من ثقافة كتب الشريعة الإسلامية

من ثقافة كتب الشريعة الإسلامية

زهير سالم*

[email protected]

من أخطر ما تمارسه الثقافة المريبة في عصرنا هو ممارسة الحرب السوداء على المصطلحات الشرعية الإسلامية على كل صعيد. كثير من المصطلحات الإسلامية والشرعية تكتب بالحبر الأسود : الشريعة ، والجهاد ، والسلفية ، والجماعات الإسلامية . وكثير منها يوصف بما يؤهله للنبذ مثل التشدد الإسلامي ، والتطرف الإسلامي ، والأصولية ، ثم الدولة الإسلامية ،  يزج بكل هذه العناوين في حرب ثقافية واضحة الأبعاد  على خلفيات الصراع الفكري والسياسي مع الإسلام العقيدة والشريعة ومنهج الحياة .

 مصطلح ( الشريعة ) و ( الشريعة الإسلامية ) من أكثر المصطلحات التي تعرضت للتشويه ( والشيطنة ) من خلال دعاية سوداء منظمة وممنهجة وتشترك في العمل عليها شبكات من المغرضين والمتضررين . ..

وقد يريبك أكثر – على سبيل المثال –  أن تسمع مثقفا عصريا ويحكم باسم الربيع العربي يقول إن بلاده ( لن تسقط تحت عنوان الدولة الإسلامية ) . يا سبحان الله متى كان الإسلام وعناوينه في تاريخ هذه الأمة موضعا للسقوط ؟! وربما من الحق أن نتساءل هل تستطيع دول الربيع العربي الخارجة من وهدات الاستبداد المقيت أن ترقى إلى آفاق الدولة الإسلامية ليس في تجاذبات العناوين وإنما في تحققات المضامين ؟!.

 هل ترقى الدولة الحديثة اليوم في أي دولة من العالم الحديث إلى أفق ما فعله ( الوليد بن عبد الملك ) على المستوى الاجتماعي الذي أمر أن يخصص لكل أعمى قائدا ولكل مقعدا خادما تحت عنوان ما يعرف اليوم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ؟! . لم اشأ أن أتمثل بعمر بن الخطاب ولا بعلي بن أبي طالب  وإنما تمثلت بأموي تعوّد بعض أصحاب العاهات النفسية أن يشوهوا سمعته وسمعة دولته ، وفعلت ذلك لكي لا يظن أحد أن مجالي الإسلام العظيم كانت وقفا على عطاءات أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .

لست ممن يؤمن بتقديس التاريخ ، ولا بتقديس أي صيغة من صيغ التفكير البشري  واشتقاقاته وثمراته . والتي أعتبرها دائما ثروة وغنى أكثر مما هي محل تقديس ومصدر إلزام ؛ إلا أنني أؤكد أن ما أنجزته الحضارة الإسلامية يظل أفقا ليس لدولنا الخارجة من مهاوي الردى فقط وإنما لبني الإنسان في كل مكان . أدرك أن في كتب الشريعة الكثير مما هو نتاج عصره أو نتاج عقل صاحبه مما لا يرقى إلى أفق ولا يروق لصاحب منهج وعقل . وأحفظ انه قد قرن لسان أحد فقهاء الشريعة بسيف الحجاج ، وما ذلك إلا ليكون الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ويثبتها .

 مع التباري في تاريخ الأفكار المقارن باعتبار البعد الزمني ومقتضياته وصياغاته التعبيرية  مستعدون للتحدي المقارن بين الكثير من منجزات حضارتنا في القرن السابع والثامن والثاني عشر للميلاد وبين منجزات حضارة يزينونها لنا اليوم في القرن الحادي والعشرين . والماء يكذب الغطاس كما يقولون .

لو كان في العالم اليوم حاكم مسلم واحد قادر لما كان لمجازر بشار الأسد أن تمر وسط مثل هذا الصمت الإنساني ولا أريد أن أقول الدولي المريب . وعندما كانت محاكم التفتيش النصرانية تفري فيما تفري أديم المسلمين و اليهود في اسبانيا كان الحضن الإسلامي ليس الحضن الآمن فقط وإنما الدافئ أيضا .

ونعود إلى الثقافة المقارنة فيما تتعلمه من كتب الشريعة الإسلامية التي لا يرقى الكثير من مثقفي العصر إلى أفق قراءتها . في كتب الشريعة تتعلم الدرس العملي الأول في تفهم دلالات النص بآفاقها . يعلمك الأصولي دلالات النص الأربعة . ويعلمك المتكلم وجوه تجليات النص الستة . وتدرك وأنت في رياض علم التفسير مغزى الدعاء النبوي لابن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) .

تجد فيما احتوته كتب الشريعة الإسلامية ، وأقصد بها بالتحديد مجاميع كتب الفقه الإسلامي بمذاهبه المعتمدة والمتعددة وكتب التفسير بمدارسه ومناهجه صورا لأرقى مسالك التعدد والتفاوت والتباري  في مجاري الفهم والتأويل و الاستنباط والتعدد والاختلاف الممنهج الذي يدور في فضاءات من مناهج الفهم وأصول الفقه ، ومن نقد النص من حيث الثبوت ودرجاته ، والدلالة وآفاقها ، واعتبارات الحقيقة والمجاز ، والخاص والعام ، والمطلق والمقيد ، ومفهوم الظاهر والنص والمخالفة ومعاني الأمر في سياقاته والشرط في دلالته ومقتضيات الإعمال والإهمال فأمر للوجوب وآخر للإباحة وثالث مقيد بالفعل لمرة وآخر يفيد التكرار ..

تقرأ في كتب الشريعة فتتعلم أنه يجب عليك قبل أن تخوض في بحار الفقه أن تستعد بما يكفي لخوض البحار . يسألك الفقيه المعلم مقدما ( هل ركبت البحر قط ) منبهة على دقة العلم وخطورته ...

تدخل عالم الفقهاء فتجد نمطا من العظماء يختلفون ، ويتناقشون ويرد بعضهم على بعض دون أن ينسى اللاحق أن يترحم على السابق .

في كتب الفقه تجد التلميذ يخالف أستاذه  ويرد عليه ، أو يخطئه أو يستدرك عليه وأحيانا يثبت بعض جوانب ضعفه البشري بحب وود.  تجد في كتب الشريعة أحيانا بعض ترددات العقل الإنساني فلا يضيرك أن تهملها؛ ولكنك تجد في العام الغالب قمما سامقة مستمدة من ينبوع للحكمة الخالدة معينه لا ينضب .

حين أتابع أحاديث المختلفين في صفوف رجال السياسة ورواد الثقافة في القرن الحادي والعشرين أتساءل ما أحوجنا إلى منهج الإمام الشافعي صاحب ( الرسالة ) الذي يقول ما جادلت أحدا إلا أحببت أن يسدد ويعان ويكون معه من الله سلطان .

بعض مثقفي العصر فيما يرون ويقررون أشد استبدادا من الطغاة المتفرعنين ولا أزال أسمعهم يصفون مخالفيهم على موجات الفضاء بالأغبياء والمتخلفين والجهال والعوام .. أقول حبذا لو تعلموا من كتب الشريعة أن الحق وإن كان في نفسه واحدا فإن الحقيقة قد تكون متعددة  , وأن لكل إنسان أحكم قواعد الفهم الحق فيه .

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية