الحالة في سوريا وتحرك مجلس الأمن
الحالة في سوريا وتحرك مجلس الأمن
المحامي د. محمود عطور
وفقا لما جاء بالفقرة الأولى من المادة الرابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن يمارس صلاحياته التنفيذية على وجه السرعة بفاعلية نيابة عن الأمم المتحدة ، وذلك لغايات تحقيق مقاصد الأمم المتحدة وأهمها حفظ الأمن والسلم ومعالجة أية مسألة قد تهدد مقتضيات السلم الأهلي وتعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر ، حيث تنص الفقرة المذكورة على ما يلي :" رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به "الأمم المتحدة" سريعاً فعالاً ، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات".
لقد تعامل المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن مع الحالة في سوريا على الرغم من خطورتها بإستحياء وبطء شديد ورغم مرور ما يزيد عن عام من عمر الثورة السورية ومطالبتها السلمية المشروعة في التغيير ومواجهتها من قبل النظام الحاكم بالقمع الشديد وإستخدام الأسلحة الثقيلة بحركة ممنهجة ضد المدن والقرى السورية وإستهداف المدنيين بالقتل والتعذيب والإعتقال والتشريد مما يرقى إلى مصاف الجرائم الدولية ، فقد فشل مجلس الأمن في التحرك السريع الفعال كما يقضي الميثاق ، ولم يستطع إصدار أي قرار ولو بحده الأدنى يشجب آلة القتل وإنتهاك حقوق الإنسان وتعريض السلم الأهلي وتبعاته الإقليمية بتهديد الأمن والسلم الدوليين للخطر ، وما زال العالم ينظر ويدين بتصريحات أحادية فهمها النظام على أنها مهل للإستمرار في نهجه الأمني ومواصلة آلة القتل يدفع ثمنه الشعب السوري بدمائه وجراحه .
لقد أثبت الشعب السوري بتحركه البطولي أنه صاحب القرار الفعلي في توجيه نظر العالم إلى حجم المآساة التي يعيشها مع نظام لا يكترث لمطالب الشعب ولا مناداته السلمية بالتغيير ، إن إستمرار التظاهرات السلمية التي تعم الأرجاء السورية كل يوم جعلت العالم يرضخ لبحث المسألة السورية وتداعياتها وما تمثله من قيم تدعو لحماية حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية ، فتحية إكبار وإجلال للأبطال الأشاوس في سوريا الواقفين دفاعا عن الحرية .
أمام موقف روسيا بإستخدام الفيتو لإجهاض أي قرار يتعلق بالحالة السورية ، لجأ مجلس الأمن إلى إصدار بيان رئاسي بتاريخ 21/3/2012 يتضمن ستة بنود وفقا للخطة التي وضعها المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية السيد عنان ، يطلب بمجملها وضع حد لأعمال العنف المسلح بإستخدام الأسلحة الثقيلة وإنسحاب القوات المسلحة من المناطق السكنية وحولها لتحقيق وقف مستدام للعنف المسلح ، السماح بوصول المساعدات الإنسانية ، الإفراج عن المعتقلين والموقوفين تعسفيا ، ضمان حرية التظاهر السلمي ، هذا البيان الذي صدر بالتوافق بين جميع أعضاء مجلس الأمن ، لا يمثل قرارا ملزما بالمعنى القانوني وإنما هو تعبير عن توجه العالم ممثلا بمجلس الأمن نحو أطر حل المسألة السورية ولكن هل هذا يلبي تضحيات وطموحات الشعب السوري ؟.
مما لا شك فيه أن هذا البيان أقل بكثير مما يطمح إليه المنادين بالتغيير السلمي ، ولكنه خطوة بسيطة في الإتجاه الصحيح من ناحية تذكير النظام الحاكم في دمشق أن العالم قد مل من الإفراط المتصاعد في إستخدام القوة وإستهداف المدنيين ، وللتأكيد على ذلك فقد أعقب بيان مجلس الأمن الرئاسي قرار المجلس الأممي لحقوق الإنسان بتاريخ 23/3/2012 بأغلبيته الساحقة الذي يدين الإنتهاك المنظم لحقوق الإنسان وممارسات العنف التي يواجهها الشعب السوري والتي ترقى إلى مصاف الجرائم الدولية التي يعاقب عليها القانون الدولي ، على أن الخطورة الكامنة في ثنايا التوجه الدولي هي التعامل مع الحالة السورية على أنها حالة إنسانية مع أهميتها والتغاضي عن المسألة الأساسية التي تسببت في حدوث هذه الحالة الإنسانية ألا وهي المطالبة بالتغيير السياسي .