أيها السوريون لا تذهبوا حيث يدفعكم النظام
أيها السوريون
لا تذهبوا حيث يدفعكم النظام ...
زهير سالم*
منذ الأيام الأولى للثورة السورية المظفرة وضع النظام المستبد استراتيجيته لمواجهة هذه الثورة وإجهاضها. وكان من ركائز هذه الاستراتيجية دفع الثوار إلى ساحات جانبية يكون النظام فيها هو الأقوى. وتزييف عناوين للصراع يجعل منها النظام ذرائع للمزيد من القتل والقمع.
إن الذي لا يجوز أن نغفل عنه أن لدى النظام مؤسسات متخصصة متفرغة لإدارة الصراع على جميع المستويات. وأنه يستعين منذ الأيام الأولى بخبرات إضافية تقدمها روسيا وإيران، كما يستعين بخبراء ومستشارين مستأجرين من جميع دول العالم. يشكل كل هؤلاء فرق عمل تكون مهمتها اليومية الإجابة على سؤال: كيف نجهض هذه الثورة..؟!
نعلم أن مد الثورة المدعوم بإرادة جماهيرية هادرة ما يزال يتجاوز كل ما يمكرون ويخططون ويبرمجون. و قد يصادر بعضهم هذه المقدمة بقولهم : أين الخبرة والذكاء في كل هذا الذي نرى؟! ألسنا نرى في تصرفات النظام ومواقفه غباء سياسيا غير مسبوق؟! ألا نرى اختيارا للأسوء ؟! وذهابا في الطريق التي لا عودة منها؟! والجواب أن سبب كل هذا المسلّم به أن النظام في معركته مع الشعب السوري، لا يريد أن يتنازل عن أي مفصل من مفاصل السلطة والقرار، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى الإداري. وبعبارة أكثر وضوحا إن النظام مصمم على أن يخرج من هذه الثورة التي يسميها اختصارا ( الأزمة ) بكسر إرادة الجماهير، وقمعها، وإعادة تركيعها، دون أن يقدم أي تغيير ولو جزئي على طريق ( مشروع الإصلاح !!! ) المزعوم؛ وهذا يجعل خيارات ( الحكماء ) أكثر قسوة، وأكثر عبثية، دون أن نغفل بالطبع وجود قوى في دهماء المؤيدين للنظام، والمدافعين عنه تفسد عليه الكثير من الخطط. دهماء كان سيدنا علي يقول فيهم: يملكوننا ولا نملكهم..
وبالمقابل فإن الإيمان بمصداقية ( حدْس الجماهير )، وصوابية بوصلتها؛ لا يجوز أن يكون شفيع البعض لإلغاء عملية التفكير والتقدير. فوراء الستارة لاعب شطرنج متمرس وماكر يحرك الأحجار على المربعات السود؛ فمن سيواجهه على الطرف الآخر، ويدفع كل نقلة بما يناسبها بل ويتفوق عليها؟! سؤال ظل عالقا منذ انطلاقة هذه الثورة المباركة الممهورة بدماء أبناء شعبنا الزكية. ولم نجد في بنية من يقود المواجهة من يستشعر الحاجة إلى خبرة خبير، واستشارة مستشار!!!
إن معركتنا كما هي معركة صدور عارية، وقبضات قوية، وحناجر صداحة تغني للعدل والحرية والإخاء والمساواة؛ يجب أن تكون معركة عقول تفكر وتقدر وتقدم وتؤخر. إن ردود الفعل العفوية مع كل التقدير لمصداقيتها وجرأتها لا تقود ثورة، ولا تصنع نصرا..
أيها السوريون..
لا بد من إعادة تقدير الموقف قبل كل خطوة. لا بد أن نضع إرادتنا في مواجهة إرادة النظام؛ ليس بردود الفعل، التي يمكن أن تشكل في مثل ظروف ثورتنا استجابة مباشرة لإرادة المكر الذي ينصب الأفخاخ، ويحفر المطبات، ويدفع إلى الساحة التي يكون الأقدر على الانتصار فيها.
إذا كان النظام يريد أن يأخذنا إلى الحرب الأهلية.....:
النظام يريد أن ينقل الصراع من ساحات التحدي السلمية إلى ميادين المواجهة العنيفة. حيث يمتلك في تلك الميادين التفوق في السلطة والعدد والعدة، النظام يريد أن يأخذنا إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر؛ فهل نذهب معه حيث يريد؟!! عسكرة الثورة للدفاع عن النفس، ورد العدوان، وحماية المدنيين كلام له مقدمات مفهومة ولكن مخرجاته بأبعادها الأخلاقية والوطنية والسياسية يجب أن تظل موضع التأمل والاعتبار. هل فينا من يريد أن يفكر في مستقبل فوضى انتشار السلاح؟! هل هناك من يضمن ضبط استعمال هذا السلاح؟ أرجو ألا يخلط أحد بين الجيش السوري الحر كمؤسسة وطنية منضبطة تستحق التشجيع والتحية والاحترام وبين الحالات غير المنضبطة التي قد تجعلنا ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا..). نتفهم العنفوان والحمية التي تستجيب للتحدي و كل الذي ندعو إليه أن نفكر قبل أن نجيب، وأن نقدر قبل أن نستجيب، وأن يكون أمرنا كما أمر ربنا شورى بيننا وأن نجد لهذه الشورى آلياتها وقواعدها..
ويريد أن يحشرنا تحت عناوين طائفية...
ويجهد النظام ما وسعه الجهد لينزع عن ثورتنا ثوبها الوطني، ليرفع فوق رؤوسنا رايات العصبية الطائفية المقيتة؛ دائما هناك في صفه من يستفز بالقول أو بالفعل أو بالاتهام أو بالتشنيع، وهناك من يصمت، وهناك من يحمل المظلوم المسئولية، وهناك من يطالب المذبوح أن يطمئن ذابحه، وأن يهدئ من روعه .. فهل تدفعنا ردود الفعل التلقائية فنذهب مع النظام حيث يريد؟! ونبتلع الطعم، فنقع في الفخ؟! أو نعود إلى هؤلاء الذين ينظرون إلينا تحت عنوان ( أنتم ..) لننضم إليهم تحت راية ( نحن ) الوطنية السابغة تصهرنا جميعا وتوحد وتؤلف وتطمئن..؟!
في الساحة الوطنية اليوم آراء كثيرة متباينة وأحيانا متناقضة. لا ندعو في هذا المقال ابتداء إلى أي منها ولا نرفض ابتداء أيا منها. لا نحاول أن نصادر رأي أحد، لا رأي فرد ولا رأي مجموع؛ وكل كلام يمكن أن يقال له حظه من الاعتبار. كل الذي ندعو إليه أن يسبق التفكير الخطوة، وألا نذهب إلى المذبح بأقدامنا. وألا نستجيب أبدا إلى حيث يريد أن يستجرنا هذا النظام
لقد تفجرت هذه الثورة المباركة من قلب المعاناة. بالإرادة الوطنية الخالصة. انطلق الثوار متوكلين على ربهم معتمدين على سواعدهم. وكل الذي نرجوه أن لا يكون فريق ما قد أخطأ حساب الكلفة. من معرفتنا بطبيعة النظام وطبيعة المعركة وتداعياتها ندرك أننا ما زلنا في أول الطريق. نحن مدعوون لنحارب بعقولنا وقلوبنا وسواعدنا وليس بأعصابنا. بعد عام على الثورة نعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لقلق المتلفتين يمينا وشمالا وشرقا وغربا.
(... وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ..)
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية