مثلث الدين والعلم والفلسفة
مثلث الدين والعلم والفلسفة
د. خالص جلبي
في المناقشة التي دارت بين الرجل وزوجته على طاولة الطعام سألت الزوجة: أليست الفلسفة ببساطة ماذا يفعل الفلاسفة؟ قال الزوج: لا أعرف لم أصبح بعد فيلسوفاً. عقبت الزوجة: كل الفلاسفة كانوا رجالاً أليس كذلك؟ أجاب الرجل: أنا لست متأكداً لم أفكر في هذا النقطة. قالت الزوجة: حسناً أظن أنك لم تصبح بعد فيلسوفاً. ارتبك الرجل قليلا وقال: آه . إذاً أنت تعرفين ما هي الفلسفة حتى تدخلين في معبدها من تشاءين وتطردين ممن لا ترغبين؟. قالت الزوجة: نعم وحسب ما أعرف فإن الفلسفة هي تحديداً التفكير حول ما تفكر له. علق الزوج: لماذا تفكرين هكذا؟ قالت الزوجة: حسناً لو فكر أحدنا بأي شيء يعرفه حتى لو كان سعر نعل فلسوف يدرك أنه يفكر حول ما يفكر فيه. أصغى الرجل ملياً إلى قول زوجته الحكيمة وقال: أظن أن معك جزءً من الحقيقة وحري بالتأمل. أجابت الزوجة بابتهاج بالطبع يجب أن تفكر فيما أقول وهي على كل حال بداية لمعرفة الفلسفة. في الواقع هذه الحوارات وأمثلتها تلقي الضوء على حيرة الناس في تعريف الفلسفة فالبعض يراها صداع للرأس. وفريق آخر يراها عبثاً وتضييعاً للوقت فإذا تغيمت الأمور ولم تنتج قال الواحد للآخر كفاك فلسفة. وهناك من يشعر أنها تخرب العقائد وهي خطرة على راحة العقول. وطائفة ترى فيها أنها تسبح في الخيالات ولا علاقة بواقع الناس. وهناك من ينكت ولا تخلو النكتة من قسم من الحقيقة عندما يسأل أحدهما الآخر: كيف تعرف الفيلسوف بين الناس في الشارع؟ ويكون الجواب: عندما ترى رجلاً يمشي بين الناس هو يحمل كتاباً يقرأه وكأنه لا ينتمي لعالمهم. وهناك من يجادل في تاريخ الفلسفة عامة أنها تمثل المستحيل وتشوه الذوق ولكن كما يقول بعض الفلاسفة: إنه خير لك أن تفعل شيئاً من أن لا تفعل. والفلسفة في الواقع كما يقول الفيلسوف برتراند راسل أنها تلك المنطقة التي لا اسم لها بين العلم والدين مكشوفة للهجوم من الجانبين. ويختلف الدين عن الفلسفة أنه يعطي إجابة جاهزة محددة يقينية في حين أن الفلسفة تبقى تبحث وتثير زوابع الشك بدون توقف. وفي كل خير وكل منهما يحتاجه الإنسان. وفي موقف الإنسان من الموت نرى العلم لا يملك الجواب. أما الفلسفة فتسبح في فضاءات لانهائية بحثاً عن التفسير والمنطقية. ولكن الدين يدخل إلى قلب الإنسان اليقين والراحة والقناعة بمعنى الحياة مرتين في الدنيا والآخرة. ولكن لولا زوابع الفكر الفلسفية لما نشط الفكر في التاريخ؛ فالفلسفة تمثل جذع شجرة تخرج منها ثمرات العلوم أما الجذور القوية الضاربة في عمق التربة فهي الميتافيزيقيا أو الدين ويجب أن تكون في غاية الثبات أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء تعطي الثمرات كل حين. ومن هنا يجب فهم علاقة الدين بالعلم والفلسفة أن كل منهم له ميدانه الخاص به. كما ينظر الإنسان أمامه في ثلاث زوايا فإن نظر تحت قدميه كانت علما فإذا تطلع إلى الأفق كانت فلسفة فإذا نظر في السموات العلى كانت دينا. وصدق الفيلسوف (غرامشي) بأن كل واحد منا عالم قائم بذاته وفيلسوف على نحو ما. وفيك انطوى العالم الأصغر. ولكن ماركس أعلن في كتابه (بؤس الفلسفة) أن الفلسفة ماتت. وينحو النمساوي (لودفيج فيتجنشتاين) فيلسوف الوضعية المنطقية هذا النحو فقد ودعها كما فعل الغزالي وارتاح في استراحة الصوفية. ولله في خلقه شئون؟