دائرة العنف والدم في سورية
دائرة العنف والدم في سورية
صالح خريسات
استعيد في ذاكرتي الآن، جملة من الخطابات السياسية، التي ظل الرئيس الراحل حافظ الأسد، يرددها في كل مناسبة وطنية أو قومية، وهي أن العنف، والمقاومة، والكفاح المسلح ، هي السبيل الوحيد للقضاء على الاستعمار والاستبداد واستعادة الحقوق المغتصبة.
ومن بعده جاء الرئيس الحالي بشار الأسد، ليردد العبارة نفسها، ولكن في قالب جديد، وهو أن هذا الاستعمار الذي قام على العنف، لا يمكن الخلاص منه إلا بالعنف. ولذلك رفض كل أشكال التسوية مع إسرائيل، على الرغم من أنه لم يطلق رصاصة واحدة، تجاه العدو المزعوم.
وهو يقول أيضا، أن الجماهير المستعبدة، تشعر بهذه الحقيقة، ولكن شعورها هذا لا يصير إلى كفاح مسلح فورا، ذلك أن الأحزاب السياسية، والشخصيات البرجوازية والمنتفعة من النظام، تستبعد فكرة العنف والمقاومة، بل تخشى العنف. ويصفها الرئيس السوري بأنها عنيفة في أقوالها، معتدلة في مواقفها، لا يزيد نشاطها على مقالات وخطب، تتحدث عن حقوق الإنسان وتقرير المصير.
وأنا أعتقد أن السيد الرئيس يصف الرجال من حوله . فهذه الأحزاب التي صنعها النظام لنفسه، لا تدعو إلى العنف، لأنها لا تهدف إلى قلب الأوضاع التي أنشاها النظام رأسا على عقب، ولا تطمح باستلام مقاليد الحكم من يد المستبد الظالم. كل ما تريده هو أن تفاوض النظام، وتنتهي معه إلى تسوية تحتفظ فيها بمصالحها .وهذا ما قامت به بعض الشخصيات في مؤتمرها الساذج الذي عقدته في دمشق، بمباركة من النظام الحاكم، وحراسة رجال الأمن.
والواقع أن الجماهير الوطنية في سورية، كانت تخشى النتائج التي يمكن أن تنجم عن لجوء الشعب إلى العنف، وتخشى النتائج التي قد تنجم عن هذا الإعصار الجبار،كما حدث في ليبيا مثلا، واليمن.
وقد ظل الوطنيون يخشون فكرة الصدام المسلح مع النظام وأعوانه، واستمر خوفها على الجماهير البريئة، أن تكنسها هذه الريح العاصفة، فما فتئت تقول للنظام ما زلنا قادرين على أن نوقف المذبحة، ذا أنت تواضعت لله قليلا وأدركت أن الشعب يريد إسقاط النظام.
ومن حسن الحظ، أن الجماهير ما تزال تثق بقوتها، وتثق بالشخصيات الوطنية التي تقودها الآن، إلى نعيم الحرية والديمقراطية الحق، ولطالما عرضت على النظام المصالحة من موقع القوة، ونصحته بعدم استخدام العنف، وأخذ العبر مما جرى في تونس وليبيا ومصر واليمن .
لقد دخلت سورية الآن فوضى الحرب الأهلية، وانتهكت فيها كل أشكال حقوق الإنسان، من أجل أن يستمر هذا الرجل الفاشل في الحكم ويحافظ على دولة أبيه. إن سورية الآن تحترق، والشعب السوري يغرق في بحر الدم، وليس في المنظور القريب ما يفيد بنهاية هذه الحرب، بعد أن وصل الرئيس السوري إلى نقطة ألا عودة .
والحل الآن، إما أن يترك الرئيس البلاد ويرحل إلى دولة تقبل به، أو تستمر الحرب ويتحرك الشعب كله لمواجهة النظام بالعنف نفسه، طلقة بطلقة، وصاروخ بصاروخ، ولا ندري كيف يمكن أن ينتهي هذا كله، أو يسارع النظام بإيجاد حل أو تسوية، تقبل بها الجماهير، ولا نحسبها تقبل الآن بأقل من محاكمة النظام ، بعد أن مارس في حقها كل أشكال القتل والتعذيب.
إن كل الأصوات التي تنادي الآن بالتعاون مع النظام، ومنحه فرصة أطول لإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة، أصوات غير معتدلة، وهي بالتأكيد منحازة إلى الاستبداد والظلم وقهر الشعوب. لكن وعي الجماهير يكتشف كل يوم، أن هذه الأصوات التي تدعي الوطنية، وتدعي الحفاظ على حياة الشعب من الموت والهلاك، تتواطأ على الشعب مع جلاديه، في مرحلة الانتصار والتخلص من الاستبداد، حتى لكأن مهمتها، هي أن تحول دون انتصار الجماهير، على الرغم من حجم التضحية، وعدد الشهداء الذين سقطوا برصاص جيش النظام وحراسه.
إن إجهاض الثورة في سورية، بتسوية تحقق مصالح النظام في البقاء في السلطة، على حساب الشعب والسيادة الوطنية والديمقراطية الحقيقية، أمر خطير له ما بعده من تصفيات، وإعدامات، ومحاكمات، جرى مثلها كثير، في النظام السوري السابق واللاحق.
فعلى المجتمع الدولي، أن يكف عن مثل هذه الممارسات التي تطيل أمد الحرب، وتزيد في معاناة الشعب السوري المنهك. لا سيما وان معاناته بدأت تنتشر وتعم دول الجوار، ومن المحتمل إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، أن تشهد المنطقة كلها، فوضى ودمار، بمباركة من الرئيس السوري ونظامه .