هل المعارضون خوارج

أ.د/ عبد الرحمن البر

هل المعارضون خوارج

أ.د/ عبد الرحمن البر

أستاذ الحديث وعلومه

وعميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر

وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

ها هو شهر رمضان يطوي صفحاته لينقلب إلى ربه شاهدا للمجتهدين وشاهدا على المقصرين في ايامه ولياليه، وإذ أسأل الله أن يتقبل منا جميعا الصيام والقيام وصالح الأعمال؛ فإنني أتقدم بخالص التهنئة لعموم الأمة على القرارات الجريئة الشجاعة التي أسعدنا بها السيد الرئيس الدكتور محمد مرسي فجعل عيدنا عدة أعياد والحمد لله، ثم أتوجه بخالص التهنئة للمصرين جميعا ولسائر المسلمين بحلول أول عيد فطر في ظل رئاسة أول رئيس انتخبه الشعب بإرادة حرة في تاريخه، وأسأل الله أن ينصر الثورة السورية ويحقق آمال أهل الشام في الحرية عن قريب إن شاء الله.

وأدعو نفسي وإخواني إلى الاستمرار على الخير بعد رمضان حتى نكون عبادا ربانيين لا رمضانيين، وحتى لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

المتظاهرون السلميون ليسوا خوارج:

رن جرس الهاتف وكان على الطرف الآخر صحفي بادرني بالسؤال عن موقف جماعة الإخوان من فتوى عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف هاشم إسلام بوجوب قتال المشاركين في مظاهرات 24 أغسطس المقررة ضد الجماعة، واعتبارهم "خارجين" على ثورة يناير.

ولما لم يكن عندي علم بهذه الفتوى فقد استفسرت من الصحفي واستوثقت من سماعه لها قبل أن أجيب عليه: بأننا لسنا مع هذه الفتوى مطلقا، واعتبرت أن فيها مبالغة كبيرة، وأن مثل هذه الأعمال لا تستحق فتوى شرعية أصلا، وأن الدعوة إلى التظاهر يوم 24 أغسطس صادرة عن مجموعة من العابثين الذين لا يستحقون ولا تستحق دعوتهم أن تنال كل هذا الاهتمام.

وبينت لمحدثي أن الدعوة للتظاهر ليست خروجا وليس أصحابها من الخوارج، بل هم معارضون يريدون التعبير عن آرائهم بالطريقة التي يرونها، ولا بأس بها ما دامت مما يبيحه الدستور والقانون، ولهذا يجب التعامل معها وفقا لذلك، فلا يمنع أحد من التعبير عن رأيه، فإذا تصدى للاعتداء على الأفراد أو الممتلكات بأي صورة من الصور فعلى أجهزة الأمن أن تمنعه من ذلك، ولا تترك الناس يواجه بعضهم بعضا، بل يكون القانون وحده هو الرادع لأي اعتداء أو تجاوز من اي طرف.

ذلك هو موقف جماعة الإخوان المسلمين الذين يرفضون بكل وضوح أن يُجَرَّم شخص أو يُهْدَر دمه لأنه تظاهر أو دعا للتظاهر أيا كان انتماؤه السياسى , فللجميع حق التظاهر دون الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة.

ومع هذا الوضوح الذي نشر عبر مواقع كثيرة، والذي أعلنته مرة أخرى على قناة أوربت مع الأستاذ جمال عنايت، وعبر عنه كذلك الأمين العام للجماعة الأستاذ الدكتور محمود حسين في بيان صحفي، فإن بعض المتربصين الذين يلتمسون للإخوان أي عيب راحوا يروجون أن الفتوى إخوانية، بل ذهب بعضهم إلى مناداتي شخصيا للرد على الفتوى مستغربا من سكوتي وسكوت الإخوان حيالها، ولهذا رأيت أن أكتب هذا المقال لأزيد الأمر وضوحا ببيان منهج الإخوان المسلمين في مثل هذه الأمور من خلال النقاط التالية :

1 - يؤكد الإخوان المسلمون دائما موقفهم الرافض للخروج بالسلاح لتغيير الحكام أو الأنظمة، ما داموا مسلمين وما أقاموا في الناس الصلاة، وما لم يأتوا بكفر بَوَاح ظاهر لا تأويل له، مع وجوب الاستمرار  في نصيحتهم، وعدم ممالأتهم على باطلهم، أو السكوت عن تذكيرهم ونصحهم، حتى لا ينحرفوا عن الحق.

ولا بأس بإعلان هذه النصيحة متى كان الخطأ شائعا والضرر واقعا على العامة، وخصوصا إذا لم يتمكن الناصح من الانفراد بالحاكم ونصحه سرا، أو إذا تجاوز الحاكم حدود الشرع علنا، وأن من الواجبات الشرعية أن تسعى الأمة في تغيير الحاكم الجائر بالوسائل المشروعة كالانتخابات والتظاهرات السلمية ونحوها مما تقوم به الأحزاب والجماعات السياسية، سواء وافق الحاكم على ذلك أو لم يوافق، فذلك كله من النصيحة الشرعية المأمور بها، وهي سبب من أسباب خيرية هذه الأمة، وليس لأحد كائنا من كان أن يمنع أحداً من التعبير عن رأيه، طالما لم يخرج بسيفه، ولم يعلن رأياً منكراً مخالفاً لثوابت الدين، بل لو أمر الحاكم بمعصية فلا سمعَ له فيما أمر ولا طاعة، ففي الصحيحين: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ».

فلا يجوز طاعتُهم إذا أمروا بتزوير الانتخابات، أو بضرب الناس أو تعذيبهم بغير سند من الشريعة والقانون، ولا يجوز تنفيذ أوامرهم بضرب المتظاهرين المسالمين بالرصاص الحي أو المطاطي أو القنابل المسيلة للدموع، ونحو ذلك من المظالم التي قد يأمر بها الظلمة، فينفذها الجنود بحجة السمع والطاعة لولي الأمر، فقد قال تعالى ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ والركون هو الميل إلى الظالم أو الرضا بفعله.

2 -   منهج الإخوان المسلمين هو رفض التكفير لأي مسلم أقرَّ بالشهادتين، إلا أن يعمل عملا أو يَقُول قولاً  لا يحتمل تأويلا غير الكفر، أما التكفير لمجرد الاختلاف في الرأي أو المنافسة السياسية فهذا لا يقول به عاقل، فضلا عن باحث شرعي يعرف أصول استنباط الأحكام الشرعية، فضلا عن أن يكون أخا من الإخوان المسلمين دعاة الفكر الوسطي المعتدل.

3- يؤمن الإخوان المسلمون أن  الدنيا كلها لا تساوي  إراقة قطرة دم واحدة بغير حق، فضلا عن إزهاق روح، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه: « لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» والقرآن العظيم يعلمنا أن ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾  [المائدة/32].

4 -  يرفض الإخوان المسلمون استخدام العنف بكافة صوره وأشكاله في التعبير عن الرأي أو الموقف، سواء كان من أفراد لأفراد، أو من أفراد لنظام حاكم (ممثل في الشرطة ونحوها)، أو من نظام حاكم لأفراد، وذلك حماية للأمة وضمانا لسلامتها من الفوضى، مع مطالبتهم القوية بحقوقهم واستماتتهم في نيل حقهم في التعبير عن أفكارهم وآرائهم بصورة قانونية واستمساكهم بها مهما كانت الضغوط والتجاوزات، بلا يأس ولا إحباط.

5 -  يرى الإخوان المسلمون أن المشاركين في العمل السياسي من جميع أطياف الشعب المصري وفئاته من المؤيدين للرئيس مرسي والمعارضين له مواطنون مصريون، يجب أن يجعلوا مصلحة الأمة أولويتَهم الأولى، وأن التنافس السياسي لكسب ثقة المصريين يجب أن يتم بصورة حضارية راقية، لا تكون تحريضا على إثارة الفتن أو الإضرار بالمصلحة العامة أو إثارة الكراهية في المجتمع ، وعلى  كل مخلص أن يقف لمن يفعل ذلك بالمرصاد.

هذا موقف الإخوان المسلمين في هذا الموضوع بغاية الوضوح، لا يحتمل أدنى لبس ولا غموض ولا تأويل.