تربية الثورة أيها المربون
أبو طلحة الحولي
معذرة إن قسوت ، في مقالي فالثورة بحاجة إلى أعمدة شامخة قوية ، وليس إلى أعمدة من الإسفنج أو الصابون !!!
إن الأخطار و التحديات التي تواجه الثورة السورية كثيرة جدا ، وان التخاذل العربي والإسلامي والعالمي والمصائب والمجازر ، لتجعل الحليم حيرانا ، وإن السبق الصحفي لدى القنوات الفضائية في الكشف عن أعداد القتل ، لوباء ينخر في جسد الأمة ، بحاجة إلى استئصال ..
لقد قامت الثورة منتفضة على العبودية وعلى الذل والهوان ، بقدر من الله ، لم يخطط لها حزب أو جماعة أو أفراد ، انطلقت وهي الآن تعم كل البلاد والقرى السورية بما فيها حلب ودمشق اللاتي تأخرا في النهوض ...
انتفضت سوريا وهي تريد الخلاص من جحيم البعث والاستبداد والظلم والطغيان ..
انتفضت هاربة من جحيم الخواء الروحي ، باحثة عن التوازن بين الروح والجسد ...
انتفضت فطرتها ، فخرج الناس جميعا المسلم الصالح والمسلم الطالح ، والإنسان التقي والإنسان الفاسد ، والفرد المتدين (مهما كان لون دينه) والغير متدين ، ...خرجوا جميعا فقد انتفضت فطرتهم .. باحثة عن النجاة ، عن الإحساس بوجودها ، عن كرامتها التي أعطاها الله إياها ..
انتفضت واصطدمت بعدو من الداخل يذبح ويقتل ويفتك ، وعدو خارجي يصمت ويشجب ويتفرج ...
فماذا تفعل الفطرة المنتفضة سوى الالتجاء إلى خالقها العلي الكبير ...
إن الثورة السورية لأهميتها ، وما تلعبه من دور بالنسبة إلى العالم أجمع ، وتميزها في شخصيتها وأهدافها ، واهتماماتها المنبثقة من عقيدتها ، في حاجة إلى أن تتميز بتربيتها المنبثقة من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة التي تقود العالم ، وبثوارها الذين يحملون برنامج حياة يرقى بالإنسانية ، وينمي الحياة ، ويصنع الحضارة لكل البشرية .. قال تعالى : ﴿ كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ تأْمُرونَ بِالمَعْروفِ و تَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ و تُؤْمِنونَ بِاللهِ ﴾..(آل عمران : 110 ) ..
لقد انتفضت فطرة الشعب السوري بعد طمس لأربعين سنة أو أكثر ، انتفضت ولذا فهي بحاجة إلى تربية من جديد ، تربية تتكافأ مع مهمة الثورة ، تربية إيمانية صحيحة ، فليس كل من ثار صار صالحا ، ولكن أصبح لديه القابلية للصلاح ، والقابلية لتناول الغذاء الروحي والجسدي ، فيربي نفسه وروحه وجسده ، فيعمل على تقوية عقيدته الصحيحة الواضحة ، التي يتعامل من خلالها مع الكون والبشرية ، والكائنات الحية ، حتى الجمادات .. ويهذب نفسه وإرادته حتى يرتقي ويترفع عن الخضوع للشهوات والأهواء ، والطغيان ، فالابتلاء ليس في الضراء فقط ، وفي هذا الموت الذي يجده الثائر كل لحظة ، بل الابتلاء أيضا في السراء ، فيهذب نفسه لتثبت في السراء والرخاء ويعيش وفق ما يريده الله سبحانه وتعالى .. فيعالج قلبه من كافة الأمراض والعلل الضارة به ، فمرض القلوب أشد خطرا على الإنسان من مرض الأبدان ..ومرض العقول أشد خطرا على الإنسان من مرض الأبدان !!
فالتهور في إصدار الأحكام على الناس أمر خطير .. وتنفيذ الأحكام الخاطئة أشد خطرا ، وأفتك بالثورة من النظام الوحشي ..
لقد شاب رأسي وأنا اسمع بعض القصص من هنا وهناك ، فهل يعقل أن هناك شباب طائش ينتمي زورا وبهتانا إلى الجيش الحر ، ومن ثم يسرق البيوت المهجورة ، بحجة أنه مباح لهم ..
وللأسف الشديد هناك قرية حدثت بها مجزرة أهدرت دم أحد الأشخاص لمجرد دخوله إلى مركز الأمن وخروجه ، وهم يعلمون جيدا أنه دخل ليتفاوض معهم حول إخراج أحد أقربائه من المعتقل .. ولأن الرجل دخل وخرج سالما وبأمان شكوا فيه وأهدروا دمه !!!!
وهناك قرية اعتقل شاب مع مجموعة من الشباب ثم أفرج الأمن الوحشي عنه بعد ثلاثة أيام ، وهنا ثارت ثائرة بعض الشباب الطائش في القرية لماذا أفرج الأمن عنه ولم يفرج عن الآخرين فاتهموه بالعمالة والخيانة وأهدروا دمه !! مع العلم أنه يخرج في المظاهرات مثله مثل غيره ، ولم يؤذ أحد ، ولم يكن سببا في اعتقال أو موت أحد .. ومع ذلك أهدروا دمه .. والمشكلة الكبرى تقاعس الجيش الحر في هذه القرية عن حماية الشاب !!! فهرب إلى خارج البلاد .. فأي صورة يحملها هذا الشاب وغيره من أمثاله عن الثورة ، وعن الثوار !!
لا بد أن تكون الثورة إنسانية في خصائصها ، أخلاقية في طبيعتها ، عقائدية في وسائلها وغايتها ..
إن الثورة بحاجة إلى التربية ، فكثير من الثوار جاهل ، جاهل بدينه وسلوكه وقيمه وحقيقة وجوده ، بحاجة إلى غسيل ما علق في أفكارهم أذهانهم من تشوه لهذا الدين الإسلامي ، وتهدئة أعصابهم ونفوسهم ، فالحماس الطائش والمتهور لا يؤدي إلى نتيجة ولا يثمر ثمرا ، بل يؤدي إلى كارثة تسيء إلى الثورة ، والى الثوار والى الغاية من الثورة ...ولذا لا بد أن تتوحد جهود العلماء والمربين والموجهين والقادة إلى تربية هذه الثورة ، وفي تربية هذا الشباب والفتيات والرجال والنساء والأطفال الذين جاؤوا على طبق من ذهب إلى مائدة الإسلام ، ليأكلوا منه ما تشبع به أرواحهم وأبدانهم ..
إن الدعاة والمربين لو أرادوا أن يجمعوا هؤلاء الناس ما استطاعوا أن يجمعوهم ، ولو أرادوا أن يدعو هؤلاء بهذا الزخم الهائل إلى طريق الصواب والخير والحرية ما استطاعوا ، ولكن الله قدر ، وقضى أن يأتي هؤلاء إلى الدعاة والمربين والعلماء ، فأين العلماء والمربون والدعاة ؟
إن الثورة ليست بحاجة إلى خطباء يدغدغون المشاعر والعواطف ، فالثورة ألهبت المشاعر ، ودماء الموت هيجت العواطف ، وإنما بحاجة إلى مربين فقهاء ، يفقهون تزكية النفوس ، وصياغة العقول ، توحيد الجهود ، يفقهون قوانين التغيير والسياسة ، يفقهون من هم العدو ؟ ومخططاتهم ، وأساليبهم الملتوية ، والحذر منهم والتحذير منهم ، ومواجهة التحديات ..
إن التربية ليست مقتصرة على نوع معين ، مثل التربية العبادية أو التربية الأخلاقية ، بل هي تربية شاملة ، عقائدية ، وعبادية ، وسلوكية وأخلاقية ، وجمالية وعسكرية ، وقيادية ..
فأين قائد الثوار ؟؟؟ وقد تساءلت في مقال سابق أين قائد الثوار ؟؟ ولم أجد الإجابة !!!
وللأسف الشديد أن الغرب والشرق يعرفون أهمية وقيمة الثورة أكثر من الثوار أنفسهم ، وأكثر من المجلس الوطني ، فهم يبحثون عن بديل لهذا الوحش ، عن قائد يحفظ مصالحهم ، ونحن في تناحر واتهام واختلاف وتنازع والمحصلة ضياع الثورة لا سمح الله !!!
إن الثوار بحاجة إلى التربية ، حتى تبرز من صفوفهم قيادات ناضجة ، تفهم ولا تتهور في إلقاء الأحكام ، وتبني بحكمة ، وتنتصر لدين الله ، لا لأنفسها ولأهوائها وأرائها ورغباتها !!! وتقود الشعب إلى بر الأمان .. إلى الحرية .. إلى عبادة رب العباد ]وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ[(التوبة:105).