بين ازدراء الشعوب وازدراء الأديان
بين ازدراء الشعوب وازدراء الأديان
د. صفاء رفعت
لا يمكن تزييف غضب الشارع ولا تنميقه وتزويقه ليظهر بمظهر متحضر مشرف، ونعم ليس ما يحدث الآن؛ من حرق ورشق وتخريب واشتباك، ليس من روح الإسلام وليس من حسن فهمه، لكن الصورة الراهنة بحاجة لتدبر واع، ومحاولة لتحليلها وفهمها، وليس إزدراءها والإستهزاء بها على اعتبار أنك الطرف المتحضر النظيف وسط هذه الشعوب الغوغاء!
هذا الذي نراه هو نتاج تلقائي متوقع لجهد طويل اشترك فيه جميع المتفرجين لتهميش وتسطيح انتماء الناس لدينهم، ودراسته وتدريسه وفهمه، واستيعاب أصوله وفقه فروعه، والإلمام بوسائله وأدبه، وأسباب عزته وقوته وتمكينه، وحين لا يكون لدى الشعوب المسحوقة والمسروقة، والمغلوبة غلا وقمعا وقهرا وإلهاءً، حين لا يكون لديها غير قشور معرفية رمزية هي كل رصيدها من دينها الذي تتسمى به، دون أن يغير ذلك حقيقة ارتباطها به وحاجتها للإنتماء إليه، فلابد وأن ينعكس ذلك كله بشكل مفهوم جدا على ردود فعلها، وهي بذات الوقت ذات الأسباب التي تجعلها ضعيفة مهزوزة مهيضة الجناح نكرة وسط العالم مستنكرة لا هيبة لها ولا اعتبار لمقدساتها تنالها الأيدي والألسنة بما تشاء من التطاول والسوء...
والنكتة في هذه المفارقة، أن ذات الأيدي التي ظلت لعقود طويلة تحيك لها في الظلام رداء إقصاء الدين، وتهميشه وتسفيه مفاهيمه، وفصله عن حياة الناس، وحصره في شعائر ومشاعر، هي ذاتها التي تستنكر همجية غضبها! وتندد بأنها جموع لا تعرف الرسول عليه الصلاة والسلام ولا تهتدي بهديه في سكونه وغضبه، وتنتقد طريقتها في الرد على الإساءة إليه، وتعايرها بأنها جموع لا تصلي ربما ولا تنتمي للإسلام حقا، فلم تثور غضبى الآن؟!!!
وفي الحقيقة كلا الجانبين بعيد عن عقيدة الإسلام وحقيقته وتحقيقه في واقع حياتها، وإن كان نصيب البسطاء الغاضبين بصدق طويتهم أقرب لفطرته ممن ينتقدهم وهو يحسب أنه الحكيم العاقل، النزيه البصير، وكلهم مقصر مسؤول محاسب رغم ذلك سواءً بسواء.
ونكتة أخرى يؤكدها الحدث الراهن ألا وهي أن الإسلام كل لا يتجزأ ولا يستوي بحال الأخذ ببعضه وترك بعضه ونتائج ذلك مدمرة ومفجعة حقا دينا ودنيا على مستوى الشعوب والأفراد جميعا...
لو كانت أمريكا باعتبارها قائدة الحرب على كل ماهو إسلامي بدءا من درس التاريخ في مناهج الدراسة وانتهاءا بمؤسسات الحكم والرئاسة في ديارنا كلها، مرورا بأفغانستان والعراق وفيتو دعم انتهاكات إسرائيل المعتاد، لو كانت أمريكا قد فعلت ما فعلت هي وأنصارها المأجورين في الداخل والخارج خوفا من المارد الإسلامي الأصولي المنتظر، فهي الآن ستواجه ماردا ثائرا غاضبا من نوع آخر لا يلتزم تماما بسماحة الإسلام ولا يفقه حضارته التي كانت دوما ملاذ أعدائه وموئلهم الذي يستجيرون به في الملمات ويعولون على شرف خصومته ورشاد رأيه ونزاهة حكمه وقسط معاملته رغم صراعهم معه..
.........
حوار في قناة الجزيرة مباشر مصر:
مذيع الجزيرة مباشر مصر الذي يجري لقاءات ميدانية مع المعتصمين أمس، لا أعرف اسمه، لكنه مستفز جدا وغير مهني بالمرة، إن كان يرى أنه الوحيد الذي يفهم كل شيء ويريد أن يعلّم الناس الأدب والدين من وجهة نظره، فلينشيء فصول تقوية لتعليم الكبار بعيدا عن البث المباشر للقناة أفضل من تعكير متابعتنا لصدى الشارع وصوته وحميته عن دينه ونبيه..
الرجل البسيط العامي يقول؛ نقطع العلاقات مع أمريكا، المذيع يقول؛ ستضر بمصالح مصر الاقتصادية، الرجل يقول؛ مش مشكلة نستحمل، المذيع يقول؛ لكن نصف الشعب تحت خط الفقر، قال له؛ نستحمل، قال؛ أنت تستحمل غيرك لا!!!! لا تعليق
مواطن يقول؛ نطرد السفيرة، المذيع يقول؛ لا تزر وازرة وزر أخرى! ما ذنب السفيرة في فيلم عملوه خمسة!!!!! لا تعليق
مع إن بعض المتظاهرين منظرهم غريب قليلا لكن المذيع مش ممكن فعلا كأنه يريد تسفيه الناس وإلصاق تهمة أنهم مأجورين بهم بالقوة كأنه المحقق كانون!!
.......
الأمور متداخلة جدا والصورة معقدة... وهناك أخطاء فردية وجماعية في الفعل ورد الفعل، ولا أحد يمكنه التنبؤ برد فعل الجماهير الغاضبة حين تهان عقائدها ومقدساتها، وكلنا سنقف مستائين من تكوين صورة سلبية عن الأمة تعكسها عناوين الأخبار في الغرب وفي هذا التوقيت بالذات ١١ سبتمر!! أيقونة أمريكا السوداء لسحق شعوبنا وتمزيق أشلاءنا،، لكن:وكان أمر الله قدرا مقدورا! وهذا ما قدره الله تعالى تحديدا في هذا الوقت، وليس كلامي افتئاتا على القدر بل محاولة للنظر من الجهة الأخرى وعسى أن يقدر الله تعالى أحوالا تسقط عروشا وترفع عروشا، وشعوب الغرب التي لم ترض عنا رغم محاولات المعتدلين الممتدة لعقود لشرح حقيقة الإسلام، ورفض لصق التهم بكل المسلمين وتصنيفهم جزافا دون محاولة للفهم أو الإنصاف إلا فيما ندر وخص لن ترضى عنا كذلك لو رأتنا نقف متحضرين مستنكرين بوقفة صامتة مؤدبة ملتزمة بالإتيكيت الإنجليزي ولن تغير موقفها منا مهما فعلنا، فلا تحضرنا يرضيهم ولا همجيتنا تعجبهم!
ولا يهم ما يروننا عليه ولا يهم رأيهم فينا ولا حتى صورتنا التي نريدها جميلة في عيونهم، لا تهم!! الشيء الوحيد الذي يجب علينا فعله أن نعود للإسلام كلا وتفصيلا، أن نعود لنكون مسلمين ونحسب قبل كل خطوة في أعمارنا وحياة شعوبنا هل يرضاها الله تعالى وكفى. فخلاصة ما نحن فيه أننا في حال لا يرضاها الله تعالى ورسوله وحين نغضب للنيل من رسولنا الذي حمل رسالة السلام والخير والإستقامة والاعتدال والقسط للبشرية جمعاء، دون أن ننتمي لمنهجه في حياتنا قبل ذلك كله وقبل أن نعرفه ونعرف سيرته وسنته وشريعته ونوقرها ونقوم بها فهذا ازدواج فريد وأمر غريب ولا أراه يغني عنا شيئا!
قبل أن ننظر أين نحن من العالم علينا أن ننظر أين نحن من الصراط! فلو استوينا على صراط العزيز الحميد فلا نبالي بعدها أين من الدنيا نكون، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. والصحابة رضوان الله عليهم سادوا الدنيا في سنوات معدودة بالتزامهم منهج دينهم، وكانوا يردون كيد المستهزءين والهاجين ويغضبون لله ولرسوله، لكنهم لم يكونوا قبل ذلك ولا بعد ذلك مفرطين في حقه! فعاطفة الغضب التي تأكل ولا تبني مجتمعا مسلما ربانيا عاطفة سلبية مجوفة لا مداد لها من قلوب محبة مخلصة لذلك نراها تهدم وتحرق ولا تبني ولا ترد كيدا ولا تفيد. والله تعالى أعلى وأعلم.
……
الإسلام رسالة السلام والحرية، والفطرة والقسط، والأدب والحضارة، والجمال والحب، والرفق والعطاء الجميل الممتد للبشرية جمعاء.. وأنتم حين حرمتم الشعوب من الحياة به وفيه وعليه، حرمتم العالم كله من مصباح النور الوحيد ولافتة الطريق الأخيرة التي تدلها على طريق النجاة حتى آخر الدهر، ولا يعلم إلا الله تعالى لأين يسير الجميع بعد ذلك..
فاللهم لطفك.