لاجىء يهودي
لاجىء يهودي!!
صلاح حميدة
في وزارة خارجية دولة الاحتلال ما يثير الإستغراب والاشمئزاز لحدّ الطرافة أحياناً، فبعد خروج وزير خارجية الاحتلال بتهريجه الإعلامي عن تصنيفاته لبعض القادة الفلسطينيين، ودعوته الرّئيس المصري لزيارة القدس المحتلة، يخرج علينا نائبه داني أيالون بمواقف مضحكة عن ما يسمّيه ( اللاجىء اليهودي) ويدعو الدّبلوماسيين الإسرائيليين لتبنّي هذا الخطاب،والحديث عن معاناتهم؟!! وقال أنّه: " شخصياً إبن لاجىء يهودي من الجزائر).
أوّل ما يلفت الانتباه في كلام أيالون أنّ غلاة العنصرية في الكيانات الاستيطانيّة الكولونياليّة ليسوا فقط من يُعرفون ب " القادمين الجدد" مثل المهاجرين الرّوس وقائدهم ليبرمان، بل نجحت الحركة الصّهيونيّة في دفع اليهود العرب إلى كره أنفسهم، والاتجاه نحو المبالغة في التّطرّف ضدّ الفلسطينيين والعرب حتّى يثبتوا ولاءهم للصّهيونيّة، وأكبر مثال على ذلك أيالون هذا وغيره من يهود الشّرق الّذين تلاحقهم أصولهم العربيّة في مجتمع عنصري.
لجأ اليهود إلى العالم الإسلامي هرباً من أوروبّا الغربيّة والشّرقيّة، فاحتضنهم المسلمون والعرب في الدّولة العثمانيّة وفي الأندلس، وأحسنوا إليهم ومنحوهم حقّ المواطنة، وأصبحوا جزءاً أصيلاً من المجتمع والدّولة، وشهد بذلك مفكّريهم في الموسوعة اليهوديّة، بأن قالوا أنّ:- " العصر الذّهبي لليهود كان في ظل حكم المسلمين في الأندلس" و في باقي ديار المسلمين كان لهم إسهامات ثقافيّة واقتصاديّة وعلميّة وسياسيّة، وعندما غربت شمس العرب والمسلمين من الأندلس، تمّ تهجير اليهود مع العرب والمسلمين إلى شمال أفريقيا، حيث والد وأجداد داني أيالون، وهناك تمتّع اليهود بما كانوا يتمتّعون به في الأندلس، وكانت هذه سمة التعامل مع اليهود في المشرق والمغرب الاسلاميين، ولكن المشاكل بدأت مع تأثّر اليهود بالفكر الصّهيوني، وتجنيد بعض اليهود العرب في عمليّات تخريب في مصر وغيرها، وقيام الحركة الصّهيونيّة بتفجيرات ضدّ يهود العراق، نُسبت للعرب، لدفعهم للهجرة إلى فلسطين المحتلة، ولكن مع كل ذلك بقي يهود كثيرون في المغرب وتونس، و لا زالوا يتمتّعون بنفوذ اقتصادي وسياسي واجتماعي كبير، بالرّغم من التّناقض العربي مع الصّهيونيّة.
فاليهود العرب هاجروا من بلادهم واحتلّوا أرض غيرهم، بل احتلوا أرض من آواهم ونصرهم ومنحهم حقوقاً لم يحظَ بها أيّ لاجىء على وجه الأرض، فكل دول العالم التي تستقبل لاجئين يحدث فيها ردّات فعل عنصريّة ضدّ اللاجئين، وهذا لم يحدث من العرب ضدّ اليهود، ولكن أن يحتلّ اليهود أرض فلسطين ويصبح أهلها لاجئين مهانين في العالم، فهذا موضوع آخر، فاليهود قَدموا من بيوتهم إلى بيوت غيرهم بعد أن طردوهم منها، ولم يسكنوا مخيّمات لا تناسب حتّى الحيوانات، مثل مخيّمات غزّة والضّفّة ولبنان وسوريا والأردن وغيرها؟.
فإذا كان أيالون (لاجىء) عربي جزائري وله بيت في الجزائر، فالوضع الطّبيعي أن يعود هو و (اللاجئين) اليهود الّذين اغتصبوا بيوت وأرض الفلسطينيين إلى أراضيهم وبيوتهم في العالم العربي والغربي، واللاجىء الفلسطيني يعود هو الآخر إلى أرضه وبيته أيضاً.
وقد أثير نقاش واسع من مفكّرين وكتّاب في دولة الاحتلال حول أخلاقيّة وقانونيّة وإمكانيّة استمرار دولتهم في الوجود، فقد ظلمت الحركة الصّهيونيّة اليهود و أجرمت بحق الفلسطينيين بسبب قبولها أن تكون أداةً لمشروع إستيطاني دولي على أرض فلسطين، وجعلت اليهود يدفعون ثمن قبولهم بدور الأداة في المشروع الاستيطاني، ويتساءل بعضهم عن جدوى الحياة في دولة ينام فيها مواطنوها وهم يتوقّعون أنّهم قد لا يروا الصّباح، أو أن يفيقوا فيجدوا أنّ دولتهم انتهت، دولة تعيش خلف الأسوار والأسلاك الشّائكة وكاميرات المراقبة ويد شعبها على الزّناد، دولة تعيش الرّعب على مدار السّاعة من الأخر حتّى وهو أعزل بلا سلاح، أو وهو مدفون بقبر من عشرات أو مئات السّنين، وتشعر بالارتياح عندما تجرف قبره!! دولة تعيش فقط بمساعدة من الخارج، دولة غير طبيعيّة، وشعب غير طبيعي، دولة وشعب لا يوجد مثلهما أي دولة وأيّ شعب في العالمفقد ذكر أحد اليهود الرّوس الّذين عادوا إلى روسيا من فلسطين المحتلة عام 1998م:- " هذه ليست دولة، هذه ماكينة قتل وتدمير،هذه أرض الخوف، تعيش الخوف أينما ذهبت، ولا تشعر بالرّاحة والاطمئنان إلا وأنت خارجها... هذه دولة لا حياة فيها، وهي غير قابلة للحياة، ولهذا عدت إلى وطني روسيا".
هذا النّقاش وهذه الفذلكات الإعلاميّة من قادة الدّولة العبريّة تطرح أمامهم الخيار الوحيد الباقي قبالتهم، وهو خيار التّخلّي عن الصّهيونيّة، فتبنّي اليهود لهذه الفكرة الاستعماريّة العنصريّة أوقعهم في في مأزق أخلاقي ونفسي خطير، ودفعهم نحو سلوك إجرامي عنصري غير مسبوق، وما هذه التّصريحات والمواقف المتذبذبة، والجدل الدّاخلي الّذي يطفو على السّطح، والخلافات، والفساد، ومأزق التّعامل مع المهاجرين الأفارقة والعمّال الأجانب، ومأزق الرّغبة في قتل وتهجير العرب، وفي نفس الوقت التّسوّق منهم واستخدامهم " كعمّال وسيّاح ومتسوّقين ممتازين"، كل هذه الإشكالات الّتي يواجهونا تدلّل على كيان بالغ الهشاشة يقع تحت تهديد أيّ شيء، و طفرة القوّة والعنف تظهر هشاشة هذا الكيان أكثر مما تظهر قوّته.