لمصلحةِ مَنْ هَدْمُ ما هو قائمٌ للثورة؟
لمصلحةِ مَنْ هَدْمُ ما هو قائمٌ للثورة؟
محمد عبد الرازق
لا غرابة أن يكون في الناس من يُظهِرُ لهم عيوبَهم؛ فتلك ظاهرة صحية، و علينا أن نُسّرُّ عندما يُبَصِّرنا الآخرون بعيوبنا، و لا نضيق بهم ذَرْعًا. و رحمَ اللهُ أميرَ المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) إذْ يقول: رَحِمَ اللهُ امرءًا أهدى إليَّ عيوبي.
و ها هي المعارضةُ في بعض دول الغرب أصبحت تُسمَّى ( حكومات الظِّل )؛ تقديرًا لما تقوم به في مراقبة حكومة الأكثرية النيابية.
غيرَ أنَّ ما هو مذمومٌ من الأمر أن يجعل الناقدُ من نفسه قِديسًا، و من الآخرين منبعًا للشرّ، و خزينًا للأخطاء؛ فيصحوَ، و ينامَ، و عينُه مفتوحةٌ ( ستةً على ستة ) لِتَتَبُّع عثراتِهم، و إحصاء أخطائهم، و كشفِ عوراتهم. و تلك شِنْشِنَةٌ ذميمة، و خُلُق اجتماعي مرفوض من لدن أسوياء الناس؛ و ما وُجِدَ في شخص إلاَّ رُمِيَ به، و تحاشاه الناسُ. و صدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم إذْ يقول: ( مَنْ تَتَبَّعَ عوراتِ الناس تَتَبَّعَ اللهُ عورتَه ).
و فيما يتعلق بالحراك الثوري فإنَّ الأمور قد آلتْ بعد لقاءات عدّة إلى أن يكون للثورة أمران قائمان تلتقي عليهما المعارضة: أحدهما سياسي ( المجلس الوطني )، و الآخر عسكري ( الجيش الحر ). و هذا يمثِّل الحد الأدنى لتوحيد الجهود من أجل إسقاط نظام الأسد.
بيدَ أنَّ ذلك قد جاء على غير هوى عدد من المعارضين، أو أنه لم يُلبِّي طموحات شريحة منهم ذات الهِمم العالية؛ فأصبحنا بين الحين، و الآخر أمام سيلٍ من الاتهامات للقائمين عليهما، لا بل هناك من أنكر أيَّ فضل لهما، و بدرجة أكبر للمجلس الوطني على مدى عام مضى من عمره.
و في هذا مجافاة لمنطق الأشياء؛ فليس هناك شرٌّ محضٌ مثلما ليس هناك خيرٌ محضٌ فيما هو من أفعال المخلوقين. فالأمران يندرجان عادة ضمن حدود النسبية المُرجِّحة ليس إلاَّ.
و على المُنصِفين من الناس أن يحملوا الأشياء على النوايا الحسنة؛ فليتمسوا الأعذار للآخرين، و لاسيما للعامِلين منهم؛ لأن من شأن من يعمل أن يخطئ، و العُذرُ مُلتَمسٌ له طالما هو كذلك. فإنّ أراح نفسَه من عناء المسؤولية؛ عندها سيكون قد أعفاها من تبعات المُآخذة، و أصبح الباب مشرعًا على مصراعيه لمَنْ كان يجلس في مصطبات الاحتياط؛ ليُريَنا من نفسَه ما يدعونا للالتفاف حوله.
إنَّنا لا نملكُ أن نقول: إن القائمين على هذين الأمرين قد ترفَّعوا عن الخطأ، أو تجرَّدوا من حظ النفس و الهوى. و بالمقابل لا يملك الآخرون أن يرموهم عن قوس واحدة؛ فيجعلوا منهم دريئة لكلِّ سهم يطيش عن الوجهة التي يقبع فيها نظام القهر، و الاستبداد، و القتل، و التدمير، و الخراب.
إنَّ هذه الثورة بحاجة ماسة إلى من يوجهها، و يرعاها، و يمثِّلها في المحافل، و بحاجة أمس إلى من يحوطها من تغوّل هذا النظام الذي يتربص بها الدوائر. و لا أَقدَرَ على ذلك في هذا الحين من هاتين الجهتين اللتين نالتا الإجماع من الثوار في أكثر من جمعة.
و رجاؤنا ممَّن يَشْحَذُ السهام، و يوجهُها صوبهما أن يبقيهما إلى أن يفصِلَ اللهُ بين السوريين و النظام؛ و عندها سيجد هؤلاء الأحباب مُتسعًا من الوقت لمحاسبة من أخطأ بحق الثورة، و مَن أدار لها ظهره.
و إلى أن يكون ذلك ألاَ يَسَعُكم أن تُمحيضوهم النُّصحَ لهم بعيدًا عن وسائل الإعلام التي تلوك الأمر المرة تلوى الأخرى؛ حتى يغدو سهمًا مسمومًا يغور في جراح الثورة على كثرتها؟.
و إنْ أبيتم إلاَّ أن يؤول الأمر إليكم عوضًا عنهم؛ فلا أقلَّ من أن تبنُوا جسرًا ( للخدمة ) قبل أن تهدموا الجسر الحالي. و بخلاف ذلك فإنّ الطريق ستغصُّ بالسالكين، و لربما تهلَكُ المطيَّةُ، و تبعُدَ الشُّقَّة.
يا أحبابنا لا تُحدثوا في المظلة ثُقبًا يتسعُ على خياطكم؛ فرعودُ الشتاء على الأبواب، و السوريون بغنى عن فضلةٍ من القول لا تغني، و لا تُسمِنُ من جوع.
إنّ في سياسة سدّ الذرائع منجاةً لكم من تجشُّم عقبة كشف ظهور إخوانكم؛ ولاسيما أن الصديق قبل المُناكف قد يجدُ فيما أنتم واقعون فيه ذريعة ليُوكِلَ هذه الثورة إلى نفسها؛ فيطولَ أمدُها، و يهلَكَ الحرثُ، و النسل، و تغدوَ سوريةُ رُكامًا فوق رُكام.