الجميع يكذبون ويحنثون تحت القسم ولا يستحون
الجميع يكذبون ويحنثون
تحت القسم ولا يستحون
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
إن شر بلاء أمتنا هو انتحال صفة الكذب , ليكون عقيدة وسلوكاً وعبادة , والكاذب عندنا لايخاف من الفضيحة , ولا يخشى انفضاح الكذب عنده ومشاعته بين الناس , من أنه إنسان غير صادق , وإنما يعتاد على تأكيد عدم صدقه بأغلظ الأيمان , وحتى يستمر بالكذب ويعلو لهاوية الكذب أكثر واكثر يصبح حاله , إن صدقني الناس أو لم يصدقونني , فعلي أن أمارس مهنة انتحلتها وربما ورثتها , أو قد تعلمتها , وعلى الابداع فيها ., وعندي شهداء زور يروجونها ويقسموا على صحتها .
كان المسئول أو المدير أو الاعلامي أو الصحفي , ينقل الأخبار عن الرئيس , فيكذب ولا يجد من يفضحه , التقنيات الحديثة , ووجود الكمرة الرقمية مع غالبية الناس , وتوفر وسائل العرض , جعل الوقائع مرهونة بهذه الصور والأفلام وفوق كل ذلك , لايبالون بالحقيقة , بفبركة الحقيقة بكذب يعلو بعضه فوق بعض .الرؤساء تكذب , ويتبعه الوزراء والقادة والقضاة والصحف والاعلام والمجتمع , حتى بقي الحال , لايمكنك الوصول لأي هدف أو حاجة إلا عن طريق الكذب والحيلة .
في ثورات الربيع العربي , يمكن إنشاء موسوعة كبيرة تحتاج لمجلدات كثيرة , مأخوذة عن الرؤساء والحكام ومن والاهم , تخلو من الصدق تماماً , ولا يحتاج العقل لمزيد من المقارنة حتى يحكم عليها بأنها كذبة كبرى , فعلى سبيل المثال لاالحصر , حسني مبارك في خطابه وقبل إسقاطه قال : لم أكن أسعى للسلطة في يوم من الأيام , ولم كنت أنوي الترشح مرة أخرى , وعلى نفس المنوال بقية الحكام , وهاهو بشار الأسد يقول سأبقى في الحكم مازال الشعب يريدني , وسأترك الحكم عندما الشعب لايريدني , بينما أنهارٌ من الدماء جرت وتجري من الشعب السوري , لقاء تخليه عن الحكم وهو متمسك فيه .
وليد المعلم عرض فيلماً ادعى فيه أنه يتحدث عن جرائم ارتكبت في سورية على يد العصابات الارهابية , وظهر جلياً أن الحادثة قديمة وليست في سوريا , وهو يصر على كذبه هو وشهداء الزور .
الدابي رئيس لجنة المفتشين العرب في سورية , يقول عن المناطق المنكوبة أنها سليمة وغير منكوبة , ويغير شهادة أحد المراقبين عندما تحدث وعلى الهواء , بوجود قناصة تابعين للجيش السوري , ويؤكد ذلك , ولكن رئيسه يقول (لقد أراد بقوله هذا احتمال أن يكون هناك قناصة ) , ثم يشوه الحقيقة التي نقلها عضو اللجنة أنور مالك , ويقول أنه لم يزر حمص مطلقاً , بينما يوجد أفلاماً عرضت , والدابي وأنور مالك في حمص ومع المتظاهرين .
ولو سألت أمين الجامعة العربية مستفهماً , كيف يكون الدابي أميناً في نقل الحقائق , بينما تظهر الصور والأفلام , وكلام أعضاء اللجنة المخالف لتصريحاته , وتكذيبه لبعضهم واضحاً , في أنهم يقولون الصدق وهو يقول عكسه ؟
سيجيبك بأنه إنسان يعمل بمهنية عالية
هي لجنة لنقل الحقائق ورئيسها لايتمتع بالمصداقية , وظهر كذبه للعالم أجمع , ومع ذلك الجامعة العربية تمدحه وتصفه بالمهنية الجيدة , والكل يعلم المثل القائل (إذا كان رب البيت في الطبل ضارباً , فما على الساكنين إلا الرقص )
فرئيس اللجنة الدابي لنقل الحقيقة يكذب بصورة علنية ولا يستحي من كذبه , وأمين الجامعة العربية يمدحه على كذبه والسؤال هنا :
فأي حقيقة ستنقل بعدها ؟
كان الأولى أن تسمى بعثة تدريبية للجامعة العربية على فنون الكذب الذي تفوق فيها النظام السوري على أقرانه , فلو كان هناك الخشية من محاسبة الكاذب , لنقلت الحقيقة كما هي , بينما الكل صنعته الكذب ويفتخر بنفسه عندما يفتضح كذبه , ليكون له ذلك دافعاً ليصعد فيه على حساب الصدق .
فلن يكون أمامنا طرقاً سالكة , وسيبقى الأفق أمامنا غير واضح , والصعود إلى الهاوية مستمراً , حتى نحصل على ثقافة جديدة مفادها : (الصدق في التعامل , الصدق مع النفس والصدق مع الآخرين , ومن يشذ عن ذلك فيجب محاسبته حساباً يوازي شذوذه , عندها نرى المسالك واضحة أمامنا وضوح الشمس في قبة السماء ).