الإسلام.. والآخر
الداعية فتحي يكن
إن وظيفة الإسلام الأساسية هي دعوة الناس إلى الإسلام، واستيعابهم في حركته ومشروعه ومسيرته.. والخطاب القرآني لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالصيغة التكليفية عبر العديد من الآيات، منها قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" (المائدة: 67).
أما دليل الاهتمام بالآخر فيزخر به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من زوايا وأوجه مختلفة... فمن الأدلة القرآنية على الاهتمام بالآخر الحض على أن تكون الدعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن، مصداقاً لقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسن وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل: 125)، ولقد بلغ حرص الإسلام على الآخر، ما جاء من نهي قرآني عن مجادلة حتى غير المسلمين إلا بالتي هي أحسن فقال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" (العنكبوت: 46)، بل إن السياق القرآني الذي جاء به التكليف الرباني لموسى –عليه السلام- في مخاطبة فرعون –وهو الذي قال لقومه أنا ربكم الأعلى- ليعتمد أسلوباً يتجلى فيه منتهى الحرص على حسن مخاطبة هذا الطاغية ومحاولة استيعابه، فقال تعالى: "فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى" (طه: 44).
أما شعور البعض بصعوبة قبول الآخر، فيعود من وجهة نظري إلى التربية المفرطة في الانغلاق التنظيمي، التي تستصعب قبول الآخر الإسلامي، فكيف بالعلماني والنصراني وسواهما؟ بل إن هذه التربية تدفع أحياناً إلى اعتبار من يترك التنظيم، لسبب أو لآخر، عدواً تجب مقاطعته ومحاربته!
إن قبول الآخر واستيعابه يجب أن ينطلق من قاعدة حب الخير للآخرين والحرص الصادق على هدايتهم واستنقاذهم من ضلالاتهم، ومن القناعة الصادقة بشرعية هذا الأمر ووجوبه، كما من خلال تأصيله وتجذيره في المشروع الإسلامي وفق العناوين العريضة التالية:
- إن الإسلام يعترف بوجود الأضداد من خلال قوله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة". (هود: 118).
- وهو يدعو الأضداد إلى التلاقي والتعارف، مصداقاً لقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات: 13).
- والإسلام يدعو الكل للتعاون على الخير، من خلال قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" (المائدة: 2).
- والإسلام ينهى عن اعتماد سياسة القمع والإكراه مع الآخر، من خلال قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة: 256)، وهذا منتهى الانفتاح على الآخر والاعتراف به.
- والإسلام يحذر من الإساءة إلى الآخر ولو كان مشركاً أو علمانياً أو غير ذلك من خلال قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" (الأنعام: 108).
- والإسلام يدعو إلى البحث عن القواسم المشتركة في دعوة الآخرين، حرصاً على استجابتهم واستيعابهم فيقول: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله" (آل عمران: 64).
- والإسلام يدعو إلى التعاون والتضامن مع الآخر كائناً من كان لدرء المفاسد وجلب المصالح، كرفع الظلم، وتعزيز الحرية والعدالة والمساواة، وصون حقوق الإنسان، ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت".
- ومن دلائل حرص الإسلام على الآخر، دعوته وحضه على الاستفادة مما عنده من خير وما لديه من حكمة، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خذوا الحكمة من أي وعاء خرجت"، "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها" و"اقبلوا الحق ممن جاء به صغيراً أو كبيراً ولو كان بغيضاً بعيداً، وارددوا الباطل على من جاء به من قريب أو بعيد ولو كان حبيباً نسيباً".
والحقيقة أن المسلمين عموماً والإسلاميين خصوصاً، مدعوون لامتثال الإسلام ومبادئه وأحكامه وأخلاقه في التعامل مع الآخر، بصرف النظر عن معتقده وفكره وفلسفته ما لم يحمل عليهم السلام ويقاتلهم، وليتدبروا بإمعان قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". (الممتحنة: 8).