حتى يفهم البعض
حقائق للتاريخ
علي حسن إبراهيم
تخرج علينا في هذه الآونة دعوات خطيرة من شخصيات عامة ومسؤولين في مراكز الدولة يمارسون فيها الكذب ويطلقون إفتراءات لا تمت للواقع بصلة وما آخرها بيان رئيس حزب الشرق الذي حمل في طياته جهلاً واضحاً في التاريخ والحضارة والقواعد التاريخية التي سارت عليها أحداث دخول الإسلام لبلاد الشام والتي لن يخرج منها حتى قيام الساعة، وسنفنّد كل فرية على حدة لنبيّن للقراء الأعزاء فساد هذا الرأي ومن خلفه من الطائفيين الحاقدين الذين ما برحوا يتهموننا بكل فارغ في الشكل والمضمون وهم الآن يستخدمون الدجل ليبرروا ذلك الحقد الذي خرج على ألسنتهم وما تخفي صدورهم أعظم.
١- كنائس طرابلس أصبحت مساجد يرد عليها بأن أماكن إقامة أحدها كان مكانه معبدا رومانيا والمدينة الرومانية قد اندثرت بعيد الفتح الإسلامي بعد أن هجرها سكانها والمدينة الصليبية كانت قائمة في الميناء اليوم، وقد أمر السلطان المنصور قلاوون وولده الخليل بعد تحرير طرابلس في ٢٦ نيسان ١٢٨٩ م بهدمها وبنيت المدينة في مكانها اليوم بعيدة عن القدينة حوالي ٣ أميال واستعمل حجارة تلك الصليبية في بناء المدينة الحالية فهل استخدام بعض الحجارة والأعمدة دليل أن المساجد كانت كنائس؟؟؟
ثانياً بناء مسجد الأمير طينال جرى في العصر المملوكي بعد تحرير المدينة بزمن في موقع كان خارج المدينة قريباً من أحد أبوابها كما ذكر ذلك عدد من الرحالة كالشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله .
ثالثاً النسق المعماري الإسلامي عامة والمملوكي خاصةً في كل مساجد طرابلس لا يمت بصلة للأنماط المعمارية لبناء الكنائس السائدة في تلك الحقبة وعلى الأخص مساجد طرابلس الأساسية طينال والكبير و التوبة وغيره، تجدر الإشارة إلى تحويل كثير من المدارس الإسلامية لمساجد بعد استحداث المدارس على النسق الحديث كالبرطاسي والطويشية وغيرها وتختلف بحجمها وبنائها باختلاف أهميتها وبانيها...
٢- أي شخص لديه أقل دراية في تاريخ الحضارة يعرف أن الحضارات سلسلة متكاملة فهل استخدام فنون معينة هو حكر لحضارة ما، فمن اكتشف النار وشحذ أول سيف وصنع أول دولاب؟؟!!
وهل هي براءة اختراع يتناولها من شاء في سياق دعائي يفتقر للعلمية والموضوعية..
والقبة مثلاً هي شكل معماري موجود في بلاد الشام والعراق منذ أكثر من أربعة آلاف عام فهل سرقها المسيحيون منهم؟!!
وقد استخدمها المسلمون وطوروها وأدخلوا عليها عناصر فنية بديعة من النقش والزخارف النباتية والخط ويوجد أشكال متنوعة من القباب قد استخدمها المعمار المسلم من الهند حتى الأندلس.
٣- القول باحتلال المسلمين لبلاد الشام كلام فارغ المضمون فالذي يتابع معارك المسلمين الفاصلة واستقبال السكان لهم بعد سنين من الغبن والضنك الذي عاشوه تحت سلطة الرومان، ومعاملة المسلمين لسكان البلاد المفتوحة يرى عجباً وما قصة أهل حمص مع أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ومثيلتها في الشرق في قصة سمرقند مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلا نموذج لذلك .
وأي احتلال يحول السكان للإسلام طواعيةً حتى تحول ساحل بلاد الشام إسلاميا صرفا ومدنها الكبرى كذلك...
والاستشهاد بكلام الإمام الواقدي في غير محله فالنص يذكر دخول المسلمين لكل بلاد الشام ولم يتكلم عن قتل أو تدمير كما زعم، وفي المقابل جرائم أجداده الصليبيين الذين أبادوا المسلمين إبادة وقتلوا بعيد احتلالهم القدس وفي حرم المسجد الأقصى أكثر من ٧٠ ألفاً من المسلمين الذين احتموا في بيت الله ثم توجهوا لكنيسة القيامة وهم مغمسون بدماء الأبرياء قرباناً على زعمهم للرب، ودخولهم لطرابلس التي أحرقوا مكتبتها التي كانت من أنفس مكتبات العالم وكانت تحتوي على 3 ملايين مخطوط، وقد وصفها المؤرخ البريطاني الكبير «ستيفان رنسيهان» بأنها كانت أغنى مكتبة في الدنيا، وهي تفوق مكتبات الخلفاء في بغداد والقاهرة وقرطبة مجتمعة، فدمروا موجوداتها وصنعوا من جلود الأغلفة أحذية لهم، فمن الذي قتل وخرّب ودنس ...
٤- والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حماه مسيحي، فهو وهم بل بعض صحابة رسول الله وهو حق لا ننكره وقد أسلم نجاشي الحبشة عندما عرضوا عليه ما يقول القرآن عن الطاهرة مريم عليها السلام وصلى عليه رسول الله صلاة الغائب، ولكن السياق المستفز للكلام فيه تهجم على أعظم مقدساتنا وقائد أمتنا ويعرض قائله للمسائلة والمحاسبة القانونية..
٥- وقد أضحكني بشدة مقولته "أن كل ما في الحضارة العربية من جمال ،مأخوذ من إنجازات المسيحيين الحضارية" ، ولعمري هو الجهل بذاته لا تقوم الحضارة إلا بمقومات داخلية والتي كانت موجودة وبكثرة في الحضارة الإسلامية نعم استفادت من سابقاتها من كل الحضارات الإنسانية قاطبة من الفرس والروم والسريان واليونان وغيرهم وأخذوا منهم كل ما هو مفيد وجليل ولكن المسلمين لم يكتفوا بما أخذوه بل قاموا بتطوير هذه العلوم والزيادة عليها من خلال البحث والتحليل والمعاينة وأبدعوا في كل مجال من العمارة والفن والعلوم والعقلية والتجريبية.
فالقيام بمقارنة بسيطة بين أي علم من العلوم التي استقاه المسلمون ممن سبقهم والمرحلة التي أوصلوه لها نجد بوناً شاسعاً ونقلة نوعية لا يمكن التغاضي عنها، كما ابتكر علماء المسلمين علوما جديدة منها:
- الكيمياء - وهي كلمة عربية الاشتقاق- انتشله علماؤنا من الكهانة والشعوذة وأصبح قائما على التجربة والتفاعل واضعين أهم النظريات الكيميائية حتى يومنا هذا وأشهر من اعتنى به وصقله جابر بن حيان وأبو عبد الله الخوارزمي رحمهم الله.
- الصيدلة والتي أصبحت علماً قائما بذاته له مدارسه وخبراؤه وأصبحت المستشفيات المسلمة -البيمارستان- فيها صيدليات مجهزة بكافة الأدوية عدا عن تلك التي ترافق الجيوش، وقد جربت النباتات تجريبا دقيقا لمعرفة نواحي الاستطباب من استعمالها ومن أبرز الصيادلة المسلمين الزهراوي رحمه الله.
- علم الجبر: أسسه محمد بن موسى الخوارزمي وتبعه علماء عظام كابن الهيثم والخيام وقد حل هذا العلم المشكلات الحسابية خصوصا في التعامل التجاري مع الدول الأخرى، كما دخل في احتساب مساحة المناطق والأراضي والمدن ...
ووضعوا أسس علم الاجتماع على يد ابن خلدون المؤرخ الفذّ ولهم بصمات هامة في الملاحة البحرية واختراع الأجهزة التي تساعد على الاستدلال بالمواقع كالاسطرلاب الذي اخترعته العالمة المسلمة مريم الاسطرلابية وعلمي الفلك والجغرافية وخرائط الإدريسي الدقيقة في زمن لا يوجد فيه أي أجهزة تصوير ورصد وأقمار صناعية أكبر دليل على ذلك، وأدعو هذا الجاهل للاطلاع على كتاب "ألف اختراع واختراع" وهو نذر بسيط من سيل الاختراعات الإسلامية التي أبدعتها العقول المؤمنة في أكثر عصور العالم نورانية وألقا...
كل ما سبق عدا العلوم الشرعية التي لا توجد في أي ديانة أخرى وما يتبعها من علوم الرجال والأنساب التي تعتبر خاصية بأمة الإسلام..
وقد حافظ المسلمون على نقائهم الذي نقلوه معهم من الصحراء وقدّروا بسبب ذلك المياه فزينوا بها منازلهم عبر البرك والنوافير بديعة الجمال وابتكروا أنظمة الري التي ما زالت تسختدم في الكثير من مدن اسبانيا - الأندلس - حتى يومنا هذا.
٦- وعن كون البلاد مسيحية فقد كانت فارسية وفينيقية حينا وكنعانية... بلاد دخلها الكثير من الأقوام والغزاة والفاتحين فهلم بكل قوم ليطالبوا بهذه البلاد لأنهم سكنوها حينا، وهل إدعاء تبعية هذه المناطق لفئة ما هي دعوة لعودتهم وما يتبع ذلك من مشاكل طائفية وإثنية لا يحمد عقباها...
هذه بعض الردود على طرح الفتنة التي ادعاها أحد الطائفين الجدد الذي استعمل فيها الكذب الظاهر والسطحية الفجة وعلى إفك صدر من قلب حاقد وعقل مريض وفهم قاصر عن الحق وتزوير للواقع والتاريخ...