(أمُّ القرى)... حجٌّ غيرُ مبرور
أنس إبراهيم الدّغيم
جرجناز/معرّة النعمان/سوريا
ربّما كان لعنواني هذا مستقبِلٌ مستهجنٌ في نفوس الكثير من القرّاء ، لِمـا لأمّ القرى ( مكّة المكرمة ) من رمزيّةٍ و حضورٍ في قلوب و عقول المسلمين على امتداد العالم .
و لكن ليست مكة المكرمة هي المعنيّة في مقالي هذا ، و ليست هي أم القرى التي عُنيَت في كتاب ( مقولات في الاستراتيجيّة الوطنية ) و الذي كتبه محمد جواد لاريجانيّ و هو أحد أبرز المنظّرين السياسيّين في إيران ، و واحدٌ من دعاة التمدّد الشّيعي المتحمّسين .
محمد جواد لاريجاني هو أستاذ الفيزياء في جامعة طهران الحكوميّة و هو من عائلة لاريجاني المتنفّذة في السياسة الإيرانيّة الخارجيّة و الدّاخليّة .
طلب منه المرشد علي خامنئي و بشكل مباشر أن يكتب له خطّة استراتيجيّة جديدة لإيران التوسّعيّة ، فكتب ( مقولات في الاستراتيجيّة الوطنية ) و من ضمنها ( نظرية أم القرى ) و التي تؤسّس لخارطة طريقٍ استعماريّة و لكن بنكهةٍ فارسيّةٍ هذه المرّة .
تهدف و خلال خمسين عاماً إلى خلع صفة القدسيّة عن ( مكة المكرّمة ) و اعتماد مدينة ( قمّ ) الإيرانيّة مركزاً جديداً للعالم الإسلاميّ الذي يريدون .
و بالطّرق السّلميّة ما أمكن و ذلك عن طريق التعاون الإيرانيّ العربي في التجارة و الاقتصاد و عن طريق التبادل الثقافيّ في المعاهد و الجامعات و من الطرق المطروحة العسكرةُ الصارخة إذا احتاج الأمر كما يحصل اليوم في سوريا و حصل قبله في لبنان ، ولربّما كانت بداية التطبيق العمليّ لهذه الخطّة أحداثُ البحرين سنة 2011 .
و أرفق هذه النظريّةَ بمقدّمات العمل التي يراها متاحةً نوعاً ما في العالم العربي المنقسم و العالم الإسلاميّ المنفصم .
و من مقدّمات العمل و التطبيق ، اعتماد الطريقة السلميّة في التوسّع المذهبي في قلب العالم العربيّ خصوصاً و العالم الإسلاميّ عموماً .
و ذلك عن طريق الدخول السياسي و الاقتصاديّ أوّلاً .
و يكون العمل بالطرق السلميّة ما أمكن ، و لم يستبعد من هذه النظرية العمل العسكري فيما إذا فشلت السياسة و عجز الاقتصاد عن متابعة البرنامج المطروح .
و لهذا فقد عملت إيران في العقد الأخير على تمتين العلاقات الاقتصاديّة مع دول الخليج العربيّ ، و التي ربّما كان الدّخول الآمن إليها أسهل مما هو عليه بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى ، و التي لا تحظى فيها إيران بنسبةٍ شيعيّة ظاهرة كما هو الحال في بعض دول الخليج العربي كالبحرين و الكويت و عمان و الإمارات .
و كان لحجم التعامل الاقتصادي بين إيران و دول الخليج العربيّ ، ما ينبؤ بنوايا إيرانيّة تتعدّى موضوع الاقتصاد و العلاقات التجاريّة . فعلى سبيل المثال و بالرغم من أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، إلا أن التبادل التجاري بين البلدين، هو الأعلى على مستوى العلاقات الخليجية الايرانية، ويشهد حجم التبادل التجاري بين الامارات وإيران تقدما مطردا، وارتفع من 4.7 مليار درهم عام 2001 إلى 7.4 مليار درهم عام 2006، حيث ازداد حجم صادرات دولة الإمارات إلى إيران من 187 مليون درهم إلى 9.1 مليار درهم، وحجم إعادة التصدير من 9.5 مليار درهم إلى 12.3 مليار درهم، في حين ازدادت واردات الامارات من إيران من 3.1 مليار درهم إلى 5.3 مليار درهم.
وبحسب القرار الصادر من المجلس الأعلى لهيئة الموانئ والجمارك بالجمهورية الإيرانية، فقد تم تخفيض نسبة 50 في المائة ولمدة سنتين على الرسوم والتكاليف المتعلقة بالموانئ لجميع السفن التي تحمل السلع غير النفطية الواردة أو الصادرة أو الترانزيت من وإلى منطقة «قشم» الحرة .
و هذا غيضٌ من فيض علاقاتها الاقتصادية و التجاريّة مع دول الخليج العربيّ و دول المنطقة كافّة ، بما فيها استثمارها الممنهج في مصر السّياسة و الاقتصاد و الإنسان .
ناهيك عن العلاقات التي تحاول إيران دعمها و تصديرها إلى واجهة التعامل الإيراني العربيّ في المجال السّياسيّ و التدخل في الشؤون السياسيّة لبعض الدول العربيّة و الإسلاميّة بعقليّة الوصيّ .
و في هذا ما يعبّد الطّريق أمام خارطة الطريق الإيرانيّة و التي سمّاها كاتبها محمد جواد لاريجاني ( نظريّة أم القرى ) و لم يقصد هنا بأم القرى مكّة و إنّما عنى بها مدينة ( قم) الإيرانيّة و التي يتربّى فيها آياتهم و أسيادهم و التّي يتعلّمون فيها تفاصيل الحقد الأسود على العروبة و أهلها و على الإسلام و أهله
و لقد اعتمد لاريجاني في استراتيجيّته على مبدأ الموجة ، و هي طريقة انتقال الحركة التوسعيّة في العالم العربي على شكل حلقاتٍ جغرافيّة .. الأقرب فالأقرب .
و كما أسلفنا فقد كان أوّلها هي أحداث البحرين سنة 2011 و ليس آخرها أحداث سوريا و التي كان لإيران فيها حضورٌ لا يخفى على العالم كلّه .
و قد كان هذا من أساسيّات النطريّة الموضوعة ، و هو اللجوء إلى الحلول العسكرية فيما إذا فشلت الطرق السياسيّة .
ربّما كانت الأيام القادة حبلى بفصولٍ أخرى من مسرحيّة ( أم القرى ) اللاريجانيّة ، أو بستائر تُسدَلُ على هذه الفصول من يقظة أبناء الأمة و رجالات العالم العربيّ ، و التنبّه إلى الخطر الكبير القابع وراء مثل هذه الرّؤى الغريبة و الدخيلة ، و العمل على مقاومة الموجات الجغرافيّة الجامحة بتاريخٍ مقاومٍ جديد.