حدود دور تركيا في مسار الثورة الشعبية في سورية
حدود دور تركيا
في مسار الثورة الشعبية في سورية
هل التدخل العسكري التركي مطلب واقعي؟..
نبيل شبيب
كلّما ظهرت معالم تصعيد جديد في اتجاه تحرك عسكري تركي محتمل ردّاً على ما تصنعه العصابات الأسدية المتسلّطة في سورية، توالت التصريجات الرسمية من جانب كبار المسؤولين الغربيين، بدءا بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي مرورا بالرؤساء ورؤساء الحكومات الأوروبية انتهاء بالرئيس الأمريكي وأعوانه، وجميعها يؤكّد "النوايا السلمية" الغربية، عبر استبعاد أيّ تدخل عسكري أو حتى وجود مخططات لمثل هذا التدخل، وهو ما وصل قبل أسابيع إلى اعتبار "السلاح الكيمياوي" هو الخطّ الأحمر، فتحوّل هذا الخطّ الأحمر سريعا إلى ضوء أخضر أنّ باستطاعة العصابات المتسلّطة استخدام المزيد من الإجرام بالأسلحة الثقيلة الأخرى، ما دامت لا تلجأ إلى السلاح الكيمياوي!..
في هذا الموقف الغربي الثابت سياسيا وعسكريا عدد من الجوانب الأساسية في وقت واحد، منها:
1- لا علاقة لعدد الضحايا وحجم التدمير ولا حجم الإجرام وآلام المعاناة في سورية بتحديد الموقف الغربي، مهما بلغ شأن صياغة التصريحات الرسمية حول دعم الشعب والتنديد بالنظام!..
2- المطلوب غربيا هو أن يصل مسار الثورة في سورية من نفسه -في وقت واحد- إلى انهيار العصابات المتسلّطة وتدمير طاقات الوطن وإنهاك الشعب الثائر، ليمكن تمرير ما يجري تدبيره دون مستوى تحرير إرادة شعب سورية في المرحلة الانتقالية وما بعدها.
3- رسالة غربية صريحة موجّهة إلى تركيا بالذات، أنّ أقصى ما يمكن أن يدعمه الغربيون هو تحرّك تركيا دون مستوى عمل عسكري فعال، سواء لإنشاء منطقة آمنة أو فرض حظر جوي جزئي، أو سوى ذلك.
الخارطة السياسية والعسكرية الدولية تجعل أيّ تحرّك عسكري تركي مع احتمال تدخل ما من جانب إيران وروسيا المجاورتين، أمرا مرهونا بغطاء سياسي وأمني أطلسي غربي، وهذا ما تمسك بزمامه الدول الغربية الرئيسية، التي تطلق تلك التصريحات بسبب ودون سبب، لتبديد احتمال أن تتلقّى تركيا مثل ذلك الغطاء فيما لو تحرّكت عسكريا بصورة فعّالة.
لا شكّ أن لتركيا نهجها السياسي الذاتي، وأنّ لها مصالح ذاتية، هي التي تحدّد صناعة القرار فيها، ولكن لا ينبغي الجزم -سلبا أو إيجابا- بنوايا المسؤولين في تركيا عندما يعلنون عن موقف أو ينذرون بتدخل أو يتخذون إجراء ما، فتثور الاحتجاجات المحقّة من جانب الثوار في سورية، أنّ إردوجان يتكلم أكثر ممّا يفعل.
ومن الطبيعي أن يكون لعوامل سياسية داخلية في تركيا دور في صناعة القرار الرسمي للحكومة، وليس مجهولا وجود من يعارض سياستها من أحزاب لا تملك منع تلك السياسة في نهاية المطاف، كما أن التذكير باستمرار بمشكلة أقليّات، لا سيما الأكراد قوميا والعلويين مذهبيا، لا يفيد بقدر ما يفيد اتخاذ مواقف متوازنة من جانب من يتصدّون للعمل السياسي باسم المعارضة السورية، بأنّ العلاقات المستقبلية مع تركيا لن تؤثّر سلبا على مثل هذه القضايا الداخلية في تركيا.
أمّا التشدّد في مطالبة تركيا بدور عسكري أكبر، فيمكن استيعاب صدوره من جانب الثوار نتيجة حجم المعاناة في سورية نفسها، ولكن لا ينبغي أن يغيّب أهميّة الدور الكبير الذي تقوم به تركيا على صعيد دعم الثورة الشعبية في سورية دون مستوى التحرّك العسكري المباشر.
انتصار الثورة في سورية قادم لا محالة، وبات أقرب منالا من أي وقت مضى، ولا ريب أنّ الموقع التاريخي لهذا الانتصار وتأثيره في المستقبل المنظور والبعيد، أكبر وأقوى من جميع ما تتنبّأ به التحليلات السريعة، بقدر ما يتحقق ذاتيا، وفق ما يجري حاليا -وقول ذلك أشدّ إيلاما من قول أيّ شيء آخر- أي من خلال التضحيات والبطولات الذاتية، بمستوى غير مسبوق، وإن كان الثمن كبيرا، فهذا بالذات ما يجعل النتائج أيضا نتائج تاريخية غير مسبوقة في التاريخ الحديث للمنطقة بأسرها.