دولة الدين والسياسة
عبده مصطفى دسوقي
باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث
[email protected]
لقد تزايدت نغمة الدين والسياسة بعد اندلاع ثورة 25 يناير، ما بين معارض ومؤيد للازدواج بينهما، فالبعض يرى أن الدين يجب أن يبعد عن العمل السياسي ولا يقحم فيه بأية لون من الألوان، والبعض الذي دخل عالم السياسة حديثا خلط ما بين السياسة العامة والأمور الفقهية وأصبح يٌنزل كل عمل سياسي على انه حكم فقهي يجب عدم مخالفته، والالتزام به وإلا نال الإنسان غضب المولى عز وجل إذا خالف هذه الأمور.
لقد تبارى كل فريق يسوق الحجة تلو الأخرى والتي تعضد من موقفه وكأننا في نزال سياسي لا ينتهي، وكأن السياسة ساحة حرب لابد أن ينتصر فيها طرف على الأخر.
لم يدرك كلا الطرفين أن السياسة ما هي إلا قواسم مشتركة بين كل أطياف المجتمع لإصلاح المجتمع والرقي به، والتصدي لمحاولات تفكيك الوطن، أو إثارة الفتن فيه.
إن هذه القواسم التي تجمع بين أبنا ء الوطن الواحد لا تعطي حق لواحد على حساب الآخر ولا فضل لأحد على احد، بل أن هذه القواسم أيضا حددها الشرع الحنيف، حيث القاعدة العريضة التي ساقها القرآن الكريم في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] [الحجرات:13].
فالقاعدة أن الكل سواء في الحقوق والواجبات سواءً بسواء، بل الكل يرجع إلى آدم، وآدم خلق من تراب. فلا وجه للتفاخر والتفاضل في الأنساب؛ لأن هناك وجه ارتباط بين هذا الخطاب في هذه الآية الكريمة وبين ما قبلها، فإنه سبحانه وتعالى بعدما نهى عن الغيبة وعن احتقار الناس بعضهم لبعض وسخرية بعضهم من بعض، نبه على أنه لا يسوغ لأحد أن يحتقر أخاه أو أن يسخر منه؛ لأنهم متساوون جميعاً في البشرية.
ومن هذا المنطلق فالوطن بما فيه من دين وسياسة واقتصاد ومقومات ليس حكرا على احد دون الآخرين، أو على فئة دون أخرى، ولكل واحد حقوقه وواجباته نحو هذا الوطن.
همسة لكل إسلامي
لقد قٌسم وطننا ما بين مسلم ومسيحي، وما بين إسلامي وعلماني، وما بين يساري وصوفي، وهذه التقسيمات أتت على مصلحة الوطن بما لا يفيده، ليس في كون التقسيمات لكن بما يقوم به كل قسم.
فهذه التقسيمات موجودة في كل مكان في العالم، وجميعهم لديهم قواسم مشتركة لنهضة وطنهم، لكن الواضح والظاهر أن كل قسم في مصر يعمل لصالحة الشخصي –اللهم إلا ما رحم ربي- غير أن حالة الاستقطاب التي سيطرت على وطننا تركته هاشا لا يستطيع أن يتعافى في ظل الضربات الموجهة له من الخارج والداخل.
فالإسلاميين استطاعوا أن يفوزوا بأغلبية كاسحة في البرلمان لكن هذا ليس معناه أن البلاد أصبحت بلادهم، وأن مقومات الوطن أصبحت ملكا لهم، وأن ما دونهم ليس لهم حق الكلام أو العيش وفق معتقداتهم أو أفكارهم، فالوطن متسع لكل هؤلاء لكن إذا تفهم الجميع وجه نظر الآخر.
أقول للإسلاميين انتم فصيل وطني من هذا الوطن لكم حقوق وعليكم واجبات ومن ثم ما دومت تعملون بالسياسة فلابد أن تفهموا السياسة بمعناها الشامل والواسع، وليس السياسة كحكم فقهي لابد أن يلتزم به الجميع.
لم يفرق الدين الإسلامي بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني ولا اقتصادي، لكن يفرق في إسقاط الأحكام حسب طبيعة الحكم ووقته وظروفه.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان سياسيا فأرسل الرسل للبلاد المجاورة يدعوهم للدين الإسلامي، كما كان اقتصاديا فسن القاعدة المشهورة في الاقتصاد (أنتم أعلم بشئون دنياكم) وكان عسكريا فخرج على رأس الجيش، كما كان نبيا مرسلا، ولقد أمرنا الله أن نتبع سيرة النبي في فهم الإسلام بشموله فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[الأحزاب: 21].
ومن ثم وجب أن نفهم كيفية أن نتعامل بديننا في غمار السياسة، فلا نفرض أحكام فقهية على أنها من السياسة، ولا نكفر أحد من اجل انه خالفنا في أمور سياسية، ولا نتهم من يتوافق معنا على انه خارج عن الدين وسيحل عليه عقاب الله...لابد أن يتسع صدرنا لتفهم القواسم المشتركة بين الدين والسياسة فلا نقحم كل الأمور الدينية في السياسة بحجة انه الدين..لكن يوجد قواسم مشتركة لابد أن نتفهما ونعيش بها فيما بيننا حتى يستطيع الجميع العيش في هذا الوطن فلا يظلم احد.
فحينما أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يحمل المسلمين على العمل بكتاب "الموطأ" رفض ذلك الإمام مالك وقال له: [إن أصحاب رسول الله تفرقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة]. وهذا يدل على وجود الاختلاف والذي لابد منه ومن ثم لابد من قبول اختلاف وجهات النظر.
وحينما مرّ ابن تيمية على قوم من التتار سكارى، فأنكر عليهم البعض، ولم ينكر الشيخ عليهم لعمق فقهه فقال: [دعوهم في سكرهم وشربهم، فإنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم عن سفك الدماء ونهب الأموال].
إن الفتوى تتغير بتغيير الزمان والمكان فلا يصح أن اسقط فتوى حدثت في مكان ولها ظروف معينة على موقف أو شخص في هذا الزمان دون الرجوع لفقه الواقع.
فلقد كان للإمام الشافعي مذهبه في العراق، فحينما سافر إلى مصر ووجد اختلاف فهم الشعب المصري للدين عن شقيقة في العراق أوجد مذهبا أخر يلاءم طبيعة وظروف وواقع هذا الشعب، وكان حاضرا في زمانه الإمام أحمد ابن حنبل فما أنكر عليه ذلك أو لمزه أو غمزه أو هاجمه، لأنها شيمه العلماء الذين يعرفون دينهم بشموله ولم يقصروه على أجزاء من الدين ظانين بأن هذا هو كل الدين.
وكان دائما ما يقول: رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب)، وما لمز أو غمز موقف أبو حنيفة أو مالك أو حنبل في قضية اختلفوا فيها، ولذا سادوا بخلقهم وحسن فهمهم للأمور.
همسه في أذن القوى السياسية
الدولة دين ودولة لا فرق بينهما وليس في الإسلام ما يسمى بنظرية الدين لله والوطن للجميع، فالدين نظم كل شئون الحياة ورسخ المعاني والأحكام في كل الأمور فلا تفرضوا علينا نظريات أنتم أمنتم بها دون غيركم، نظريات أتت لنا من الغرب في حين أن الغرب الآن تطور في فكره فمثلا اليساريين تخلوا عن المعاني الجامدة في الفكر اليساري وتطوروا وتقبلوا الآخر وذلك كله من اجل رقى وطنهم، ومع ما يحدث للغرب من اهتزازات قوية سواء في السياسة او الاقتصاد وغيرها إلا انه ما زال متماسك بعض الشئ وذلك بقوة الدافع الموجودة في نفوس التيارات والقوى المختلفة بل والشعب كله، فكل واحد ينظر لمصلحة وتقدم وطنه قبل أن يبحث عن الصدام أو النيل من غريمه، فنرى في أمريكا التنافس الشديد بين الجمهوريين والديمقراطيين في الانتخابات وفي الحكم وفي المعارضة والاختلافات قوية بينهم لكنهم يتفقوا على شئ واحد هو التوحد من اجل مصلحة البلاد وتقدمها، ولنقيس ذلك على بريطانيا وألمانيا وفرنسا حتى في البلد التي فجرت الربيع العربي (تونس) نجح الإسلاميين وتقلدوا الحكم فسارع الجميع لمد يد العون لهم للنهضة ببلدهم، وجاء على رأس البلاد يساري تفهم معنى المواطنة الحقة وضرب أفضل نموذج ليساري متشدد يتفهم الإسلاميين للنهوض بالبلاد من بعد كبوة ظلت تحت حكم الطغيان سنين عددا.
لكننا كل يوم نسمع مثلا القوى السياسية تعكف على عمل دستور يتصدى لدستور الإخوان، القوى السياسية لن تتحالف مع القوى الإسلامية مهما حدث، القوى السياسية غير راضية عن نتائج الانتخابات، القوي السياسية...القوي السياسية..فحتى متى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كلمة أخيرة
لقد دخل الإسلام عام 21هـ واستقبله أقباط مصر (حتى ولو لم يكونوا راضين عنه) إلا أنهم قبلوا وتعايشوا معه من اجل الوطن، وحينما اشتكى قبطي أمير مصر عمر بن العاص لعمر بن الخطاب في مظلمة لم يفرق بن الخطاب بينهما فالكل سواء، ومن ثم تقدمت البلاد في العصور الأولى من الإسلام رغم الاختلافات الجوهرية في الثقافة فمنها العربي والروماني والقبطي والفارسي والهندي والصيني وغيرها لكن الكل اتحد على نهضة الوطن ومن ثم عاشوا أزهى عصورهم..فمتى نرى التخلي عن شخصنه القضايا ونرفع مصالح الوطن فوق الجميع، وما الهدف مثلا مما يقال من بعض القوى سنمنع نواب البرلمان من دخوله مثلما منعنا الجنزوري فأين إذا مصلحة الوطن فيما يحدث ويقال..ومتى التوحد وتقبل الأخر..متى ..متى؟.