الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
د. عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
لاشك أنّ الممثل الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي صاحب تجربة طويلة في الملفات الشائكة، وقد عُرف بالصبر والمثابرة في تحركاته بين الأطراف المتصارعة، لكنه سيجد في الحالة السورية امتحاناً أصعب مما وجده في الأزمات السابقة. أما السبب في ذلك ليس فيما يمكنه فعله بشكل مختلف، بل كيف ستتصرف الأطراف المؤثرة بشكل مختلف. إذ أنّ الحالة السورية لم تتشابك مع الحسابات الدولية المتضاربة فحسب، بل تداخلت مع الصراعات الإقليمية، والتعقيدات الداخلية، خاصة أنّ سلطة آل الأسد أبدت استعدادها لاستخدام أقصى درجات العنف للتشبث بالسلطة.
وفي الواقع لا يكفي أن يبدّل السيد الإبراهيمي في التسمية من مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى ممثل لهما، كما لا يكفيه أن يطرق باب الحل السياسي، في بلد غابت عنه السياسة لأكثر من أربعة عقود، بمعزل عن الحل الأمني، بعد أن اكتوى الشعب السوري من الخيار الأمني للسلطة طوال تسعة عشر شهراً.
ثم أنّ السيد الإبراهيمي يحاول إيجاد حل بعد أن فشلت جميع المبادرات العربية والدولية السابقة، وآخرها مهمة المبعوث كوفي عنان، وبعد أن بات الحل العسكري هو الأكثر رجحاناً بين السلطة وأغلب أطياف الثورة السورية، بما فيها الجيش الوطني السوري.
وعليه يحق لنا أن نتساءل: هل سينغمس السيد الإبراهيمي في جعل مصائب الشعب السوري حقل تجارب للألاعيب السياسية الدولية والإقليمية ؟ وهل سينتظر استنفاذ سلطة آل الأسد والشعب السوري كل عناصر القوة لديهما ؟ أم أنّ بلوغ همجية السلطة حدها الأقصى، باستخدامها الطائرات الحربية والمروحيات وبراميل المتفجرات ضد سكان المدن والبلدات السورية، بات يسمح بطرح سياسي يوقف عجلة الموت اليومي ؟ وهل بات اللاعبون الإقليميون والدوليون مقتنعين بأنّ ما جرى ويجري على الأرض السورية بدّل الكثير من قواعد اللعبة ؟ وهل باتت الصفقات الإقليمية والدولية، بما فيها الملف النووي الإيراني، لا تنضج إلا على صفيح ساخن يرقص فوقه الشعب السوري ؟
وهكذا يبدو أنه ليس من شيء يبرر للدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، الواسع التجارب والخبرة، بقبول مهمة الممثل الخاص للأمينين العامين للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية للتوصل إلى حل يرضي الشعب السوري، سوى أنه تلقى تطمينات ما بأنّ الحالة السورية على طريق الإنضاج. أو يعلم تماماً مدى هشاشة الأمل في خلق تحقيق نتيجة إيجابية قريبة، وأنه داخل إلى الحلبة لملئ الفراغ الدبلوماسي الدولي لفترة ما، لريثما تكتمل الخطط التي ترسم لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية.
وعلى الرغم من كل التحفظات، التي يمكن أن نبديها على مهمة السيد الإبراهيمي خاصة ما يتعلق بإعطاء سلطة آل الأسد فسحة إضافية من الوقت لمزيد من قتل السوريين، فإنّ انسحابه سيعني ترك سورية خالية من أي صوت إلا من صوت المدافع وأنين الضحايا، مما يعني المزيد من المعاناة والمزيد من المشاكل في المستقبل. لهذا يجب عدم إغلاق نافذة الحل السلمي، الذي ينطوي على الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، مهما بدت صعبة، ولو لإعطاء فرصة أخيرة لتجنب المزيد من دماء السوريين.
ولكن تبدو عناصر الخبرة في التعامل مع النزاعات المعقدة، ذات الأوجه الداخلية والخارجية المتشابكة، وكذلك المعرفة الواسعة والدقيقة بمجريات السياسات الشرق أوسطية وشبكة العلاقات الواسعة التي يملكها الإبراهيمي، عناصر أساسية وضرورية بلا شك، ولكن غير كافية لإنجاح مهمته. إذ يدرك بالتأكيد صعوبة إيجاد حل، يرضي الشعب السوري ويتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها منذ انطلاق ثورته في آذار 2011، لذلك كان حذراً في تصريحاته حول احتمالات النجاح، وتحدث عن نجاح مرتبط بتحقيق بعض الشروط، التي أهمها توافق دولي فاعل، يسمح له ببلورة خطة عمل للوصول إلى الحل السياسي.
(*) – نُشرت في صحيفة " المستقبل " اللبنانية – 29/9/2012.