الشباب... والثورات
الشباب... والثورات
حسن قاطرجي
لقد كان للشباب الدور الأهم في (فِعل الثورات) التي غيَّرت المناخ في عالمنا العربي بعد أن اكفَهرّ لقرنٍ من الزمان بأجواء السموم الفكرية والجراثيم الثقافية وغيوم الفساد الذي عشَّش في قصور الحكّام وعائلاتهم وزبانيتهم... فاستحالت سُحُباً سوداء قاتمة...غيّرته فأحالته إلى (ربيع مزدهر) تترقرق فيه نسائم هواء (الحرية) التي كرّم الله بها الإنسان، ويعبُق بطِيب (الكرامة) التي طالما نادت بها الشعوب، وتنشط فيه (الإبداعات) التي خَنَقَها الطغاة وأحالوها إلى يأسٍ وإحباط، وجُبن وذُلّ، وتملُّق ونفاق، وخنوع وفساد... وكل هذا كان بادياً للعيان مستشرياً في أوساط كثير من السياسيِّين والفنّانين والرياضيِّين ورجال الأعمال... ولم يكن نشازاً عن هذا المشهد إلا ثلّة مباركة قليلٌ عددُها، مباركٌ رصيدها، أصيلٌ انتماؤها، قويٌّ صبرُها وثباتُها: من (الدعاة إلى الله رب العالمين) الذين ظلوا يصدحون بأعلى أصواتهم وهدير سيل كتاباتهم وثباتهم وتضحياتهم رغم الحصار والملاحقات والسَّجن والتقتيل، وبزَخَم نداءاتهم بضرورة عودة الأمة إلى ربيعها النبوي وخطِّها المحمدي ومنهجها الإسلامي... ولطالما ارتفعت أصواتهم:
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي أنّا بغير محمدٍ لا نقتدي
في الوقت نفسه نرصُدُ محاولات حثيثة من تيارات تدسَّسَتْ متخفية في صفوف الأمّة لا تحـمـل بطاقة هُوِّيتها ولا ترفع رأسها بدينهاالعظيم الذي نَعِمَتْ به قروناً متطاولة، وأزهر حضارة زاهية كتب عنها مُعجَباً الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في (حضارة العرب)، والمؤرخ الإنكليزي وِل ستيوارت في (تاريخ الحضارة)، وأهمّ عقل علمي في القرن الماضي جورج سارطون في كتابه المهم (مدخل إلى تاريخ العلم)، والباحثة الدؤوبة النابغة الألمانية زيغريد هونكِهْ في (شمس الله تضيء ظلمات أوروبا) تريد بشمسِ الله: الحضارة الإسلامية.
والآن... الآن يأتي دور جديد للشباب أكثر أهميةً وأشد خطورةً وأعمق أثراً في تثبيت الربيع العربي بأن يكون لهم دورٌ رائد أيضاً في إعطائه (البُعد الإسلامي) بمنطلقاته الفكرية وأهدافه التشريعية والسياسية وانتمائه إلى تاريخ حضارته وحضنه الثقافي، فيكون في عمق جذورِ أشجارِهِ وعَبَق أريج زهوره ممتدَّ الصلة بالربيع النبوي لأمتنا التي كان مجدُها على يد تعاليم نبيها صلى الله عليه وسلم، خاصة أن ربيع النموذج النبوي الذي أزْهَر بولادة هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم وانفجر نور هدايته في صبح عهود البشرية التي كانت مُعتِمَة بظلامٍ دامس لقرونٍ قبله يُغري بإعادة إنتاجه من جديد على يد الشباب:
محمدٌ أنقذ الدنيــا بدعوته ومِن هُـداه لنا رَوْحٌ ورَيْحانُ
لولاه ظلَّ أبو جهلُ يُضَلّلنا وتَسـتبيحُ الدِّما عَبْسٌ وذُبيانُ
فهل أنتم مُلبـُّـون يا شــباب؟