مقابلة مهزوم لبس ثوب المنتصر
مقابلة مهزوم لبس ثوب المنتصر
ياسر الزعاترة
نترك كلمة الرئيس المصري في طهران (قمة عدم الانحياز) لمقال يوم غد، لنتحدث عن مقابلة بشار التي بثت مساء الأربعاء الماضي.
عبثا حاول بشار الأسد أن يلبس ثوب المنتصر في مقابلته المبرمجة؛ أسئلة وأجوبة، وربما “مونتاجا” أيضا بلغة التلفزيون مع فضائية “الدنيا”، وهي فضائية تابعة للنظام، تلبس ثوب الاستقلالية؛ تماما مثل استقلال صاحبها الملياردير رامي مخلوف (ابن خال بشار) عن سيده وولي نعمته الذي منحه فرصة مراكمة المليارات بأساليب فاسدة من عرق الشعب السوري.
لم يجد بشار غير “الدنيا”؛ فضائية ابن خاله لكي يبرمج معها المقابلة التي لم تأت صدفة قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر طهران لدول عدم الانحياز الذي سعت إيران إلى تقديمه بوصفه انتصارا على الحصار المفروض عليها بسبب برنامجها النووي.
على أن ثوب المنتصر الذي لبسه بشار لم يكن كافيا كي يعلن الانتصار الكامل على “المؤامرة”، فقد كان عليه والعالم بأسره يرى كيف أن نصف التراب السوري لا يخضع لسيطرته قواته؛ كان عليه أن يتحدث عن انتصار تدريجي يحتاج وقتا كي يحسم، وسبب ذلك بحسب تبريره أن المؤامرة إقليمية ودولية وليست مجرد تمرد داخلي مسلح.
في المقابلة حاول بشار تمرير جملة من الأكاذيب، والتي كان بعضها بائسا ومكشوفا إلى درجة التناقض مع الذات؛ إذ انها المرة الأولى التي يزعم فيها مثلا أن الثورة الشعبية قد بدأت مسلحة منذ اليوم الأول، وليس بعد أيام أو أسابيع.
وقد فعل ذلك ليهرب من سؤال السبب الذي دفعه للرد على شعار “سلمية، سلمية” بالرصاص الحي والاعتقالات والإذلال.
بحسب ادعاءاته، فقد تساقط جنوده قتلى منذ اليوم الأول، الأمر الذي يستدعي سؤالا حول دولة أمنية تنتشر فيها البنادق بين أيدي الناس على نحو يمكنهم من اصطياد الجنود بتلك السهولة!! مع العلم أن القاصي والداني يدرك أن من جرَّ الانتفاضة بعد شهور نحو العسكرة هو النظام، ليس فقط من خلال اختراقاته في بعض المجموعات المسلحة التي خبر التعامل معها أيام مواجهتها للاحتلال الأمريكي، ولكن أيضا بعد أن فرض على الناس اليأس من القدرة على مواجهة آلة القتل بالمظاهرات وحدها في بلد يحظى فيه النظام بدعم طائفة معتبرة وأقليات أخرى خائفة من البديل تشكل ما لا يقل عن ربع السكان.
بعيدا عن الأكاذيب التقليدية، فقد كان على النظام أن يفسر أيضا جملة من الأشياء من بينها رفضه الحوار مع المعارضة، وهنا راح يتحدث عن معارضة انتهازية لا مصداقية لها، وكان لافتا أنه شمل بالتوصيف ما يعرف بمعارضة الداخل، وسخر من دعوتها الأخيرة لوقف العنف معتبرا أنها لم تأت إلا بعد هزيمة خيار العنف واليأس من قدرته على الإطاحة بالنظام.
أما الانشقاقات فقد سخر منها، أو سخفها إلى درجة مزرية عندما اعتبرها “عملية تنظيف” للوطن، وذهب إلى أن بعضها قد تم بعلمه وتسهيلاته لأنه يريد التخلص من أمثال أولئك المتهمين بعدم الولاء للوطن الذي جرى اختصاره بالرئيس وزمرته الحاكمة.
وقد بدت كلمة وطن التي تكررت مرارا في الحوار بائسة إلى حد الابتذال.
تحدث عن الطائفية، وبدا شيخا عظيما يفتي في معارضة الطائفية للدين؛ هو الذي لعب على وتر الطائفية من أجل دفع طائفته للانحياز إليه رغم أنه حكمه بات أقرب لحكم العائلة منه لحكم الطائفة. كما حيا رجال الدين الذي وقفوا إلى جانبه إلى درجة أن بعضهم (بحسب ما قال) عُذب في الأقبية من أجل تغيير موقفه، لكن أبى، في رواية يسمعها الناس للمرة الأولى، إذ أن إعلام النظام ذاته لم يتحدث يوما عن شيخ استشهادي عُذب في الأقبية من أجل تغيير موقفه لكنه صمد ولم يغير!!
في أسباب المؤامرة على سوريا تحدث عن المقاومة والممانعة وفلسطين، لكنه ركز بشكل لافت على مطلب الغرب بالابتعاد عن إيران، وكانت هذه فقرة غزل استثنائي بإيران لم يسبق لها مثيل في خطابات ومقابلاته، الأمر الذي يعني القبول بوصايتها عليه، لاسيما حين سخّف المبادرات السياسية باستثناء المبادرة الإيرانية.
كل ذلك يؤكد أن سياق المقابلة إنما جاء عشية قمة طهران والمبادرة التي وعدت إيران بها من أجل إظهار تماسك النظام على أمل أن تستثمر القيادة الإيرانية ذلك ومعه التصعيد العسكري على الأرض في مساومة سياسية تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتجد مخرجا؛ ليس للعائلة الحاكمة فقط، إنما بشكل أهم للطائفة التي ينتمي إليها، والتي تعتقد إيران أن الحفاظ عليها إنما يتم من خلال تسوية لا تمس المؤسسة العسكرية والأمنية حتى لو أفضت إلى تنحي الرئيس، وإن كان من الصعب عليها التصريح بالشق الأخير منذ البداية (طبعا جاءت كلمة مرسي لتثير إحباط القيادة الإيرانية والنظام السوري في آن).
تلك هي الخلاصة التي أنتجت المقابلة، أعني إظهار تماسك النظام وصموده من أجل إقناع المعنيين (من المعارضة والداعمين لها) بالحوار الذي يفضي إلى صيغة حل وسط لا غالب فيها ولا مغلوب بحسب تعبير بعض أنصار النظام في الساحة اللبنانية.
هكذا حاول بشار بيع بضاعة فاسدة على المعارضة والسوريين والعرب والإقليم، وحتى المجتمع الدولي، وهي بضاعة لن يشتريها أحد لأن الكل يرى كيف يترنح النظام ولا يجد معه غير طائفته وبدرجة أقل بعض الأقليات والمنتفعين، حتى لو كان بوسعه الصمود لشهور أخرى؛ ليس بسبب قوته؛ بل بسبب الموقف الغربي المناصر لبرنامج الكيان الصهيوني في إطالة أمد المعركة من أجل تدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود.