كراهية الإخوان ليست مبررًا لإحراق مصر
د. عمران الكبيسي
أصحيح أن العرب لم يألفوا التجربة الديمقراطية وغير مؤهلين لها؟ وأنهم مهما نادوا بها شعارا واتخذوها هدفا لا تصلح لهم ولا يصلحون لها؟ فما جرى في مصر “بعد الربيع العربي” وفوز الإخوان من صراع حاد وتجاذب سياسي بتطاول واتهامات وتصفية الحسابات إثر كل خطوة يخطوها الرئيس المنتخب، وارتداد الأقلية وتمردها على الأغلبية لا يطمئن ولا يسر، الديمقراطية لا تعني أن يعمل كل سياسي بمزاجه فيقبل ما يأتي لصالحه، ويرفض ما عداه، ولا على الأغلبية الفائزة بالانتخابات أن تسلم منافسيها وخصومها مقاليد الأمور وتجلس على التل تتفرج لا حول لها ولا قوة! وإنما أن تخفض الأقلية جناح الطاعة من الحكمة والتزاما للأغلبية، وتقبل بسلطتها.
الديمقراطية خيار شعبي لقيادة الدولة، وكل فريق أو جماعة ترى نفسه أهلا للقيادة تقدم برنامج عمل انتخابيا، ويترك للشعب اختيار البرنامج الأفضل، وكل صوت يمنحه المواطن للجماعة المنتخبة يعني وضع ثقته فيها ومنحها توكيلا بقيادته واتخاذ القرار الذي تراه، والوكيل كالأصيل، وعلى الأقلية السمع والطاعة وفق العقد الديمقراطي الذي خول الجماعة المنتخبة قيادة البلد أربع سنوات فإن نجحوا وتقدمت البلاد وشاء الشعب جدد لها العقد ثانية وإلا تترك السلطة لجماعة أخرى حازت الأغلبية ويتم تداول السلطة سلميا.
أما المعارضة في النظم الديمقراطية فلا تعني بأي حال الرفض والمكابرة والتناحر والتكالب على السلطة بالصراع وتصفية الحسابات وقلب الحقائق كيدا ومكرا، والتشهير، وهدم ما تبنيه الأغلبية، المعارضة في مفهومها السليم، الحارس الأمين للأغلبية، تناصرها إذا أفلحت، وتقدم لها النصح، “فالدين النصيحة”، وتنبهها إلى الخلل ما غفلت، وتذكرها إذا نسيت، وتوقظها إذا غفت، وتعينها إذا وهنت، وتطلب من نواب الشعب محاسبتها إذا أصرت على الخطأ، والكلمة للجماعة “إن يد الله مع الجماعة وإن الشيطان مع من خالف الجماعة يركض”.
فوز الإسلاميين بانتخابات نزيهة وحصولهم على الأغلبية يعني حقهم حكم البلاد وتنفيذ برنامجهم، ويأخذوا فرصتهم شاء من شاء وأبى من أبى، لا قسرا من منطلق التجبر والاستبداد والغلبة، ولكن بتوكيل الشعب واختياره وحكم القانون. وإخوان مصر أعرق الجماعات وأقدمها ولهم النصيب الأوفر في مقاومة استبداد الحكومات السابقة، ونالهم الأذى، هم الأقوى والأوفر حظا وتنظيما لقيادة البلاد، ولم يسبق لهم ممارسة الحكم ولا كان لهم نصيب فيه، فلماذا هذه الهجمة الإعلامية غير المسبوقة، وتحمليهم مسئولية سرقة أو اعتداء وقتل مواطن هنا وهناك ونقص القوة الكهربائية وهي أمور ورثتها مصر وتحصل في كل الدول، وحوادث إرهابية قد تقع في أكثر الدول أمنا، وهي مدعاة للوحدة والتعاون لصالح أمن البلد، وليس للفرقة وطعن الحكومة ولاسيما إذا كانت حكومة مؤقتة لم يتح لها الوقت ترتيب الأمور من الداخل، فمشاكل الفقر وضعف الخدمات تتطلب وقتا وصبرا، وليس لدى الأخوان ولا لغيرهم خاتم سليمان أو يد سحرية ليغيروا حال مائة مليون مصري خلال أسابيع، أليس من الظلم والإجحاف الحكم عليهم في مثل ظروفهم والتركة الثقيلة التي تركها لهم النظام السابق بأسابيع، في أجواء ليس لهم قدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لوجود مؤسسات عسكرية وقضائية وأمنية تستهدفهم هم قبل غيرهم واقتصاد شبه منهار.
للإخوان - بلا حسد- أعداء كثر داخل مصر وخارجها، وإن النظام العسكري الفردي تمركز فيها ستين عاما وعشش أعوانه وعملاؤه الفاسدون في مفاصل الدولة، فإذا لم يتم تبديل الوزراء والقادة والمديرين والمحافظين ورؤساء المؤسسات في مجال والإعلام والجيش والأمن والاقتصاد والقضاء كيف يتسنى لهم التغيير، وإحداث نقلة نوعية نحو الأفضل، وهل تريد المعارضة من الإخوان ترك القيادات المحلية والمجالات الحساسة لمعارضيهم؟ ثم يكونون مسئولين عن الفشل؟ نحن لا ندافع عن الإخوان الذين فرضهم الواقع وزكاهم الناس، ولسنا منهم، ولا نؤيدهم في الكثير مما هم عليه، ولكن كلمة حق نريد لثورة الشعب النجاح والاستمرار والتقدم، ولمصر بصورة خاصة ثقلها العربي والإسلامي أن تسير نحو الأمام لا أن تتأخر، ولذلك نأمل من المصريين والعرب، ألا يتخذوا من كره الإخوان وهاجس الخوف من تغولهم واستحواذهم على المراكز ذريعة ووسيلة لحرق البلاد وإغراقها بالفقر والتخلف والمرض والديون والفوضى جراء التناحر والصراع أكثر مما هي فيه، لقد رأينا في مصر انتكاسات وخيانات وتجسس وتجبر وتبديل وزارات كثيرة وتغيير قادة وسياسيين وفضائح فساد وتزوير وسرقة وخيانات فأين كان من يتحدثون اليوم بصوت عال منها، وهل تعني الحرية والديمقراطية انفلات المعارضة أم الالتزام والتدبر والتعاون؟ مصر العربية المسلمة أمانة بيد المصريين وحياتها وأمنها وقوتها واقتصادها ينبغي أن يكون رائد الجميع وعلى رأس أولويات الجميع قبل مناوئة الإخوان وغيرهم }وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{. .