يد عمرو موسى.. ويدا أبو الفتوح!!

يد عمرو موسى.. ويدا أبو الفتوح!!

حسام مقلد *

[email protected]

تابع ملايين المصريين والعرب المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة المصرية: السيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وقد كانت مناظرة سياسية موفقة بكل المقاييس، رغم أنها لم تكن على المستوى الذي رأيناه في الانتخابات الفرنسية الأخيرة مثلا، لكن نحمد الله تعالى أننا أصبحنا أخيرا من الدول الشبيهة بالدول الديمقراطية وأننا لسنا تماما خارج سياق العصر ولا خارج نطاق الزمن.

وفي الحقيقة لقد شعرنا بالزهو فلا تزال مصر مصدر الإلهام وحاملة شعلة التحديث في العالم العربي، ففي الوقت الذي لا تجرؤ فيه شعوب عربية عديدة على انتقاد وزير أو حتى محافظ  يُجرِي المصريون مناظرات سياسية علنية وجادة بين مرشحي رئاسة الجمهورية لتمكين ملايين الناخبين من اختيار رئيس الدولة.

 إننا لأول مرة في مصر والعالم العربي نشعر أننا مقبلون على  انتخابات جدية لا تُعرف نتيجتها سلفا، ونثق أن عندنا مرشحين متنوعين للرئاسة، وكل مرشّح يجري المناظرات ويجوب المحافظات ويعقد المؤتمرات الجماهيرية لخطب ود جماهير الشعب وإقناعهم ببرنامجه الانتخابي.

ويقتضي الإنصاف أن نشيد بالجهد الإعلامي الكبير الذي بذلته أطراف عدة في سبيل إنجاح هذه المناظرة وإخراجها بهذه الصورة الجادة المشرفة التي تليق بمصر؛ فقد كانت على مستوى عالٍ من الحرفية ولم تكن مجرد شو إعلامي، وطُرح خلالها على المتناظرين أسئلة حيوية للغاية وفي منتهى الأهمية السياسية والإستراتيجية للمجتمع المصري في هذه المرحلة، فالشكر كل الشكر للقائمين على إنجاح هذه الفكرة، وخاصة الزميل يسري فودة الذي بدا عليه بعض الارتباك والتوتر.

ومن وجهة نظري ظهر في المناظرة بجلاء شديد تفوق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الواضح على السيد عمرو موسى، فمجمل إجابات أبو الفتوح كانت مقنعة وموفقة، وقد سدد ضربات قوية وموجعة لخصمه (السياسي) خاصة عندما سأله عن دوره في تآكل القوة الناعمة لمصر وتدهور مكانتها الإقليمية في إفريقيا والعالم العربي، وخاصة بين دول حوض النيل التي تجرأت على التفكير في إعادة النظر في اتفاقية تقاسم مياه نهر النيل الموقعة منذ أكثر من مئة سنة، كل هذا التردي وقع في عهد الرئيس المخلوع مبارك، وكان عمرو موسى وزيرا للخارجية طيلة عشر سنوات كاملة في ظل حكمه، ولا شك أنه مسئول بشكل أو بآخر عما لحق بدور مصر ومكانتها من تقزيم وتآكل.

والنقطة الأبرز في المناظرة من وجهة نظري أن (أبو الفتوح) تمكن من عرض برنامجه بقوة وطلاقة، وقد نجح في الربط بين هذا البرنامج وبين تطلعات المصريين المستقبلية، وأنهم يريدون من ينقذهم في الحاضر، ويصلح لهم المستقبل ويصنعه لهم على أسس سليمة، لا من يفرض عليهم  الماضي، ويجبرهم على العيش فيه قسرا، أو جريا وراء سراب الاستقرار ووهم الخبرة!!

لقد حاول السيد عمرو موسى غسل يده من مبارك ونظامه، وأراد تسويق نفسه كفارس نبيل في زمن الانبطاح الذي فرضه المخلوع على الشعب المصري، لكنه فشل لحد كبير في إقناع المصريين بفكرته، ورغم عزفه على وتر شعبيته وجرأته، ومحاولته تشويه خصمه أبو الفتوح من خلال اجتزاء كلام عن الإرهاب من كتاب له إلا أن عمرو موسى لم يفلح في تحقيق هدفه!!

وفي هجمة مرتدة تمكن أبو الفتوح من إفحام عمرو موسى بسؤاله عن موقفه المتخاذل من غزو العراق عندما كان أمينا للجامعة العربية، وسدد أبو الفتوح لموسى لكمة قوية اعتبرها الكثيرون الضربة القاضية حين سأله عن دوره المتواطئ مع نظام مبارك وغيره من الأنظمة العربية، وعن صمته وهو الأمين العام لجامعة الدول العربية على سحق إسرائيل لأهل غزة الأبرياء العزل في عدوانها الغاشم عليهم، وعن صمته وصمت جامعته على حصار القطاع  وعقاب أهله جماعيا على اختيارهم لحماس.

وفي الواقع رغم براعته الدبلوماسية وحذقه السياسي فشل السيد عمرو موسى في أول مناظرة سياسية بين مرشحين لرئاسة الجمهورية، وتمكن عبد المنعم أبو الفتوح من الفوز الساحق عليه، لأن عمرو موسى يراوغ ويناور بعقلية الدبلوماسي، لكنه للأسف يعيش في الماضي ويعيد إنتاج خطاب النظام السابق، بينما أبو الفتوح تكلم بشفافية ووضوح عن هموم الشعب المصري وأحلام الأجيال الجديدة في مستقبل أفضل.

ولعل المشهد الأخير لعمر موسى وهو يشير بيده بعصبية بعد أن أنهى كلامه يلخص حالته النفسية القلقة، فلا شك عندي في أنه أدرك في أعماقه أنه قد خسر المناظرة، وهكذا تحركت يده لا شعوريا وكأنه يقول لنفسه: (تيجي بقى زي ما تيجي) بينما حرص أبو الفتوح أغلب وقت المناظرة على قبض يديه وضمهما إلى صدره في حركة تعبر عن رغبة لا شعورية لديه في التجميع والتوفيق وقبول الآخر والتسامح مع المخالفين ودعوتهم لمناصرته في الانضمام إليه وتنفيذ برنامجه.

ورغم أنني لن أنتخب الدكتور أبو الفتوح وسأمنح صوتي للدكتور محمد مرسي لأنه لا يعدنا ببعض الوعود الانتخابية ولا يحدثنا فقط عن مجرد برنامج انتخابي وإنما يحمل لنا مشروع نهضة متكامل تقف وراءه عشرات أو مئات الآلاف من العقول المصرية النابهة وأصحاب الكفاءات المتميزة والسواعد الفتية ـ إلا أنني سعيد جدا كغيري من المصريين بنجاح هذه المناظرة، وبقدرة أبو الفتوح على كشف عوار النظام البائد وتوجيه ضربة قوية لرموزه الذين يريدون العودة بنا إلى الوراء.

               

 * كاتب إسلامي مصري