أبعاد التصريحات الأمريكية بتغول القاعدة في سورية
أبعاد التصريحات الأمريكية
بتغول القاعدة في سورية
م. عبد الله زيزان
باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
فتحت التصريحات الأخيرة للإدارة الأمريكية حول وجود بصمات للقاعدة في سورية وتغلغلها ضمن المعارضة السورية العديد من التساؤلات والتكهنات حول أسباب هذا الإعلان في هذا التوقيت تحديداً... فبينما ذهب العديد من المحللين إلى أن مثل هذه التصريحات جاءت لتوافق الرواية الرسمية للنظام السوري والتي دأبت منذ بداية الثورة السورية لاتهام جماعات إرهابية مسلحة بالضلوع وراء الاضطرابات في سورية، ذهب آخرون إلى أن هذه التصريحات إنما هي توصيف للواقع لا أكثر، ولا تحمل في طياتها أي مدلولات سياسية أو عسكرية، وعلى الجميع التعامل مع هذه القضية كأمر واقع، وعليهم إيجاد حل لهذا التغلغل ومخاطره المستقبلية حتى ما بعد سقوط النظام السوري الحالي...
إلا أنّ توقيت هذا الإعلان قبيل انعقاد مؤتمر تونس لأصدقاء سورية وتزامنه مع تزايد الدعوات لتسليح المعارضة في الداخل يثير الكثير من الشبهات حول هذه التصريحات... فتصريحات رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي حول دخول القاعدة كطرف فاعل في الثورة السورية وانخراطهم مع مسلحي الجيش الحر وغيرهم من المسلحين في سورية يفهم على أنه نوع من أنواع تبرير عدم تسليح المعارضة حتى هذه اللحظة، بل أكثر من ذلك قد يفهم على أنه تهديد لأي جهة تريد تسليح المعارضة السورية بعيداً عن أعين الإدارة الأمريكية بأنه قد يدخل في إطار دعم الإرهاب المتمثل بتنظيم القاعدة...
وهنا يبرز السؤال الكبير: هل حسمت الإدارة الأمريكية موقفها من الثورة السورية، أم أنها لا تزال في حيرة من أمرها بسبب خوفها على حليفتها "إسرائيل" والتي تعيش هي الأخرى بتخبط كبير خشية من المستقبل الذي ينتظرها في ظل ضعف النظام السوري الحالي، وتوقع انهياره في أي لحظة، الانهيار الذي يعني إما الفوضى التي ستكون بيئة مناسبة للمجموعات الجهادية ليصبحوا على حدود كيانهم ويهددوه بشكل فعلي، أو وصول حكومة إسلامية تماماً كما حدث مع دول الربيع العربي، والذي أيضاً يشكل لها خطراً على مدىً ليس بالبعيد بحسب تقديراتهم...
ففي ظل هذه السيناريوهات غير الواضحة يبدو أن "الإسرائيليين" ومن خلفهم الإدارة الأمريكية لم يستطيعوا بعد رسم مآلات الثورة السورية، وهذا ربما ما دفعهم إلى التصريح بأنّ تنظيم القاعدة قد دخل على خط هذه الثورة رغبة منهم في إبقاء خيوط الحل لهذه الأزمة بيدهم وحدهم لا بيد أي جهة أخرى ترى ضرورة الانتهاء من هذه الأزمة وبأسرع وقت...
لكن هذه القراءة للتصريحات الأمريكية ليست الوحيدة، فربما أيضاً أرادت الإدارة الأمريكية بتصريحاتها الأخيرة والتي تكررت على لسان أكثر من مسؤول عسكري واستخباراتي أمريكي أن تحضر الرأي العام الأمريكي لمرحلة جديدة من تدخل مباشر أو غير مباشر في سورية، وذلك برسم صورة قاتمة حول الوضع في سورية وتأثيره على الأمن الأمريكي، حيث تتمثل هذه الصورة بأنّ تنظيم القاعدة والذي يشكل الهاجس الأكبر لدى الشعب الأمريكي قد أصبح يتغلغل حالياً في سورية مما يبرر التدخل الأمريكي فيها، ويبرر لدافع الضرائب الأمريكي التكلفة المترتبة على مثل هذا التدخل...
ويعزز ذلك تلميحات رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي حول إمتلاك سورية لأسلحة متطورة بالإضافة إلى ترسانة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والذي يعني وقوعه بيد تنظيم القاعدة كارثة كبيرة لأمريكا وحلفائها، وهي بالتالي تضخم من حجم الأضرار التي ستقع في حالة عدم تدخل أمريكا في سورية، وهو أسلوب اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتباعه بتضخيم قوة الخصم وتعظيم خطره، وتخويف الداخل الأمريكي بعواقب ترك هذا الخطر دون متابعة، لتبرر بالتالي تدخلها... واستلام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون زمام الحديث عن دور القاعدة وتكراره كل ما سنحت الفرصة لذلك يعزز من هذه الفرضية...
إذن خلاصة القول أن تضخيم دور القاعدة في سورية من قبل المسؤولين السوريين يمكن تفسيره بإحدى القراءتين، فإما أنه تبرير لعدم دعم الجيش السوري الحر، أو تحضير للرأي العام الأمريكي لتدخل متوقع في الفترة القادمة...