إعادة تقويم لجهود الجامعة
إعادة تقويم لجهود الجامعة:
هدفها تجديد شرعية النظام عربيا وحمايته دوليا
محمد خليفة
[email protected]
لا بد لنا أن نعمل وبسرعة لإعادة تقويم ليس وضع مهمة المراقبين العرب في سوريا تصحيحا وتصويبا فقط , بل بإعادة تقويم مجمل دور الجامعة في سوريا , وأن نتخذ موقفا حاسما منه , بالتبرؤ من مهمة مراقبيها , ومن أهدافها , أقله لأن هذه الأهداف لا تتفق مع مصلحتنا كشعب وثورة ومعارضة وطنية , قبل أن نقول إنها أهداف مشبوهة ... هذه المهمة التي نعتقد أنها انحرفت عن فكرتها الأصلية التي أعلنت عندما صيغت
المبادرة العربية قي اكتوبر - ت 1 - 2011 الماضي , وخدعتنا , أو خدعنا أنفسنا بها .
المؤتمر الصحافي للسيد نبيل العربي يوم الاثنين مؤتمر سيء بكل المعايير , يتضمن مؤشرات واضحة على انحراف الجامعة عن المبادرة أولا , وعن تغير طبيعة المهمة ثانيا . تلخصت رسالة امين عام الجامعة في مؤتمره القصير بإعطاء صورة انطباعية غير صحيحة عما جرى ويجري على الأرض في سوريا , صورة دعائية وليست تقريرية محايدة , وخاصة بإعلانه الجازم إن السلطات السورية سحبت قواتها العسكرية من داخل المدن , وهذا
غير صحيح البتة , لأن ما حدث هو تحريك الاليات من مكان لأخر , أي "إعادة انتشار" بحسب التعابير العسكرية فقط , وتخفيف معدل إطلاق النار في بعض الأماكن لضرورات التكيف مع المهمة , وهذا غير ما رسمه الامين العام من لوحة مشرقة عما جرى , بما يخدم النظام السوري خدمة كبيرة . وقد تعززت هذه اللوحة المزيفة بإعلانه عن إطلاق السلطات السورية سراح 3485 معنقلا .. هكذا اعلانا مجردا دون التأكد من صحة ودقة الرقم من أي مصدر أخر , إذ تبين بوضوح أن الأمين العام يتبنى المزاعم التي نقلها له النظام
السوري بمعزل عن أي تأكيدات من المعارضة أو تنسيقيات الثورة , أو منظمات حقوقية محلية , عدا أنه كان يجب ذكر العدد مقرونا بالعدد الإجمالي للمعتقلين والمفقودين , لكي يلحظ المتلقي , وخاصة غير السوري , مدى ضألة عدد المفرج عنهم بالنسبة لعدد المعتقلين الكلي الذي يفوق الخمسين ألف , تعهد النظام بالإفراج عنهم بموجب المبادرة , وكان يجب ذكر الرقم بحذر وحيادية , منسوبا لمصدره غير الموثوق أبدا بل المعروف بأكاذيبه دائما . وكان يجب أن تكون للأمين العام ألية مهنية تنظيمية للتواصل مع الأطراف
الأخرى , المعارضة وقوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني , ليعرض عليها تقارير ومزاعم السلطة قبل إعلانها مغلفة بشعار الجامعة وإكسابها مصداقية لا تستحقها .
بعثة المراقبين تقوم بمهمتها حسب رأي نبيل العربي على أكمل وجه , وهو غير صحيح أيضا خصوصا وأن عددها قليل إلى الحد الذي يجعلها عاجزة ومحدودة القدرة , وهناك تفاصيل كثيرة تكتنف عمل هذه البعثة تولد شكوكا قوية وكثيرة مشروعة بها وبأهليتها وبالنتائج المنتظرة منها . ويكفي أن نرى ونعلم انها تتحرك بتنسيق تام مع السلطات الامنية للنظام . والبعثة لم تزر إلا بعض المواقع في حمص وحماة وادلب ودرعا ودمشق
وهي بمجملها زيارات قصيرة أو خاطفة , ولا تكفي لمعرفة كل عناصر الوضع على الارض , ولم تلتقي إلا بعدد قليل جدا من الناشطين والمواطنين والمعارضين , وقد اتضح أنه ليس لديها خطة عمل منهجية للتواصل مع كافة الأطراف , وإنما تعمل بموجب مبادرات وخطط فورية وسريعة ومنفصلة عن بعضها بعضا ... إلخ .. إلخ .. وهناك عشرات من الملاحظات يمكن المتابعة في تعدادها مما ظهر خلال الأسبوع الاول من عمل المهمة , مما يستدعي لا إعادة تقييم أداء البعثة فقط , ولكن مسار المهمة بمجملها أولا , ومصير المبادرة
العربية , التي انفصلت عن مهمة البعثة , وتوارت خلفها , بينما هي الأصل ثانيا .
كل هذه الملاحظات متداولة بين المحللين والمراقبين في كل مناسبة , وجميعها موضوعي ومشروع ومهم , لأننا لا نقبل ولا يجب أن نغرق في التفاصيل , ولا بد من التركيز على الأصل والإطار العام , وهو المبادرة العربية , التي كانت تستهدف خلع الشرعية عن النظام , وإجباره فورا على وقف سياسة الخيار الأمني , أي التوقف عن القتل والإجرام واستخدام الجيش والكلاب المتوحشة من عناصر الامن والشبيحة في ارتكاب أبشع
الجرائم والممارسات اللاإنسانية ضد المواطنين بعامة , المحتجين وغير المحتجين بلا تمييز في القمع والاضطهاد والتنكيل .
المبادرة العربية ذات الطابع السياسي اختفت وتبخرت بقدرة قادر مجهول , وصار دور الجامعة مقتصرا على بعثة المراقبين , وصار هدف هذه إعداد تقرير وصفي عن الاوضاع في سوريا يرفع إلى الجامعة ومنها إلى مجلس وزراء الخارجية العرب , بعد شهر أو شهرين .
سير العملية على هذا النحو صار يخدم النظام مائة بالمائة , وليس خمسين أو سبعين أو تسعين بالمائة , لأنه وهذا هو الأهم من بين عشرات الأمور والأشياء التي يمكن قولها :
أوقفت كل حديث عن لا شرعية النظام , وضرورة التدخل الدولي السريع لوقف إراقة الدماء , وتوفير حماية دولية , وإيجاد مناطق أمنة , والعمل من خلال المؤسسات الدولية لنقل ملف الجرائم التي ارتكبت إلى المحكمة الجنائية الدولية , ونقلت بالمقابل الاهتمام إلى أجندة مختلفة هدفها الواضخ بلا لبس معالجة ما يسمونه ب "الأزمة السورية" في إطار المحافظة على النظام وتسوية المطالب الشعبية ببعض الاصلاحات عبر
حوار تشرف عليه الجامعة لاحقا بين النظام والمعارضة .
مكاسب النظام حتى الان كبيرة من دور الجامعة في الأسابيع الاخيرة . وفرت له مظلة حماية دولية , ووضعت حدا للجهود الدولية لنزع شرعيتة , ومعاقبة مسؤوليه عما اقترفته أيديهم من جرائم لا يجوز بأي حال السكوت عنها , وكذلك وهو الاهم إجبار النظام على تسليم السلطة للشعب وتوفير المناخ الوطني لأن يختار الشعب السوري سلطة سياسية جديدة , ونظاما ديمقراطيا
.
الجهود التي تقوم بها الجامعة الان ستؤدي إلى شيء أخر مختلف تماما عما كان يريده الشعب السوري , هو إعادة تجديد شرعية النظام السوري الحالي , بعد موافقته على إجراء تحسينات هيكلية على مؤسساته وبنيته , وإعطاء دور ما للمعارضة داخل النظام بصيغته الجديدة .
هذا الهدف ينسجم تماما مع طبيعة الجامعة كمؤسسة تمثل الأنطمة ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء , وينسجم مع طبيعة الانظمة التي صاغت المبادرة وتتولى الإشراف على تطبيقها . ولا يجب أن نتوقع من الجامعة والانظمة أكثر من هذا , ويتضح الان لكل خبير مدى حرص الأنطمة العربية , أو معظمها على بقاء نظام بشار الأسد بشرط تحسين صيغته وسلوكه نسبيا .
ما تقوم به الجامعة هو ليس الحرص على سوريا , كما يكرر المسؤولون فيها , بل هو الحرص على النظام أولا , ومنع أي تدخل خارجي ينهي حكمه ثانيا بدعاوى رقض التدخل الخارجي .
يجب علينا أنعترف بهذه الحقيقة , بلا لبس , بصرف النظر عن الموقف منها , وهذا الذي يجري الأن في سوريا من جانب الجامعة وبعثتها هو معالجة تجميلية ودفع للأمور بين النظام والمعارضة للوصول إلى تسوية ما على حساب الشعب السوري وقوى الثورة والمحتجين والمتظاهرين الذين يريدون تغييرا جذريا واسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه .
هناك مؤامرة خبيثة وماكرة , تتنكر بثياب الجامعة العربية . نعم أقول بالفم الملأن "مؤامرة ذكية" لإنفاذ رأس بشار الاسد ونظامه , بالتواطؤ والاشتراك الجنائي مع المعارضة السورية أو شطر منها على حساب أرواح الشهداء وتضحيات المعتقلين والثوار الذين ما زالوا يقاتلون في الشارع ويتحملون الأكلاف الباهظة للمواجهة اليومية المستمرة مع نظام الاختلال والاغتصاب والإفساد والإجرام الذي لا مثيل له في هذا
العصر , والذي أجمع شعبنا على التخلص منه , لأنه يدرك بوعي وعمق أنه إن لم نتمكن اليوم من إسقاطه وقبلنا استمراره , فلن تتوفر لنا فرصة موضوعية أخرى لعشرات السنين , وسيكون بمثابة كارثة حقيقية علينا جميعا بكل المعايير .
ما يجري يثبت مرة أخرى أن شعبنا بقواه الثورية الحية متفوق على معارضته , ومتقدم عليها , وأكثر ثورية وحسما وقوة من هذه المعارضة التي تفضح هزالها وخواءها وقصورها الاستراتيجي , وستكون لنا عودة لهذا الأمر بالذات غدا .
أتوجه لشعبنا وقواه الشريفة والثورية إلى عدم النعاطي مع دور الجامعة وجهودها غير المشكورة ومهمة مراقبيها بطريقة مجتزأة ولا تفاصيلية , بل بموقف كلي , يرفضها رفضا فاطعا جملة وتفصيلا , ما لم تعلن الجامعة وتلتزم سلفا أن هدفها نقل السلطة من الطغمة إلى الشعب , ونزع الشرعية عن النظام الإجرامي الحالي , بكل وضوح . ولا بد أن نتفق على أنه بدون هذا الالتزام يصبح كل ما تقوم به الجامعة مرفوضا ,
ونتعامل معه على هذا الأساس .
ألا هل بلغت ؟... اللهم فاشهد .