نياشين الرئيس المتدين!
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
جاءني مقال من صديق عزيز يتناول منح الرئيس مرسي نفسه نياشين
وأوسمة وقلادة النيل مقابل عائد مادي يتجاوز عشرات الألوف شهريا وفقا لقانون منح
القلائد والنياشين . ويرى أن ذلك يتناقض مع تدين الرجل والتزامه بمبادئ الإسلام ،
ومع أن الصديق عبر في مقاله عن رفضه لجماعة الأخوان ووصفها بالغموض والاستفزاز
والكذب والمناورة والرغبة في الاستحواذ ، فقد وصف الرئيس بأنه بدا له للوهلة الأولي
رجلا طيبا ومتواضعا .. صبورا وحييا كما أنه توسم في الرئيس الجديد ضحالة خبرته
السياسية ، ومع ذلك فقد أبقى الباب مفتوحا وانتظر أن تكشف الأيام عن مزاياه كرئيس
وكإنسان ، ورجا أن يحاول تبييض وجهه والجماعة بأفعال سامية تترفع عن المكاسب
المادية والمغانم السياسية الفجة!
ولكن الصديق العزيز فوجئ بأن الرئيس أصدر قرارا بمنح نفسه
وتقديرا لذاته جميع الأوسمة والنياشين والقلادات المدنية بالدولة التي تمنحها مصر
للشخصيات العالمية والبارزين جدا من كبار العلماء والنابغين في الفنون والآداب
تكريما لهم بعد عطاء طويل .
ثم رتب الصديق على ذلك انتقادات عديدة ملفوفة بالسخرية والتهكم
، ورأى أن الرئيس كان الأحرى به أن يقتدي بأبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان وعلى وعمر
بن عبد العزيز ؟ .. عمر بن عبد العزيز الذي أبي أن ينير بيته المظلم بشمعة من شموع
بيت المال ..
وبعد تفسيرات وتحليلات تبكت الرئيس وتلومه ومن فكر له في هذا
الأمر .. تباكى على مصر ودماء الشهداء : " لك الله يا مصر .. ضاعت دماء شهدائك هباء
وضاعت ثورتك " .
آثرت أن ألخص المقال تلخيصا وافيا ليرى القارئ الصورة المؤلمة
الموجعة لما يتصوره بعض الناس عن الرئيس وجماعته ، ولست هنا في مقام الدفاع عنه أو
عن الجماعة ، فهما أقدر على الدفاع عن نفسيهما ، وأعرف بحقائق الأمور ، ولكني أود
أن أسجل بعض النقاط التي أرى ضرورة توضيحها ، وخاصة في هذا المناخ المليء بالتربص
والشحن والغضب والملاحاة بين الأطراف السياسية والثقافية المختلفة .
أولا : في مناخ التربص بكل ما يمت للإسلام بصلة وخاصة من جانب
القوي اليسارية والناصرية والليبرالية التي خدمت النظام السابق ، وأفادت منه ماديا
أو معنويا أو كلاهما معا ، فإن على الإسلاميين في تجربتهم الأولى في الحكم منذ ما
يزيد على قرنين من الزمان ، أن يكونوا أكثر حرصا في تصريحاتهم وسلوكهم وقراراتهم ،
وأن يكون كل ما يصدر عنهم مدروسا بعناية بعيدا عن التلقائية والرغبة في الثرثرة ؛
لأن هناك من يتتبعهم ، ويحسب عليهم كل كلمة بل كل حرف بل كل خطوة ، لأنه لا يريد
لهم نجاحا ، ولا يتعامل معهم بموضوعية أو منطق مقبول .
ثانيا : الرئيس محمد مرسي ، ولا أزكيه على الله من أعف الناس عن
الحرام ، ويكفي أن أسرته ما زالت تسكن في شقتها بالتجمع الخامس ، وجزء منها يعيش
بمنزله في الزقازيق ، ولم ينتقل أي منهم إلى قصور الرئاسة أو يطلب عمل حمامات سباحة
أو يختار نظاما معينا للسكنى في هذه القصور كما نشرت صحف الضرار والكذب والتشهير
التي يحررها خدام أمن الدولة وأتباع النظام الفاسد البائد ..وقد رفض أن تركب أسرته
الطائرة الرئاسية وهو في طريقه مؤخرا لحضور مؤتمر القمة الإسلامية في جدة واشترى
لهم تذاكر من ماله الخاص .
ثالثا : أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة أن القانون المصري
ينص على منح أي رئيس جمهورية جديد للبلاد تلقائيا جميع الأوسمة والنياشين لشخصه ،
وهذا لا يترتب عليه أي شيء !! وأن الرئيس محمد مرسي لم يعلم بوجود قانون ينص علي أن
يمنح الرئيس أعلي الأوسمة إلا من الصحف ، وقال هذه المسألة تحدث بشكل تنظيمي تقوم
به الجهات القانونية والإدارية ، لكن الرئيس لم يوقع أي مرسوم ليمنح نفسه النياشين
ولم تعرض عليه مذكرة أو إشعار يتطلب تصديقا أو موافقة من الرئيس ليطبق القرار بل
انه يتم بشكل ذاتي داخل منظومة الدولة التي تطبق القانون ١٢ لعام١٩٧٢ والخاص
بالنياشين حيث تنص المادة ٣ من القانون المشار إليه إلي أن الرئيس يُمنح أعلي
الأوسمة والنياشين حتى يستطيع منح مثلها أو الأدنى منها.
رابعا : ذكر المتحدث باسم الرئاسة أن الرئيس لم يحصل علي أي
مقابل أو رواتب عن الأوسمة التي حصل عليها بموجب القانون ، وأنه لن يتقاضي مليما من
هذه المخصصات ، وكرر المتحدث كلامه مؤكدا أن الأمر كله لم يدر بخلد الرئيس ولم يعلم
عنه شيئا مما تناولته الصحف.
كما نفي المتحدث أن يكون الرئيس قد حصل علي نجمة سيناء المخصصة
لأبطال حرب أكتوبر أو نجمة الشرف المخصصة للعسكريين .
خامسا : يعلم القوم أن هناك من يغترفون أموال الشعب بالقانون ،
ويحصلون على الملايين دون أن يبذلوا جهدا يذكر ، ولكنهم لا يجرءون على الإشارة
إليهم بكلمة ، وأقرب الأمثلة على ذلك ما يتقاضاه القادة العسكريون من عائد
المشروعات الاقتصادية التي يشرف عليها الجيش ، ولكنها الغضاضة التي تمثل حالة
هستيرية غير مسبوقة في الواقع السياسي ، وإذا كان القوم لا يجرءون على التعبير عن
كراهيتهم للإسلام مباشرة ، فإنهم يتخذون من الجماعات الإسلامية وخاصة الأخوان ستارا
لتوجيه قصفهم العشوائي الإرهابي للرئيس والحزب الذي ينتمي إليه بهدف إفشاله وتعطيله
، وتقديمهم صورة كارثية للبلاد في ظل المشروع الإسلامي ، وهو ما يحتم على الحركة
الإسلامية أن تؤكد على قيم الحرية والحوار واحترام القانون ، وضرورة القبول بنتيجة
صندوق الانتخابات ، ومخاطبة الجمهور بالمفهوم الديمقراطي للحكم ، وتوجيه الفرقاء
إلى إثبات وجودهم في الشارع !
سادسا : إن المستفيدين من نظام مبارك يستخدمون لغة البكاء على
أطلال مصر وليس أطلال مبارك لتهييج الشعب ضد الرئيس المنتخب ؛ فيتحدثون عن الخطر
المحدق بمصر والخراب المنتظر على أيدي الإسلاميين ، الذين يصفونهم بأدبهم الرفيع
(؟!) غربان الشوم، والعقارب والحيات والسم الزعاف الذي يسري في أوردة الوطن ، ويصل
بهم الأمر إلى حد وصف المواطنين بالجبناء، والخائفين، والمرعوشين، والقانطين
واليائسين،والذين خارت قواهم وسابت ركبهم وناموا على الضيم فى ليالي الشهر الكريم!
وأبلغ رد على هؤلاء هو التركيز على العمل الجاد لحل مشكلات
المواطنين ، وإشعار الشارع بأن هناك تقدما ملموسا ، وتوفيرا للأساسيات ، وتطهيرا
للبلاد من الفاسدين والمنافقين وشهود الزور.