وفي عهد أبيه - السوري اللبناني والفلسطيني و العراقي . وكان منهم من قبل ومن بعد ، المسلم والمسيحي والسني والشيعي والعربي والكردي والتركي . وكان منهم من قبل ومن بعد العلماني والإسلامي واليميني واليساري والقومي والليبرالي والديمقراطي قتل من كل هؤلاء أو كل هؤلاء ؛ وظل هذا الفرعون يعلن على رؤوس أهل الأرض جميعا جهارا نهارا ( أنا ربكم الأعلى ) فلا يسمع من هذا العالم كلمة جادة صادقة ترد عليه الجواب ..
يستهينون في سورية بدماء عشرات الألوف من الأبرياء ، يزعمون - كذبا وزورا وبهتانا – أنهم يخافون على المسيحيين ؛ ولكن فتنة ( ميشيل سماحة ) لم تخفهم ، ولم تثر فيهم الظنون ، ولم تصل رسالتها إليهم : هو – أي هذا الشيطان الرجيم – يدبر لقتل قادة المسيحيين ، يقتلهم ليتهم بهم المسلمين ويدير رحى الفتنة كما يريد . فتنة تتملك إعجابهم فيزدادون تمسكا بصاحبهم ، يضحكون فيما بينهم استظرافا لفعله وإشادة بقدراته ويتساءلون فيما بينهم من أين – إن فرطنا به – سنحصل على شيطان مثله ؟!
مازال منذ شهور يضرب على الأرض الأردنية فيقتل المدنيين الأبرياء ، ويضرب على الأرض اللبنانية ويقتل المدنيين الأبرياء ، وضرب بالأمس على الأرض التركية فقتل المدنيين والأبرياء ...
العالم أجمع سينصح الأتراك اليوم بضبط النفس . لا أحد من أصحاب القرار يريد أن يقلع شجرة الشر عن هذه الأرض . وسيذهب دم أحبابنا الأتراك هدرا ...
الرحمة لأبرياء الأسرة التركية المستضعفة البريئة التي لم تجد حاميا ، والعزاء للشعب التركي الشقيق ، والنصيحة الصادقة لأشقائنا على الحدود التركية على عمق مائة بل ربما مائتي ميل ، أن يبدؤوا بالبحث عن مكان يلجؤون إليه ويحتمون به . وليكونوا على ثقة أنهم لن يحميهم من لهب الشيطان أحد .إلا كما حميت درعا ودمشق وحمص وحلب . وعد بوعد وهذا من ذاك وعظم الله أجرنا في جيل هذا الزمان ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية