شبهة الصفقة بين الإخوان والأمريكان

شبهة الصفقة بين الإخوان والأمريكان

محمد سودان

اعتاد الإعلام المصرى منذ اندلاع ثورة 25 يناير على بث العديد من التصريحات المزورة ، و خاصة الإعلام الرسمى و كذلك بعض الفضائيات التى تعودت على مداهنة النظام السابق ، وبعد الثورة أخذت تبحث عن الحصان الفائز الذى تمطتيه حتى تركن إليه دون التقييد بأى قيم أو أخلاق المهنة ، فسرعان ما أن انضمت هذه القنوات إلى قافلة الثورة و تحولوا 180 درجة عما كانوا عليه ، و بدأنا نسمع ونرى و لأول مرة منذ عقود قيادات الإخوان يظهرون على مختلف الشاشات التى كانوا لا يظهرون فيها إلا وهم فى المحاكم مقيدون بأغلال مبارك أو خلف القضبان فى المحاكمات العسكرية الغير شرعية للمدنيين ، وهم هم الإعلاميون و الإعلاميات الذين اعتادوا السخرية و الاستهزاء بالإخوان و مرشدهم ، هم هم الذين يسارعون بإستضافة رموز الإخوان و يرحبون بهم فى قنواتهم ، و يشاركوهم مرار ظلم و قهر النظام البائد ، ووصل أحدهم أن ينسى نفسه و يتلفظ بأسوأ الشتائم على النظام البائد و أنه و أخيه قد تكبدا ظلما ما بعده ظلم من قهر مبارك و حاشيته .

و بعد أن تلكأ العسكر فى تسليم السلطة ، و اندلعت الأزمات المتتالية على أيدى حكومات الإنقاذ ، التى كانت من كبريات مهامها هو إفلاس البلد و إغراقها فى ديون جديدة ، و العمل على تخريب البلد بكل وسائل ممكنة ، و وضع العراقيل فى طريق تسليم السلطة إلى مدنيين بشكل سلمى ، ثم أوقع العسكرى حكومة الجنزورى فى أزمات متتالية نجم عنها إلهاب الشارع المصرى مرة أخرى ، وتعمل هذه الأزمات على تشويه مجلسى الشعب و الشورى ، و تجعل البُسطاء من الشعب يندمون على ما قاموا به من ثورة ضد مبارك و نظامه ، ثم زاد الطين بلة قضية المنظمات الغير حكومية التابعة للولايات المتحدة .

"واجتهادى فى تفسير هذه القضية هو أنه بعد زيارة السفيرة الأمريكية للمركز العام للإخوان المسلمون بالمقطم يوم 18 يناير 2012 ، و كذلك الزيارات المتتالية لوفود رفيعة المستوى من الإدارة الأمريكية و الكونجرس لقيادات حزب الحرية و العدالة و على رأسهم ، السيناتور جون ماكين ، مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية ، والسيناتور ليندسى جراهام و غيرهم الكثير من الوفود الأمريكية و الباحثيين الأكاديميين أو من خلف هذه المهنة و هم فى الحقيقة غير ذلك ، ومن هذه الزيارات و غيرها ، بدأ القلق يتسرب إلى أعضاء المجلس العسكرى بالعلاقات التى بدأت فى التوطد و الإزدياد بين الأمريكان و الإخوان ، من هنا كان لابد من أن يُذكّر المجلس العسكرى الأمريكان أنه هو الحاكم الأصيل ، رغم أنف الأغلبية التى أتى بها الشعب من خلال صناديق الإقتراع التى لم يتعود عليها الشعب المصرى قرابة ستين عاماً ، فقام العسكر بمداهمة مراكز الجمعيات الغير حكومية التابعة للولايات المتحدة ، ثم تم القبض على العديد من الموظفيين الأمريكيين الذين يعملون فى هذه المنظات و كذلك العديد من المصريين و جنسيات أخرى ، بالطبع كانت خطوة جريئة ، لكنها غير محسوبة ، فبعض المنظمات تعمل فى مصر منذ خمسة عشر عاما و غيرها تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً ، وتم تقديمهم للمحاكمة ، لكن هذه الخطوة الجريئة سرعان ما حُطّمت على أيدى العسكر ذاتهم بعد عدة زيارات لمسئولين عسكريين رفيعى المستوى للمجلس العسكرى ، ثم أنفجرت القنبلة الكبرى عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" أمام الكونجرس يوم الأربعاء 29 فبراير الماضى أن قضية الـ 19 أمريكيا المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى فى مصر سوف تحل خلال أيام بسيطة ، و بالفعل بعد أيام قلائل تم الإفراج عن المتهمين الأمريكيين وتم تودعهم وداع المنتصريين ، بعد أن حطت طائرة أمريكية عسكرية دون موافقة برج مطار القاهرة أو حتى وزارة الدفاع أو المركز العسكرى ذاته ، و بالطبع أشعل هذا التصرف حفيظة الشعب المصرى كله ، و قد تم إزلال حكومة الجنزورى بهذا القرار و القضاء المصرى و العسكرى ، بل تم إزلال و تركيع الشعب المصرى كله ."

لاشك أن عصر مبارك هو العصر الذهبى لكل من الولايات المتحدة و بالطبع إسرائيل ، وقد صرح العديد من القيادات الإسرائيلية أن مبارك هو كنز إستراتيجى ، طبعاً هذا الكنز ليس للمصريين ولكنه كنز للصهاينة ، ولكن للأسف نقولها للصهاينة " اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم" ، و على ما يبدو أن الأحلام السعيدة التى نعم بها الصهاينة منذ عام 1979 قد انجلت و لن يبقى لهم إلا الكوابيس ، و كما قال العديد من المحللين السياسيين الغربيين أن الربيع العربى هو خريف إسرائيل .

و لننظر نظرة سريعة فى صحافة الغرب خلال المدة السابقة ، قال جون ماكين "رئيس مجلس إدارة المعهد الجمهورى الدولى " ، وهى واحدة من المنظمات الغير حكومية الأمريكية التى كانت تعمل فى مصر ،  قال: كنت قلق عندما سمعت نتائج الانتخابات التشريعية فى مصر ، ولكن بعد زيارتى والسيناتور ليندسى جراهام للإخوان المسلمون فى مصر اكتشفنا أنهم على صورة مختلفة تماماً غير التى كنا نعرفها ، وقال أن للإخوان المسلمون الآن صوت سياسى قوى .

و من ناحية أخرى ، فإنه يجب أن تدخل جماعة الإخوان المسلمون والولايات المتحدة في شراكة ، وأننا فى حاجة لبدء حوار حقيقى ومفتوح معهم و الحديث فى الأمور السياسية والاقتصادية ، وقال أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدعم الإخوان المسلمون "حزب الأغلبية " بالمزيد من المساعدات الاقتصادية ، وقال أنه قد أعجب تماماً بصورة الإسلام المعتدل ، البعيد عن الراديكالية ، ولكن على الإخوان المسلمون  أن يضعوا على قائمة أولوياتهم وضع حل عادل و دائم للصراع العربى الإسرائيلى ، و التوفيق بين ايدولوجياتهم مع مسؤولياتهم الجديدة ، و يجب أن يتفهموا المصالح الأمريكية فى المنطقة .

وقالت بعض الصحف أن مصر تواصل النضال ضد العنف فى أعقاب الثورة و تحاول الوصول إلى حالة اليقين السياسى رغم كثرة الإضطرابات الداخلية ، و قالوا أن هناك بالفعل تطور ايجابى ، و إن العلاقة بين الولايات المتحدة و جماعة الإخوان المسلمون قد تحسنت بعد عقود من انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين ، و خاصة ً بعد أن التقى مسؤول رفيع المستوى بالمرشد العام للإخوان المسلمون بالمقر الرئيسى للإخوان المسلمون بالقاهرة ، و كذلك التقى مسؤولون آخرون بقيادات فى حزب الحرية و العدالة و قد التقطوا جميعاً صوراً فى مقر الجماعة و الحزب بالقاهرة ، و هذه الإجتماعات تشكل خطوة أولى نحو المزيد من التفاهم بين الجانبين و قبول الحقائق السياسية الجديدة فى المنطقة .

ثم استطرد الكاتب قوله ، أنه لعقود من الزمان كانت تنتقد جماعة الإخوان المسلمون الولايات المتحدة لدعمها الديكتاتوريات فى العالم العربى ، و من ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة كانت تعتقد أن الحركات الإسلامية غير قادرة على تبنى و الإلتزام بقواعد الديمقراطية والحفاظ على المصالح الأمريكية بالمنطقة .

ثم قال الكاتب أن هذا الذوبان التدريجى فى العلاقات بين الولايات المتحدة و جماعة الإخوان المسلمون قد حدثت نتيجة التغيرات السياسية الأخيرة نتيجة لنتائج الانتخابات البرلمانية المصرية ، وذلك بعد أن حصُل حزب الحرية و العدالة على أكثر من 47 بالمائة من مقاعد مجلس النواب ، وقال إن الأمر الواقع فرض على الطرفين الطريقة المثلى للتفاهم ، ببساطة فإن الإخوان المسلمون و الولايات المتحدة لديهما مصالح ويجب أن يسعى كل منهما للحفاظ على العلاقة فيما بينهما .

ثم قال الكاتب إن حزب الحرية و العدالة يسعى إلى مساعدة الولايات المتحدة فى وضع مخطط يزيد من كفاءة الاقتصاد المصرى الذى يمكّنهم من المنافسة فى العالمية ، و على سبيل المثال ، يمكن للخبراء الأمريكيين  مساعدة الحكومة الجديدة فى تطوير البرنامج الاقتصادى الذى يمكّن المصريين بالاستعواض عن كثير من السلع التى تستوردها مصر حالياً بتصنيعها محلياً ، ويمكن لهذا البرنامج أن يؤدى إلى انفراج فى الاقتصاد المصرى و سيساعد ذلك التطور فى انتشال الملايين من الفقر .

و قال إن جماعة الإخوان فى الواقع تُعدّ حالياً لمشروع "النهضة" ، الذى يهدف إلى تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادى من خلال زيادة التصنيع و التصدير ، و اعتماد الحكم الرشيد ، وتطوير منظومة التعليم و الخدمات الصحية ، و الهدف الرئيسى من هذا المشروع هو تحويل مصر من الاقتصاد الريعى – الذى يعتمد فى المقام الأول على عائدات النفط ، و التحويلات المالية للعاملين خارج مصر ، و قناة السويس و العاملين بالخارج – لنمو الاقتصاد من خلال الصادرات الصناعية و الزراعية ، مثلما نهضت كلاً من اليابان ، كوريا الجنوبية ، سنغافورة ، الهند ، تركيا ، المانيا ، البرازيل و ماليزيا ، و الحزب يسعى لتحقيق مستويات عالية من التصنيع و النمو و تعزيز المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ، وقال إن الهيئة العليا لحزب الحرية و العدالة تهدف فى النهاية إلى إعداد مشروع النهضة لمصر ؛

فقد كان السعى لإقامة علاقات تجارية واقتصادية بين مصر و الولايات المتحدة هى الشبهة الأولى التى وُصم بها حزب الحرية و العدالة.

أما الشبهة الأخرى و هى حقيقة أهداف وفد الحرية و العدالة الذى طار إلى الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية ، و الذى ضم أحد نواب المجلس التشريعى و عضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس د. عبدالموجود الدرديرى ، و د. حسين القزاز عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب و م. خالد القزاز منسق لجنة العلاقات الخارجية ، و سندس عاصم محررة موقع إخوان ويب ، وقد التقى الوفد بأحد أعضاء الكونجرس ، وكذلك التقى الوفد بجمع من أساتذة وطلاب جامعة جورج تاون بواشنطن ، وقد صرح الوفد أن السبب الرئيسى لتواجدهم بالولايات المتحدة هو بناء جسور من التفاهم ، و بالنظر إلى أهمية دور الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط ، و قد بينوا فى برنامج استضافتهم فيه قناة CNN  ، أن كل المصريين قد عانوا فى ظل حكم مبارك ، و أن 30 بالمائة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ، و أن نسبة الأمية فى مصر مرتفعة جداً ، و هناك فساد راسخ منذ عقود ، وقالوا ان الثورة فى مصر انتفضت ضد الحكم الديكتاتورى ، و أن الحرية و العدالة يتبنى نظام القيم الذى ينظر إلى الأسرة باعتبارها أساس المجتمع السليم ، و أن الحزب يؤمن بتعزيز الفرص للجميع ، وأن الحزب يدّعم المشاريع الخاصة التى تُعزز الفرص للجميع ، و يسعى ان يُدخل مصر فى منظومة الاقتصاد العالمى ، و ان الحزب يسعى أن يحصل المصريون على المياه النظيفة و الغذاء الصحى و التعليم المميز و المستشفيات المتطورة و تأمين العلاج لكل المصريين ، و تشجيع الشعب المصرى ان يخلع ثوب الخوف ، و ان يكون لديه شجاعة معارضة النظام الحاكم إذا أخطأ فى حقه ، و يسعى الحزب كذلك إلى إقامة التوازن بين المجتمع و الحكومة . 

كذلك قام الوفد بإيضاح الأسباب الرئيسية التى جعلت الجماعة تدفع بمرشح للرئاسة رغم الوعود المتكررة فى السابق من المرشد العام للإخوان المسلمون و قادة الحرية و العدالة بعدم الدفع بمرشح للرئاسة ؛ وقد أكد الوفد أن الحزب يعزز النشاط السياسى فى صفوف النساء ، و كذلك أفراد الوفد أن العلاقة بين الحزب و أقباط مصر على مايرام ، والدليل على ذلك أن نائب رئيس الحزب مسيحى ، وأن 80 بالمائة ممن صوتوا فى الانتخابات للدكتور عبدالموجود الدريدرى كانوا مسيحين ، وقالوا أن كلاً من المسيحيين و المسلميين عانوا فى ظل نظام مبارك .

وقد شارك الوفد فى اليوم الخامس من إبريل الحالى ، فى المؤتمر الذى الذى نظمه معهد "كارينجى للسلام" بواشنطن حول التغير الديمقراطى فى منطقة شمال إفريقيا و أثر ذلك على المنطقة ، وقد قام الوفد بتوضيح امكانية التفاهم مع الولايات المتحدة باعتبارها الدولة ذات الدور الأكبر فى العالم ، و أضافوا أن المبادئ العالمية للحرية و حقوق الإنسان و العدالة للجميع هى الأولوية لحزب الحرية و العدالة الذى أكد للحضور بالمؤتمر أنه يتمتع بنهج وسطى .

و كذلك أرسل الحزب وفداً إلى المملكة المتحدة لنفس الهدف، و إلى تركيا ، وكذلك إلى جنوب أفريقيا ، ثم وفداً إلى الصين ، و جارى إرسال العديد من الوفود ، إلى مختلف دول العالم ، و كذلك استقبل قيادات الحزب بالقاهرة و الإسكندرية العديد من رجال الهيئات الدبلوماسية و السفراء ، و مازال حتى الآن يستقبل الحزب العديد من رجال السياسة و الاقتصاد لكل دول العالم .

نجد بعد كل ذلك الآن من يدّعى فى الإعلام المُغرض أن هذه الزيارات و الوفود المشروعة لحزب الأغلبية هى من باب عقد الصفقات التى يلتف بها حزب الأغلبية على مصر و على الثورة !!!!! ، أقوال غريبة تصدر من شخصيات كانت تعمل لمصلحة النظام البائد ، الذى دأب على سرقة ثروات و موارد البلاد ، ولم يعبأ يوماً بنهضة مصر أو الإرتقاء بمستوى معيشة الإنسان المصرى ، بل هم الذين قاموا بتصدير البترول و الغاز المصرى للكيان الصهيونى و لإسبانيا بأبخس الأسعار نظير عمولات ضخمة ، وهم هم الذين دأبوا على جمع الضرائب من الشعب الفقير و ضخها فى الصناديق السوداء التى تُسمى بالصناديق الخاصة التى لم ينتفع بها إلا أباطرة النظام السابق ، الذى استأسد على الشعب ، و كان كالنعامة مع الكيان الصهيونى و أعوانه .

أسد علىِّ وفى الحروب نعامةٌ    فتخاءُ تنفرُ من صفيرٍ الصافرُ

هلاّ برزتُ إلى غزالةٍ فى الوغى    أم كان قلبُك فى جناحىِّ طائرٌ

وقد قيلت هذه الأبيات  فى الحجاج بن يوسف الثقفى إبان الهجوم الذى شنته عليه المحاربة غزالة التى كانت على رأس مجموعة من الخوارج ، وقاتلته طوال شهر كامل ، و أذّلته بين جنوده ، تماما كما فعل الإعلام و الإعلاميون المتحولون ، الذين يلقوا على مسامعنا صباحاً و مساءً ببرامج التشويه فى التيار الإسلامى و بالأخص جماعة الإخوان المسلمون . 

وقد قال الله تعالى : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }