الحرب في سورية ومواقف الدول الكبرى الثلاث
الحرب في سورية ومواقف الدول الكبرى الثلاث
"أمريكا، روسيا، والصين"
صالح خريسات
يفرض الوضع المأسوي، الذي يعيشه الشعب العربي في سورية، على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، أن يكون بينها حجم من التفاهم، يكفي ليصنع أرضية مأمونة، يعبر من خلالها الثوار إلى ضفاف النصر.
لكن روسيا والصين، تسعيان إلى الثأر من الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت أواخر القرن الماضي، على انهيار سلطان النظام الشيوعي العالمي، وتفتيت الاتحاد السوفييتي. وهي تعتبر ما يجري الآن في سورية، حربا بين مصالح المعسكرين، الشرقي والغربي .
إن روسيا والصين، يهمهما من هذه الحرب، أن تفهم الدول الصغيرة التي تدور في فلكهن، وتستورد السلاح منهن، أنهن قادرتان على حمايتها من النظام الأمريكي، وإن ما حدث في العراق كان فلتة لا يقاس عليها، ولن تتكرر في المستقبل.
وتريد روسا والصين، أن تفهم الدول الإسلامية، بأنهن لسن ضد الهوية الإسلامية، وأن ما حدث في أفغانستان مغامرة ثبت فشلها، ولا تكاد تساوي شيئا بالنسبة إلى ما فعله الاميركان في العراق. وهذا هو سر التناغم في العلاقة بين روسيا والصين من جهة وإيران كدولة إسلامية كبرى، من جهة ثانية.
وترى روسيا والصين، أن انتصار جيش النظام السوري، بدعم من هاتين الدولتين، هو رسالة لكل أشكال التمرد التي تحدث في الدول التابعة للنظام الشيوعي العالمي، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم الثوار والمتمردين، كما فعلت في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن، فان روسيا والصين، لا تسمحان بانهيار الأنظمة الحاكمة التابعة لها.
أما الرسالة التي تريد روسيا والصين، توجيهها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن شرطها الرئيسي في النظام العالمي، أن لا يتم في المستقبل إجراء سياسي أو اقتصادي في المنطقة، إلا بعد التشاور معهما والاتفاق بينهما.
إن موقف الصين ومصلحتها، واضح منذ البداية، فهي لا تريد أن تترك أمريكا روسيا وحدها، ولا تريد تسوية الأمور في غيبتها، كما أنها ضد كل نظام إسلامي على طريقة طالبان. ومثل هذه الأنظمة الإسلامية، مرفوضة في الدول العربية الإسلامية القائمة الآن، فليس من المصلحة، السماح بانهيار هذه النظم، لتتولى نظم إسلامية أخرى متشددة، تعلن الحرب على مصالح النظام الشيوعي.
أما موقف دول الخليج من الحرب في سورية، فه يرجع إلى أن أراضيها هي ذاتها القواعد التي تشن منها الحرب.فالقواعد الامريكية موجودة على الارض، وهي تعمل بحرية تامة، وليس هناك من يستطيع أن يعترض، فما يهم هذه الدول هو السلامة" سلامة النظام الحاكم، رأس المال" بصرف النظر عن مشاعر أهل البلاد وضرورات المن الوطني، والشعور بالاستقلال السياسي والاقتصادي.
ومن الواضح الآن أن دول الخليج ومعها الأردن، في وسعها أن تتحمل ما تستطيع تحمله مت تكاليف هذه الحرب، من أجل إسقاط النظام السوري وإضعاف دور إيران وحزب الله في المنطقة.
على أن أخطر ما في هذه الحرب، الدائرة على الأراضي السورية، أن عددا غير قليل من قادة الجماعات الإسلامية غير الظاهرين للإرهاب، وأعوانا لهم من مختلف المراكز والدول، استطاعوا أن يتسللوا إلى بلاد الشام، وسط فوضى الحرب، وهم يبحثون الآن، سياساتهم وخططهم، للمرحلة القادمة. بل إن بعضهم خلع ستائر الحذر، وانتشروا بقوة بحجة تأييد الثورة على نظام القمع والاستبداد.وهو أمر خطير إذا سمح لهم بتنفيذ مخططاتهم، كما فعلوا في العراق واليمن.
أما تركيا، فهي تمارس المهام الموكلة إليها على ساحة الأزمة. والمطلب مقابل ذلك، أن تركيا لديها حلم نائم، أو في الحقيقة حلمان، آن لهما أن يستيقظا: أولهما حلم أن تعترف سورية تحت ضغوط الحرب، بأن قضاء الاسكندرونة، الذي تنازلت عنه فرنسا لتركيا أيام الإمبراطورية، قد أصبح شرعيا ونهائيا ولاية تركية . والثاني حلم ولاية الموصل، التي تأمل تركيا في سلخها عن العراق ، لكي تصبح ولاية تركية، لأن أنقرة ما زالت تتهم الحكومة البريطانية، بالعمل على ضم الموصل إلى العراق الخاضع لها، ساعة تصفية دولة الخلافة العثمانية تلك الأيام.
أما بقية الدول الأخرى، وبخاصة دول الجوار، فإن التحالف معها يأتي في إطار عمل محدد، في مرحلة محددة، من هذه الحرب.
وينبغي التذكير، بأن تأخر المساعي السياسية، في حل مشكلة الحرب في سورية، يدفع ثمنها الشعب السوري، وتزداد الأمور تعقيدا، إذا علمنا أن جيش النظام السوري، الذي يقوده العلويون، يعتبر قتال جيش المعارضة واجبا دينيا مقدسا، يجاهد في سبيله، بتوجيه من إيران وحزب الله، ويرفع شعار"يا لثارات الحسين". وهذا أمر خطير للغاية، وإذا استمر على هذا النحو، فلسوف يشعل المنطقة بحرب ليس لها آخر.
فسكوت المجتمع الدولي على المجازر اليومية، التي يرتكبها جيش النظام السوري، دون أن تكون هناك قرارات ملزمة للنظام السوري، بوقف القتال، وعودة الجيش إلى ثكناته، وعودة اللاجئين المهجرين إلى منازلهم، هو في الواقع إدانة جذرية لسلطان القانون الدولي، ووصمة عار، في جبين الدول التي تنحاز بإرادتها، إلى موت الشعوب وهلاكها. فالأوضاع في سورية، لا تحتمل الانتظار، وسكوت الدولتان روسيا والصين، عن الجرائم الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري، بحق الشعب، وبحق المدنية، وبحق الإنسانية، لا يعني حياد هاتين الدولتين، بقدر ما يعني انحيازهن إلى الشر، والقتل، والتدمير.
لذلك تبدو مهمة الأخضر الإبراهيمي، كما وصفها هو نفسه، صعبة للغاية، وفاشلة أيضا إذا لم يعززها قرار فوري بوقف القتال وإنهاء الحرب. وهذا أمر لا بد له من رضا روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، حتى ولو كان هذا الرضا بالسكوت، وعدم تقديم اجتهادات أخرى، تلزم وقتا جديدا. بل يجب التعجيل بإنهاء الموضوع، لأن تأخيره يعني زيادة أعداد القتلى من المدنيين العزل من السلاح، ومن الأطفال والنساء، ويعني أيضا، تهجير الناس من بيوتهم، أو تدميرها عليهم . فالموضوع على قدر من الأهمية الإنسانية، وكل دولة، تستطيع أن تفعل شيئا لوقف القتال، ولا تفعله طواعية، لحسابات سياسية، على نحو مما نشاهده في مواقف الدولتين، روسيا والصين، فهي في واقع الأمر، شريكة في الجرائم الإنسانية. ولا بد من قرارات دولية سريعة، تلزم الأطراف المتقاتلة، لوقف القتال، وإنهاء الصراع المسلح، والقبول بشرعية الثورة.