المهجَّرون في الداخل
المهجَّرون في الداخل
أ. سامر الحمصي
كتبت منذ أشهر .. والآن أعيدها للأهمية مع تعديل صغير جداً أمام تعاظم المشكلة واشتداد الألم:
نقطة مهمة ذهل عنها أهل الخير أو كثير منهم جزى الله الجميع خير الجزاء، وهي قضية المهجَّرين أو (النازحين) داخل سوريا؛ فليس النازح مَن يقيم في الأردن أو تركيا أو لبنان، فهو مع أولئك: كل مَن نزحَ قسراً عن بيته وأهله؛ فالحمصي المقيم في جندر أو القلمون نازحٌ أيضاً، وليست ظروف (نازحي الداخل) بأحسن من ظروف (نازحي الخارج)؛ ومما رأيته: إقامة عشرات النساء في محال ومستودعات تجارية في قرية من ريف حمص، أو في مبانٍ لم تُكسَ بعد في القلمون، وحين سألْنا أمَّ أرملة شهيد تقيم في بناء قيد الإنشاء بلا أبواب ولا نوافذ وجدرانه أكثرها غير مكتملة: ماذا أعددتم لتتقوا برد الشتاء والمطر؟ قالت: لا شيء والحمد لله... وإن كنا وقفنا الشتاء الماضي على استدفاء عوائل بالزيت المحروق أو الحطب، بل بالماء المتبقي في جرة الغاز يضعه في مدفأة المازوت فالغني هذا العام لا يحلم بليتر مازوت .. فكيف سيكون حال كثير من العوائل التي حلت حيث انتهى موكب الموت بها صيفاً بلا جدران للبيت أو في الخيام أو بهو بعض المدارس؟!! وكثير من النساء والأطفال يشحذون ويستجدون المارّة في القلمون وريف حمص، ونساء مرضعات جفّ حليبهن لقلة الطعام والخوف، و(نازح) جاهل ترك الصلاة لعدم تمكنه من الاستحمام وتنظيف ثيابه أسابيع، وامرأة لم تخلع غطاء رأسها من شهرين؛ لإقامتها وزوجها مع غير محارم لها.
يضاف إلى ذلك استمرار العيش تحت كابوس الملاحقة، فكثيرون لايقدرون على الإقامة أكثر من شهر في المكان الواحد، وأكثر النازحين يخرجون من بيوتهم هرباً دون شيء؛ ربما لأنهم فقدوا كل شيء، وربما لخروجهم هرباً فلا يقوون على حمل شيء وهم يخاتلون الحواجز، وما أكثرها.
ولايمنعني من ذكر أسماء الأشخاص والمناطق إلا الحرصُ على سلامتهم وهدوئها.
دون نكران أن بعض (النازحين) ـ ممن يقدر على العمل ـ يعمل ويكسب قُوته، ودون نكران المجهود الكبير المبذول من أهل الخير في الداخل؛ لكن الخرق اتسع على الراقع، ورجلٌ صالحٌ فيما نحسب يُؤوي عشرات العوائل في بيوتٍ له ومزارعَ، ويتحمل فرش البيوت ونفقات ساكنيها = أسرّ إلى أخٍ لنا أنه يستدين لقلة السيولة معه ولعظم الحمل....
وينبغي ألا يغيب عنا أن هؤلاء النازحين هم غالباً أهالي الثوار؛ مَن نذروا نفوسهم لله، مَن يقاتلون عن السوريين، بل عن المسلمين جميعاً، مَن تركوا أهلهم يخرجون من جحيم الموت إلى حيث لايدرون غالباً، وكل ظنِّهم أن أهليهم لن يهونوا على إخوانهم، وأن إخوانهم لا بد سيخلفونهم في أهليهم خيراً.
أعداد المهجَّرين في الداخل تضاعفت من أشهر مراتٍ عديدةً، وحالهم إلى أسوأ، وحال الداعمين إلى وراء للأسف، ونعذر بعضهم لأن المأساة طالت عليهم دفعاً، ولكن كيف من يعيشها إذاً؟؟!!! كيف ومَن كان عنده مِن أشهر شهيدٌ صار عنده اليوم شهداءٌ، ومَن كان عنده مهجَّر في بيته صار عنده عشرات، ومَن كان ويتقوّت مما ادّخر صار يستجدي أو يتعفّف فيتأذى من القلة، ومَن كان وله مَن يدعمه ويشدّ عضده صار وداعمُه في الفقر سواءً، ومن يوم كتبت النسخة الأولى من هذه "النجوى" أو "الصرخة" إلى الآن فقدت إخواناً كانوا يعينوننا ويدافعون عنا ما بين شهيد وجريح وسجين.
إن تعبَ مَن يعدّ شهداءنا والمجازر فينا فكيف ونحن نعيشها؟!! وإن ملّ مَن يسمع صراخنا وأنيننا فكيف بمن يصرخ ويئنّ؟!!
إنكم إن مللتم فما مللنا، وإن يئستم فما زلنا والأمل رغم الألم يحدونا، وإن تخلّيتم عنا فالله معنا ولن يضيّعنا ...
فالله الله فينا إخواننا، والله على مَن خذلَنا أو تخاذلَ عن نصرتنا