إيران جزء من مشكلة الإجرام في سورية
نطالب أول رئيس لدولة الثورة في مصر
أن يتعامل مع الثورة في سورية كثورة
نبيل شبيب
الثورة الشعبية في سورية ثورة، والثورات الشعبية تنتصر انتصارا كاملا.. وليست هذه الثورة الشعبية البطولية التاريخية مجرّد أزمة، يصلح لها البحث عن "وسيط" دولي أو إقليمي، و "حل وسطي" بين طرفين سياسيين يساومان على بعض المكاسب وبعض الخسائر.
وقد تركت المواقف الرسمية من جانب جامعة الدول العربية والأمم المتحدة أسى عميقا بسبب التعامل مع الثورة وكأنّها أزمة، وطرح مبادرات وتعيين مبعوثين وإرسال مراقبين وعقد مؤتمرات ونشر تصريحات، دون أن تصل في ذلك مرة واحدة إلى أكثر من تمكين المجرم من الاستمرار في ممارسة إجرامه، وتصعيده، وزيادة همجيته، وكذلك إلى تمكين حلفائه المعروفين دوليا من مدّه بمزيد من الأدوات التي يستخدمها في التقتيل والتعذيب والتدمير والترويع.
أمّا أن يصدر عن محمد مرسي، الرئيس المصري المدني الأول المنتخب انتخابا حرا بعد ثورة شعبية في بلده، موقف قريب من تلك المواقف، فينضمّ إلى فريق من العابثين بالثورة بزعم أنّ "إيران جزء من الحلّ وليست جزءا من المشكلة في سورية".. فهذا موقف مرفوض.. مرفوض.. مرفوض.
. . .
هذا موقف مرفوض بمعيار الحنكة السياسية، فلن يكسب الرئيس المصري مزيدا من الحلفاء الدوليين ولا الإقليميين ولا مزيدا من الدعم الشعبي مصريا وعربيا وإسلاميا، عن طريق القبول بإيران طرفا لعقد صفقة ما تحت عنوان "المخرج" ممّا تصنعه العصابات المسلّحة المتسلّطة في سورية، بدعم إيراني، روسي، صيني، بالإضافة إلى بعض دويلات أشبه بنتوءات في جسم المجتمع الدولي.
لا يعني ذلك سياسيا أنّ المطلوب من مصر الثورة في مطالع عهد سياسي جديد أن تأخذ لنفسها مكانا ما بين دول غربية لها رؤاها الذاتية الأنانية بشأن مستقبل سورية ما بعد الإجرام الأسدي، ولكن يعني أنّ على الرئيس المصري المنتخب وفق إرادة شعب مصر، أن يتحدّث ويتحرّك بمنطق الشعوب، ومنطق الثورة، ومنطق علاقة الشقيق بالشقيق، وليس بمنطق مساومات وصفقات سياسية أيّا كان نوعها، وهو يعلم -إذا كان يتابع حقيقة ما يجري في سورية، شقيقة مصر- أن شعب سورية استلهم ثورة ميدان التحرير بالذات فأيقن أنّه قادر أيضا على أن يصنع ثورته بنفسه، وأنّ شعب سورية، كشعب مصر، لا يقبل إلا بتحرير إرادته تحريرا ناجزا كاملا غير منقوص، وأن ذلك لا يمكن أن يتحقّق بحال من الأحوال عن طريق "مشاركة" إيران في صناعة حلّ سياسي مشبوه، وكلّ حل لا ينطلق من منطق الثورة حلّ مشبوه غير قابل للنجاح أصلا.
شعب سورية الثائر.. يطلب الدعم من أشقائه في مصر (وأخواتها) ليحقق انتصاره بنفسه، وكان الأحرى برئيس دولة الثورة في مصر أن يفتح الأبواب على مصراعيها أمام كلّ شكل من أشكال الدعم الممكن لشعب سورية الثائر، وأن يوصد الأبواب -جميع الأبواب بما فيها ممرّ قناة السويس- أمام كل طرف كإيران يدعم عصابات السفاح في سفك الدماء وتدمير البلاد والانتقام الجماعي من الشعب الثائر، قبل أن تلقى مصيرها المحتم.
. . .
الموقف الصادر عن الرئيس المصري محمد مرسي المرفوض بالمعاير السياسي مرفوض بالمعيار الإسلامي من قبل ومن بعد، وهو الذي وصل إلى الرئاسة انتخابا باسم جماعة الإخوان المسلمين، والمفروض أن يكون الإسلام عقيدة وقيما وسلوكا هو مصدر التفكير والتدبير لدى الجماعة ولدى الرئيس المصري المنتخب، وتعلم الجماعة ويعلم الرئيس المصري، أنّ الشعب الثائر بات يعتبر التلاقي تحت أيّ عنوان، مع أولئك الذين يتلاقون مع السفاحين في سورية على تأمين المال والسلاح والمشورة والتخطيط والتنفيذ، تلاقيا مرفوضا، وطعنة في صدور الأحياء وظهور "أشلاء" الضحايا من السوريين، وإسهاما في مزيد من "المهل" الإجرامية بحق الشعب الثائر وثورته، لصالح السفاح وعصاباته، فهل يقتضي الإسلام ذلك وهو الذي حرّم الظلم وشرّع مواجهة الظالمين، وحرّم القتل وشرّع القصاص من القتلة، وحرّم التعاون على الإثم والعدوان بجميع أشكال الإثم وأصناف العدوان.. هل ذلك من الإسلام دين الكرامة والحرية والعدالة ونصرة الأخ لأخيه ونصرة الإنسان حيثما تعرّض لظلم وعدوان.. هل من الإسلام أن يساهم الرئيس المصري بفتح "بوّابة مصرية" أمام إيران شريكة الأسد وعصاباته، بينما سُدّت جميع أبواب الثورة الشعبية في سورية في وجوه حكّامها الحاليين؟..
هل ينبغي بمعيار الإسلام لأول رئيس مدني منتخب باسم "حركة إسلامية كبرى" أن يعطي "سياسته" صبغة سياسة تقليدية لا تتورّع أخلاقيا عن التعامل مع من يدعمون المجرمين، واعتبارهم جزءا من الحلّ وليس جزءا من المشكلة، ولولاهم.. ما بقيت للمجرمين المتسلّطين في سورية قدرة على مواصلة الإجرام الهمجي منذ شهور على الأقلّ، إن لم نقل منذ عقود وعقود؟.
ويؤمل ألاّ يستخدم الرئيس المصري ذريعة "حقن الدماء".. فلطالما وردت على لسان سلفه الذي كان معتقلا في عهده، عندما كان يفعل الأفاعيل بفلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، ويمكّن من استمرار سفك الدماء ولا يحقنها.
. . .
كلا.. لم تكن إيران في يوم من الأيام جزءا من الحلّ للتخلّص من الظلم الإجرامي الذي سيطر على سورية وطنا وشعبا وجيشا منذ نصف قرن.. بل كانت وما تزال جزءا من تلك السيطرة الإجرامية.
عندما وصلت الثورة الإيرانية إلى السلطة سنة 1979م واستبشر كثير من المسلمين في أنحاء الأرض بما كان زعماؤها يرفعونه من شعارات لإسقاط الاستبداد والهيمنة الدولية، والانتماء إلى الإسلام لا الطائفية (بهتافات: إسلامية.. إسلامية.. لا شيعية ولا سنية).. آنذاك اندلعت أيضا حركة الثورة المسلّحة في سورية الأولى ضدّ نظام الإجرام الأسدي الأول، وآنذاك لم يمنع التقتيل والتدمير والتعذيب والترويع في أنحاء سورية، حكام إيران من توصيف حكامها (ناب عنهم وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية آنذاك) أنّهم هم "ضيف الشرف" في أوّل احتفال سنوي في طهران بانتصار الثورة الإيرانية، فبدأ الدفاع عن الأسد الأب كحامي حمى الإسلام، من منبر الثورة "الإسلامية" في إيران يومذاك، وهو ممّا خيّب آمال المسلمين في أنحاء الأرض، وأثار سخطا واسعا شمل جماعة الإخوان المسلمين في حينه أيضا، وأدرك من لم يدرك في تلك اللحظة أنّ التحالف الذي ولد بين حكام إيران الجدد وحكام سورية الأسديين، تحالف أعمق بكثير ممّا صار يدور الحديث عنه لاحقا، بشأن سياسات ومحاور إقليمية، خلال الحرب الإيرانية-العراقية، ومن بعد بدعوى مواجهة هيمنة دولية باسم الممانعة.. ناهيك عمّا كان مكشوفا بشأن دور النظام المتسلّط على سورية على صعيد قضية فلسطين عبر مذبحة تل الزعتر وحرب الخيام آذناك، وما تلاها إسهاما في إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان (وهي الطريدة كمقاومة مسلّحة أو المقيدة كمقاومة "إعلامية" في سورية نفسها، منذ ذلك الحين حتى اليوم) لتحلّ مكانها في لبنان "مقاومة أخرى" بزعامة منظمة حزب الله المدعوم إيرانيا.
. . .
لهذا كلّه وسواه ممّا لا يستحق الإطالة.. يجب التأكيد مرة أخرى للرئيس المصري من الإخوان المسلمين المنتخب بعد ثورة شعب مصر:
ليست إيران جزءا من الحلّ، فلا حلّ في ثورة شعب سورية سوى النصر، لينتخب زعامته انتخابا حرا بنفسه، وليست ثورته أزمة سياسية لتطلب وسيطا أو حلا وسطيا، إنّما إيران جزء من المشكلة في سورية، جزء من الجريمة، وتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن دماء الشهداء والجرحى المراقة، عن معاناة المعتقلين والمعذبين والمشرّدين، عن التدمير بلا حساب، عن الترويع في الليل والنهار، وعن كل يوم إضافي جديد تشهد سورية فيه مزيدا من النزيف، ولا ينبغي لمخلص أن يساهم في إضافة يوم جديد لصالح الإجرام.
نربأ بشعب مصر وثورة شعب مصر ونربأ بأوّل رئيس منتخب في دولة الثورة بمصر.. أن يتعامل مع سورية وشعبها وثورتها بمعايير لا تليق بمصر وشعبها وثورتها بحال من الأحوال.