تساؤلات على التصريحات الأخيرة لحسن نصر الله
تساؤلات على التصريحات الأخيرة
لحسن نصر الله
بدر الدين حسن قربي /سوريا
في كلمة له خلال الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي الجمعة 9 كانون أول/يناير 2014 ، تعرّض حسن نصر الله فيها للهجوم الذي كان على مقر مجلة شارلي ايبدو الفرنسية، وتسبّب بقتل اثني عشر شخصاً قبل يومين، وقال مامختصره: بسبب سلوك بعض الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تنسب نفسها إلى الإسلام وإلى رسوله ورايته والتي من خلال أقوالها وممارساتها اللا إنسانية والوحشية، أساءت إلى دين الله ورسوله وكتابه وإلى أمة المسلمين أكثر مما أساء إليه أولئك الذين اعتدوا على رسول الله من خلال كتبهم وأفلاهم ورسومهم، بل أساؤوا إليه كما لم يتم الإساءة له طوال التاريخ. ومن ثمّ، فقد دعا الدول الإسلامية للتكاتف في مواجهة هذه الجماعات لأنها: تشكّل تهديداً لشعوب المنطقة ولدولها وخريطتها، وللدماء والأموال والأعراض والكرامات والمصائر والمستقبل والحاضر.
ابتداءً، لانختلف على عموم ماقاله حسن نصرالله، ولكنه كلام يوجب علينا تنقيط حروفه، وجمل تستوجب وضع علامات الترقيم فواصلَ وإشارات، لئلا يخطيء البعض في قراءتها أو يتوه، ونضعَ يدنا أيضاً على فتاوي التكفير والتكفيريين الذين ينعتون غيرهم به إن صدقاً وإن كذباً وهم أهله وصانعوه ومصدّروه.
أحدث صدور كتاب آيات شيطانية للكاتب البريطاني الهندي سليمان رشدي موجةً عارمة من الاحتجاجات في حينها، انتهت بفتوى وافقت يوم الحب من شباط/فبراير 1989، أصدرها المرشد العام للثورة الإيرانية الإمام الخميني، بهدر دم الكاتب وكل مترجمي كتابه وناشريه مع تخصيص جائزة مليونية لمن يقتل الكاتب نفسه. وللتأكيد، فقد أعقب ذلك بشهور محاولة فاشلة لاغتيال سلمان رشدي بواسطة كتاب مفخخ، حاول تمريره عنصر من حزب الله يدعى مصطفى مازح، وإنما انفجار الكتاب بشكل مبكر أدّى إلى مقتل الأخير وتدمير طابقين من الفندق الذي كان فيه. تبع ذلك قتل المترجم الياباني، وفشل محاولات عدّة استهدفت المترجم الإيطالي والتركي والناشر النرويجي فيما بعد سواء بالطعن أو بإطلاق الرصاص، فضلاً عمّا رافق هذه الفتوى من موجة كبيرة من الاحتجاجات والهجمات والتهديدات لدور الطباعة والنشر، والتي نتج عنها حرق وتفجير بعضها ومقتل العشرات بسبب ذلك.
وإنما للملاحظة، ماكان سعير هذه الفتوى يخمد قليلاً حتى يعلو من جديد بمناسبات متتابعة، يتجدد معها التهديد والوعيد. فبمناسبة قيام صحيفة دانماركية بنشر رسوم ساخرة ومسيئة عن النبي عليه السلام أواخر عام 2005 ، أكّد حسن نصر الله في كلمة له مساء الثلاثاء 31 يناير 2006 أمام الآلاف من أنصاره بمناسبة عاشوراء في الضاحية الجنوبية من بيروت، وهم يلوّحون بقبضاتهم (لبيك يانصر الله): لو قام مسلم ونفذ فتوى الإمام الخميني الصادرة منذ 17 عاماً بإهدار دم سلمان رشدي لما تجرأ اليوم أحد من هؤلاء السفلة على أن ينالوا من الرسول لا في الدانمارك ولا في النرويج ولا في فرنسا. وقد تبع ذلك لاحقاً إعلان رجل الدين الإيراني أحمد خاتمي أنّ فتوى الإمام الخميني لا تزال سارية، وغير قابلة للتعديل. ثم وبمناسبة نشر الفيلم الهولندي المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً أواخر عام 2012، أكّد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي مجدّداً على سريان الفتوى خلال مخاطبته حُجّاجاً كانوا يستعدون للمغادرة إلى مكة المكرمة. وقد قامت بهذه المناسبة أيضاً مؤسسة خيرية إيرانية حكومية كبيرة فيها بزيادة قيمة جائزة القتل لتصبح 3.3 مليون دولار، مع تأكيد رئيسها حسن صانعي: بأن هذا الفيلم ماكان ليظهر، ولا الرسوم والمواد الصحفية المسيئة من قبله لو أن فتوى الإمام الخميني بقتل رشدي تم تنفيذها.
وعليه، فإذا كان ماحصل من هجوم على مقر الجريدة الفرنسية، هو كما وصفه (نصرالله) تأثيراً وآثاراً وتهديداً لشعوب المنطقة ولدولها وخريطتها ودمائها وأموالها وأعراضها ومستقبلها وحاضرها كفراً وتكفيراً، فماذا يمكن اعتبار فتوى الخميني وما ترتب عليها من قتل بعشرات الناس إلا من هذا الصنف، إلا إذا كان القتل والإرهاب والتكفير بفتوى الخميني مرخصّاً ومرحّباً به ومعتبراً سلوكاً إنسانياً، وهو غيره إرهاب الأفراد والجماعات المتطرفة وسلوكها اللاإنساني.
وإذا كانت إساءات مَنْ أساء للنبي محمد من كتبٍ وأفلامٍ ورسوم لاتبرر مافعله الشابان الفرنسيّان من جريمة وخصوصاً أن النبي لايحتاج لمن ينتقم له كما أشارت التصريحات الرسمية الإيرانية، فلماذا تكون مظنّة الاعتداء على قبرٍ أو مقامٍ ما من مقامات آل البيت الكرام في سوريا مثلاً مبرّراً لدخول جماعة نصرالله والكثير من الميليشيات الشيعية بآلافها لقتل السوريين والاعتداء على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، إلا إذا كان ذلك مقاومة وممانعةً فأمره مختلف.
وأخيراً..، لسنا هنا لمناقشة فتاوي التكفير والقتل والإرهاب صواباً وخطأً وتبادل الاتهام والتصريحات، وإنما للتنبيه والتذكير بأن التكفير ونغمته وفتاويه ومعه تصدير الثورة وتكفير حزب البعث العراقي لا السوري، وتهديد شعوب المنطقة وخريطتها ليست شأنا جديداً، بل هي قديمة كانت مع بدايات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليس غيرها، ولها وعليها مع حلفائها وأشياعها إثم تأسيسه وتصديره، وأنهم أهله وناسه وصانعوه بعلاماته المسجلة والمميّزة.