ما مدى جدية الغرب بتلميحاته حول ضربات جوية لسورية؟!

ما مدى جدية الغرب

بتلميحاته حول ضربات جوية لسورية؟!

م. عبد الله زيزان

الباحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

مع انطلاقة الثورة السورية وتوسعها في أيامها الأولى تميز التعامل الغربي مع الأحداث بالبرود وقلة الحماسة، خاصة إذا ما قارنا ذلك بحماسهم في الحالة الليبية، بحيث لم يكلفهم الأمر فيها إلا أياماً معدودات استطاعوا من خلالها تحييد الموقف الروسي والبدء عملياً بتنفيذ ضربات جوية كان لها دور ملحوظ في تسهيل عمل الثوار على الأرض، والحد من التفوق العسكري لكتائب القذافي...

لكن الحماس الغربي بالقضية السورية بدأ بالتزايد وبشكل مفاجئ في الأشهر الأخيرة، فأعطوا الجامعة العربية وزناً لم تعهده الجامعة منذ نشوئها، رغبة من الغرب بحسم الثورة السورية بشكل هادئ مشابه للثورة المصرية، يحافظون من خلاله على بنية الدولة السورية، منعاً للفوضى التي لن تعود على الغرب و"الإسرائيلين" تحديداً إلا بمخاطر لا يعرف كنهها أحد...

حماس الغرب للقضية السورية، لماذا؟

والمتابع للشأن السوري يلحظ أن تصاعد وتيرة الحماس الغربي بالقضية السورية كان متزامناً مع تزايد الانشقاقات في الجيش النظامي، وتزايد قوة الجيش السوري الحر، بحيث بدأت عملياته تؤتي أكلها، وبات لاعباً مؤثراً في الساحة السورية، وهو ما يعني أن النظام السوري ولأول مرة منذ وصول عائلة الأسد للحكم بات مهدداً فعلياً بالسقوط، الأمر الذي جعل الغرب يفكر جدياً ببدائل تحفظ لهم مصالحهم في المنطقة...

الآن وبعد أن بات الجيش السوري الحر يسيطر على مساحات واسعة من الأرض السورية، وبدأت قبضة الحكومة المركزية بدمشق تضعف وبشكل ملحوظ بدأ الغرب بالتفكير بصوت عال بحلول أكثر نجاعة لحسم الموقف بسورية حتى وإن أخذت هذه الحلول طابعاً عسكرياً، فالنظام الذي لم يستطع حسم معركته بمنطقة بابا عمرو إلا باستخدام الكتائب الأسدية لحشود كبيرة من مدرعات وآليات سبقها قصف عنيف بأسلحة ثقيلة آخرها صواريخ سكود ذات القوة التدميرية العالية ولمدة قاربت الشهر، هذا النظام لا يمكن الوثوق به لحماية حدود "إسرائيل" أو الحفاظ على استقرار المنطقة...

الخيارات العسكرية

كانت أولى التصريحات الغربية كخيار عسكري هي دعوات لتسليح المعارضة في الداخل... وهو ما تخوفت منه الإدارة الأمريكية، فحذرت في شباط الماضي من أن الأسلحة قد تصل لـ"إرهابيين" كتنظيم القاعدة، والذي لم يسمع به السوريون إلا من أفواه المسؤولين الأمريكيين، ما يوحي بأن الإدارة الأمريكية لا تحبذ هذا الخيار، وإن كانت لم تغلق الباب تماماً أمامه..

وهو ربما ما دفع الغرب إلى التفكير وبخطوة متقدمة تتجاوز فكرة تسليح المعارضة السورية وذلك من خلال توجيه ضربات جوية لأهداف محددة في سورية، جاء ذلك على لسان السيناتور الأميركي جون ماكين الذي دعا في الخامس من آذار الحالي واشنطن إلى قيادة مساع دولية لشن ضربات جوية في سوريا لمساعدة المعارضة في الدفاع عن نفسها ضد القمع الذي يمارسه نظام الأسد، ثم تبعه وبنفس اليوم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان الذي لم يتردد في اقتراح توجيه "ضربات محددة الأهداف ضد المؤسسات المدنية والعسكرية السورية"، حيث يرى أنه "في حال الامتناع عن التهديد باستخدام القوة، فإن الحكم السوري لن يغير تصرفاته".

والملاحَظ في التصعيد الجديد في الخطاب الغربي أنه جاء هذه المرة من شخصيات معروفة لكنها ليست في دائرة صنع القرار حالياً، مما يمنع أي حرج للإدارات الأمريكية والغربية في حال لم تنفذ وعودها، وهو أيضاً يفهم على أنه بالون اختبار، لقياس ردات الفعل الدولية من جهة ولتحفيز بعض الدول المتمسكة بالنظام السوري للتخلي عنه من جهة أخرى، وذلك بالإيحاء بأنّ أيام النظام السوري باتت معدودة...

وما يشير إلى أن الخيار العسكري بات بالفعل مطروحاً لدى الإدارة الأمريكية التصريح الأخير للرئيس الأمريكي بارك أوباما في السادس من آذار الحالي حين أكد أن الولايات المتحدة لن تقوم بأي عمل عسكري منفرد ضد نظام بشار الأسد، فهو بذلك لا يستبعد العمل العسكري مع نفيه أن يكون منفرداً، بالإضافة لما أعلنه الأردن من استعدادات لأكبر مناورات عسكرية تشهدها البلاد بمشاركة 17 دولة، والتي ستكون في أيار المقبل وهو ما فهمته مارينا اوتوواي الباحثة بمعهد "كارنيجي" على أنه مرتبط بما يحدث في سورية...

لماذا الضربات الجوية؟

لكن استبعاد فكرة تسليح المعارضة مع ترجيح فكرة الضربات الجوية النوعية يشير إلى مدى الخوف الذي يسيطر على الإدارة الأمريكية من مرحلة ما بعد الأسد، الخوف النابع من احتمالية سيطرة الإسلاميين على الحكم لأنهم الاكثر شعبية والأكثر تنظيماً من وجهة نظر الغرب، لذا فإن خيار توجيه الضربات العسكرية لأهداف محددة قد يراد به ضرب البنية التحتية العسكرية لسورية، ليستلم الحكام الجدد سورية بلداً مدمراً عسكرياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً، ويحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن يفكروا مجرد تفكير بالجولان أو أي أرض سورية محتلة، ورغم أن السوريين واعون تماماً لمخاطر التدخل العسكري الخارجي إلا أنّ حجم القمع الرهيب، الذي لو وقع على أي شعب في العالم لدفعه للتراجع والخمود، يجبرهم على قبول هذا التدخل لتخليصهم من جحيمٍ عجز حتى اليهود في فلسطين عن تقديم نموذج مثيل له...

لكن وفي ظل كل هذه التلميحات بالضربات الجوية، يبقى المعلن من المواقف الأمريكية متمسكاً بالخيارات الدبلوماسية والتي إن نجحت -وهو المستبعد- سنشهد تبديلاً في رأس هرم النظام دون المساس بباقي مؤسسات الدولة وبالتالي ضمان بقاء ولاء سورية للغرب بشكل عام، وهو ما لن يقبله الثوار بعد كل التضحيات التي قدموها حتى هذه اللحظة...