من يتخذ القرار السياسي في سوريا
من يتخذ القرار السياسي في سوريا
د. ضرغام الدباغ
تكشف المفاصل الرئيسية حيال الثورة السورية عن الأخطاء الفادحة المتلاحقة للنظام في التصرف والسلوك، وهو ما أوصل البلاد والأوضاع إلى نقطة ذروة ذات هامش مناورة ضيق للغاية ما لم نقل معدوم، في بلد يتمتع بكفاءات سياسية وعلمية ودبلوماسية، وحزب سياسي مضى على وجودة ما يقارب السبعين عاماً، منها يقود السلطة شكلياً حوالي الخمسين عاماً، يحشر نفسه في موقف لا بدائل فيه، وهو أسوء ما يمكن لسياسي أن يقع فيه من خطأ.
لماذا هذه المسيرة الحافلة بالأخطاء، بل الأخطاء الكارثية ؟
يتمثل الخطأ الأول بتقديري، يتمثل بتواصل تدريجي وتهميش لدور الحزب مقابل تصاعد لدور الفرد وحلول علاقات لا مبدأية وشيوع ظاهرة الاستزلام مما أنهى دور الحزب بين الجماهير وحوله إلى منظمة حكومية تعمل وفق تشبه ضوابط العمل الحكومي وتقاليده. وأبرز دليل على ذلك هو اختفاء شبه تام للحزب ودوره في ظروف كهذه، وهو أمر حسن على كل حال أن لا يؤخذ الحزب بجريرة النظام.
وهنا فقد النظام حلقة مهمة كان يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في عملية اتخاذ القرار، ولم يكن البديل سوى تضيق متواصل لدوائر القرار. وفي عهد الرئيس الوالد، كانت خبرة الرئيس وطول عهده بالعمل السياسي، بالإضافة إلى أنه كان يحيط نفسه بشخصيات ذات مستوى لها تجربتها في العمل السياسي وإدارة البلاد. وعلى الرغم من الهفوات والهنات، إلا أن حنكة الرئيس كانت تغطي على الأخطاء الصغيرة الظاهرة، ولكن إحدى أكبر تلك الأخطاء الطغيانية التي فات الزمن ولم يعد بالإمكان تصليحها هي نظرية التوريث التي أثبتت الزمن أنها كانت وبالاً عليه وعلى الحزب وعلى التوريث، بل على البلاد أجمعين.
ولمواجهة المعارضة التي بدأت تشتد منذ السبعينات والثمانينات، اعتقد النظام أن خير ما يواجه المعارض به، هو أن يؤمم الدولة وأجهزتها لصالح العائلة والأقارب والعشيرة، ويرتب علاقاته الداخلية والخارجية على أن الخطر الوحيد الذي يتهدد البلاد هو الشعب نفسه، لذا فقد أسس قوات مسلحة وقوى أمن ومخابرات لها واجب وحيد هو التصدي للشعب، وهكذا أنزلق النظام إلى موقف معاداة الشعب وكراهيته وتأسست كافة العلاقات على أساس من هذا الشعور.
وعندما ضعف أداء الدوائر الحكومية الوالجة في القرار السياسي، ولم يعد للجيش الوطني وأجهزة الأمن من واجب سوى حماية النظام وتحديداً الرئيس، وتركز الإعلام السياسي والثقافي على تمجيد نظرية القائد الفرد، قائم على جهاز مهلهل لا تحسن سوى عبارات التمجيد المضحكة، أضحى النظام في سورية ليس جمهورياً ولا ملكياً، بل تحول النظام بالكامل إلى حكم عائلي تسوده تقاليد الأسرة، بل هو لم يعد مقنعاً لكل من يتعامل معه إلا على أساس من تأمين مصالح مقابل دعم النظام، ولكن ترى كيف سيقبل شعب بأن يدار بهذه الطريقة المتخلفة في عصر كعصرنا.
ضعف رأس القرار وهزالة النظام وانحداره إلى مستوى العصابات والشبيحات، ألغى قوة الدولة، وفقدت القوة شرعيتها عندما وجهت نحو الشعب، عندما أعتبر النظام كل من يعارضه موجه من الخارج، ومؤامرة أجنبية، متجاهلاً أن التبديل سنة الحياة السياسية والديمقراطية السليمة، وهنا أنحدر النظام إلى مستويات واطئة جداً وفقد هيبته والثقة واحترام الشعب، ومن ثم من محيطه الاقليمي ثم الدولي وضاعت مسؤولية القرار السياسي في البلاد. كمقدمة لدخول البلاد أزمة بسبب تعاظم المطالبة الشعبية وهو ما لا يستطيع النظام تحملها أو التعامل معها ولدينا مؤشرات مؤكدة عديدة، منها:
ـ الإشارة الأولى من رامي مخلوف بقوله الرئيس لا ينفرد بالقرارات، بل نحن في مركب واحد، ترى يقصد من نحن ...؟
ـ الإشارة الثانية تصريح الرئيس الأسد نفسه بأنه ليس المسؤول عن إصدار الأوامر للقوات المسلحة والأمنية. فمن هو المسؤول إذن عما يجري ...؟
وبتعدد المصادر التي تضغط على النظام، فلم يعد يعرف من يمتلك اصدار القرارات الحاسمة في البلاد، وبهذا تصبح الدولة مجرد ألوية مدرعة وأجهزة أمن تدربت لتكون شرسة، تتنافس بقتل الناس، والنتيجة الوحيدة لذلك هو مزيد من الانحدار إلى ما يحذر عنه أصدقاء النظام وأعداؤه.
مجزرة الحولة كانت علامة مهمة في مسيرة الثورة والتغير في سوريا، هي مجزرة تتماثل في شكلها وجوهرها مجازر الأفريقية والتصفيات التي حدثت في يوغسلافيا، وسوف يكون لها تداعياتها السورية والعربية والدولية الحاسمة، لا يكفي أن يتظاهر النظام بالبلاهة والإنكار في محاولة مستحيلة للاختفاء وراء ظله.
النظام اليوم يردد شطر واحد من قصيدة الشاعر العظيم أبو العلاء المعري: هذا ما جناه على أبي