بابا عمرو ليس حماة 82 والسوريون لن يركعوا
بابا عمرو ليس حماة 82
والسوريون لن يركعوا
ياسر الزعاترة
قلنا مرارا وتكرارا إن الحملة العسكرية على مدينة حمص كانت ولا تزال تستبطن ذكريات حماة في وعي النظام وجهازه الأمني والعسكري، وخلاصة الموقف أن يجري تركيع المدينة التي باتت أيقونة الثورة، الأمر الذي سيبث الرعب في أوصال المدن الأخرى وينهي الثورة.
من أجل ذلك كان الهجوم الشرس بالمدافع والدبابات، وكان القتل والتدمير، وكانت العقوبات الجماعية، لكن مزيدا من التدقيق سيؤكد للمراقب أن مشهد حماة 82 يختلف تماما عن زمن حمص 2012، ليس لجهة الاختلاف الواضح بين التمرد المسلح الأول (المحدود من الناحية العملية)، وبين الانتفاضة الشعبية الثانية بشمولها للنسبة الأكبر من الشعب السوري، بل أيضا بين الزمن الأول والزمن الثاني، أكان لجهة المواقف السياسية العربية والإقليمية والدولية، أم لجهة معطيات الثورة الإعلامية، حتى لو وقع تشابه بين الموقف الروسي الصيني اليوم وبين الموقف إبان الحرب الباردة (أيام مجزرة حماة 82).
نتذكر هنا كيف عوَّل النظام قبل شهور على أن إسكات حماة سيؤدي إلى وأد الثورة، فكان أن تحركت حمص، إلى جانب عدد من المدن الأخرى، فيما انخرطت دمشق وحلب في الانتفاضة على نحو أكثر قوة ووضوحا.
والحال أن ما جرى في حمص يعكس بدوره مخاطر عسكرة الانتفاضة كما ذهبنا خلال الشهور الماضية، وهي العسكرة التي أرادها النظام. لا نعني بعض أنشطة الدفاع عن النفس التي تجري هنا وهناك، بل نعني تحويل الانتفاضة بمجملها إلى نشاط عسكري يحشر الغالبية بين دور المتفرج، وبين من يمنح الحاضنة لمن يحملون السلاح.
الانتفاضة المسلحة لا تنجح دون مدد خارجي قوي، الأمر الذي لم يتوفر إلى الآن، فيما نعلم أن المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام لا زالت متماسكة بهذا القدر أو ذاك تبعا لبنيتها الطائفية، وهذا ما يزيد الوضع صعوبة وتعقيدا، فضلا عن المدد الخارجي الذي يتمتع به النظام من إيران والعراق، وربما لبنان أيضا.
في المقابل تبدو الانتفاضة السلمية هي الأكثر قوة، وإن لم تكن سهلة في الحالة السورية تبعا لوجود نسبة من السكان تنحاز للنظام وترى مصلحتها في وجوده، لكن حراك الغالبية اليومي في سائر المدن يبقى الخيار الأفضل حتى لو تحركت بعض المناطق في إطار عسكري بهذا القدر أو ذاك تحت وطأة الاضطرار.
ما جرى في حمص، وبابا عمرو تحديدا يؤكد مخاطر العسكرة، ليس فقط لجهة المواجهة الصعبة بين الأسلحة الخفيفة والأسلحة الثقيلة، فضلا عما يترتب على ذلك من قتل ودمار، بل أيضا بسبب ما يترتب على المعركة من توجيه الأنظار إلى نقطة معينة حتى من قبل السوريين أنفسهم، مقابل تراجع الاهتمام بالفعاليات الشعبية الكبيرة التي تهتف ضد النظام وتستقطب المزيد من الناس يوميا.
إن شعور النظام بنشوة الانتصار على حي بابا عمرو ومجمل التمرد المسلح في حمص إنما يعكس وضعه البائس أكثر من أي شيء آخر، إذ أي نظام هذا الذي يلخص انتفاضة شعبية شاملة في تمرد مسلح محدود في مدينة من المدن، ليست هي الأولى ولا الثانية من حيث الأهمية في البلاد؟!
كل ذلك يعكس ارتباك النظام، لاسيما أن أحدا لم يكن يعتقد أن الحي سيصمد حتى النهاية (ينطبق الأمر على المدينة)؛ لا المعارضة ولا السوريين ولا حتى الناس في الخارج، لكن ما يجري كان يفضح حقيقة النظام الدموية، كما يكشف حقيقة المعركة الاضطرارية التي كانت تتم بين جنود منشقين فضلوا الموت على توجيه الرصاص لأبناء شعبهم وبين جيش النظام، أو لنقل وحدات مختارة منه يقودها ماهر الأسد ويخطط عملها الخبراء الإيرانيون.
لولا الأحوال الجوية السائدة لكانت جمعة الأمس أكثر قوة في ردها العملي على دخول كتائب ماهر الأسد لحي بابا عمرو، وبالطبع في سياق التأكيد على أن سقوط الحي عسكريا لا يعني سقوط الثورة، بل يعني أن دماء حمص ستمنحها المزيد من القوة والمدد وصولا إلى الانتصار القادم لا محالة.
اليوم تذهب الأوضاع نحو الحرب الأهلية، وإذا ما تدفقت الأسلحة للمعارضة، فقد نكون إزاء صومال أو أفغانستان أخرى، الأمر الذي ستترتب عليها تضحيات وخسائر كبيرة، لكن مسؤولية هذا الوضع إنما يتحملها النظام وحده، مع ضرورة التأكيد على استمرار الفعاليات السلمية التي تؤكد على أن ما يجري هو ثورة شعبية دفعها النظام بعناده وجبروته نحو مسار لم تكن تريده. ولا قيمة هنا لأية مواعظ توجه للشعب أو تهجو الثوار، وعلى المخلصين أن يطالبوا بشار وعائلته بالرحيل الفوري حفاظا على سوريا وشعبها ومقدراتها ودورها في ميدان الصراع مع أعداء الأمة، اللهم إذا اعتقدوا أن الشعب السوري عميل للخارج، وأن النظام وحده هو المقاوم والممانع (ساء ما يحكمون).