مؤتمر أربيل والبحث عن قيادة سنّية مؤثّرة
د. خالد عليوي العرداوي
مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
في يوم الخميس الموافق 18/ كانون الأول/2014، عقد في أربيل-عاصمة إقليم كردستان العراق - مؤتمرا يمثل طيفا من السنة العرب العراقيين برعاية أمريكية. وقد كان الاختلاف حول تسمية المؤتمر هل هو (مؤتمر السنة العرب لمكافحة الإرهاب والتطرف) أم (المؤتمر العربي لمكافحة الإرهاب والتطرف) أم (مؤتمر مكافحة الإرهاب والتطرف)، مؤشرا واضحا على الاختلاف السياسي داخل الوسط السني العراقي، فقد غابت عن المؤتمر شخصيات وكيانات عراقية سنية مهمة، من مثل: رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري وكتلته ديالى هويتنا، ونائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك وكتلته العراقية العربية، ومجلس شيوخ العراق، وائتلاف النهضة التنظيم المهم في محافظة الموصل، فضلا عن غياب جميع الوزراء السنة في الحكومة العراقية باستثناء وزيرين.
وكان الجهد المؤثر في انعقاد المؤتمر يتزعمه السيد أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية، ورافع العيساوي، وكتلة الحلّ بزعامة جمال الكربولي. وانتهى المؤتمر ببيان ختامي طالب بعدم ربط تنظيم داعش الإرهابي بالسنة العراقيين؛ لأنه يشوه صورتهم، وركز على ضرورة توحيد الوسط السني لمجابهة الأخطار والتحديات بالاعتماد على إمكاناته الذاتية في إشارة واضحة إلى رفض تدخل تشكيلات الحشد الشعبي للقيام بدور فاعل في تحرير المناطق السنية المحتلة من قبل داعش، ومطالبة حكومة العبادي بتنفيذ التزاماتها في تحقيق مطالب المكون السني التي تم الاتفاق عليها عند تشكيل الحكومة، وتشكيل لجان ثلاث لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، هي (لجنة التنسيق والمتابعة، ولجنة العلاقات، ولجنة النازحين). وهناك كلام يدور حول احتمال عقد مؤتمر ثانٍ مكمل في العاصمة بغداد أو العاصمة الأردنية عمّان في وقت لاحق.
وواجه المؤتمر فور انتهاءه انتقادات عدة، فقد انتقده ائتلاف دولة القانون الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، بأنه مؤتمر ضمّ مثيري الفتن من السياسيين، وأن بيانه الختامي ينطوي على (تحدٍّ سافر للدستور وثوابت العملية السياسية)، وانتقدته أطراف عراقية سنية لم تحضر، بوصفه يمثل المحسوبين على الحكومة العراقية من السياسيين السنة الراغبين بتحقيق مكاسب شخصية.
يُذكر أن هذا الاختلاف والفرقة بين السياسيين والزعماء العشائريين والفصائل المسلحة للسنة العراقيين ليس جديدا، ففي وقت سابق من العام نفسه، وتحديدا في السادس عشر من تموز/2014، عقد مؤتمرا للسنة العراقيين في عمّان، وواجه أيضا انتقادات وغيابا لشخصيات سنية مهمة، وانتهى إلى نتائج غير ملموسة على أرض الواقع، مع تأكيد على عقد مؤتمر مكمل له في وقت لاحق من عام 2015.
يبدو من هذا الواقع السني السياسي، أن هذا المكون لم يحسم موقفه من قضايا مهمة تؤرّق بال قاعدته الشعبية، مثل: كيفية تحديد طبيعة الإدارة في المحافظات السنية؟، ورسم حدود العلاقة مع الحكومة الاتحادية؟، وموقف المكون السني من المكونات العراقية الأخرى في المناطق التي يتشاركون فيها الوجود الجغرافي كالشيعة والأكراد والتركمان وغيرهم؟، ومستوى وجودهم وتمثيلهم في العاصمة الاتحادية، أي بغداد؟، وموقفهم من القوى الإقليمية من مثل: إيران وتركيا والسعودية، وهل الأولوية في رسم ملامح العلاقة مع هذه القوى المصلحة العراقية أم المصلحة المذهبية أم المصلحة القومية؟.
ولعلّ السؤال المهم بين جميع هذه الأسئلة، هو من هي القيادة الشرعية المؤثرة في الوسط السني التي تستطيع التحاور مع الحكومة والشركاء السياسيين وتكون نتائج حواراتها مقبولة ونافذة في وسطها الشعبي؟، فالإجابة عن التساؤل الأخير ستحسم الكثير من الخلافات، وتقدّم إجابات معقولة لجميع الأسئلة المرتبطة بوجود السنة ودورهم في عراق اليوم والمستقبل؛ لأن سنة العراق تتقاذفهم رؤى مختلفة حول وجودهم في العراق، فمنهم من يطالب بتشكيل إقليم واحد يضم كل أبناء المكون، ومنهم من يدعو إلى تشكيل إقليم في كل محافظة من محافظاتهم، ومنهم من يرفض الأقاليم جملة وتفصيلا ويرفض الفدرلة في البلد ويصر على ضرورة إعادة النظر في العملية السياسية وإعادة كتابة الدستور العراقي النافذ.
لقد تحرر الشيعة والأكراد نوعا ما من ثقل موضوع القيادة، فالمرجعية الشيعية في النجف أثبتت أنها لاعب أساسي مؤثر يسمو على خلافات السياسيين، وقادر في -الوقت المناسب- على تحريك القاعدة الشعبية لتحقيق أغراض سياسية قد يصعب على السياسيين الشيعة تحقيقها. وكذلك الحال بالنسبة للأكراد، إذ لهم مرجعيتهم السياسية المقبولة والمؤثرة ممثلة بقيادة الحزبين الكرديين وشريكهما القوي حركة التغيير.
يشكل غياب القيادة الحقيقية المؤثرة في الوسط السني هاجسا مؤرّقا لقاعدته الشعبية المشتتة الولاء والهوية، والتي انعدم لديها أفق الحلّ السياسي الاستراتيجي في المستقبل القريب، وهذا الهاجس اليوم تنشغل به الإدارة الأمريكية الراغبة في إيجاد دور للسنة يحفظ وجودهم السياسي؛ من أجل منع امتداد النفوذ الإيراني لكل جغرافية العراق السياسية؛ لأن وجود سني عصي على النفوذ الإيراني يعني –حسب الاعتقاد الأمريكي- قطع الامتداد الجغرافي لمصالح إيران من طهران إلى دمشق وبقية المنطقة عبر العراق من جانب، ومن جانب آخر سيوفر الفرصة لشركاء واشنطن من العرب الناقمين ولاسيما السعودية؛ ليكون لهم موطئ قدم في العراق يوازن النفوذ الإيراني في هذا البلد. ومن خلال ذلك، يمكن أن تضمن واشنطن مصالحها في المنطقة من خلال خلق توازن مصالح يشلّ جميع الأطراف، ويمنع تفوّق أحدها على الآخر.
إن هذه الرغبة الأمريكية الواضحة لإيجاد قيادة سنية مؤثرة، لا تتعارض مع حاجة حكومة العبادي إلى مثل هذه القيادة، بل ومسؤولية حكومة بغداد في التحوّل من مرحلة تمزيق الوسط السني لتجاوز ضغوطه إلى مرحلة العمل على توحيده خلف قيادة تحظى بالرضا الشعبي والجرأة على اتخاذ المواقف الحاسمة، إذ لا يمكن لرئيس الوزراء العراقي أن يكون طرفا في اتفاقات مع أطراف سنية تنقضها أطراف سنية أخرى، فلا تتعدى الاتفاقات حدود الورق والإعلام. فوجود قيادة سنية قوية سيسمح لحكومة بغداد الجديدة، وهي حكومة يظهر من مواقفها منذ تشكيلها أنها استوعبت أخطاء حكومة المالكي، وتعمل على تصفير أزماتها، بالتوصّل إلى اتفاقات حقيقية ترضي الشركاء، وتربطهم ببلدهم من خلال وحدة المصالح، أكثر من قوة السلطة ومركزيتها.
كما أن وجود عراق متماسك داخليا، وقوي في ديمقراطية نظامه الحاكم، وعلاقاته الإقليمية والدولية، ويمتلك القدرة على رسم حدود مصالحه مع جيرانه من منطلق الشراكة لا التبعية، سيسهم إلى حدٍّ بعيد في إعادة حسابات كلّ الأطراف الإقليمية، ويضبط إيقاع صراعها الباحث عن النفوذ في مناطق جوارها الهشة، ذلك الصراع الذي قوّض أمنها وزاد من سطوة التطرّف والإرهاب بشكله الأعمى البربري الذي هدّد السلم والأمن الدوليين.
إن مساعدة السنة العراقيين في إيجاد قيادتهم المؤثرة ذات المنهج المعتدل في تبني حلول واقعية لوسطها الاجتماعي، ودولتها، يمثل مسؤولية وتحدي يقع على عاتق الجميع من القيادات السنية المتصارعة في الوقت الحاضر والتي أخذت تفقد شعبيتها بشكل متواصل أمام زحف داعش وغيرها من قوى الإرهاب على مناطق نفوذها السياسي إلى الحكومة العراقية الراغبة في امتلاك زمام المبادرة في الإصلاح والنهوض بدورها المطلوب إلى القوى الإقليمية والدولية، فقد اخطأ المراهنون على سيناريو الصراع لتحقيق مصالحهم في الشرق الأوسط؛ لأن الأحداث الأخيرة أثبتت أن هذا السيناريو يمكن أن يخرج عن السيطرة ويرتد بشكل وخيم على مروجيه والخاضعين إلى تأثيره، والحل الصحيح لمعضلة السنة خصوصا، والعراق بشكل عام، تبدأ من إدراك الجميع في داخل العراق وخارجه أن بناء مصالح حقيقية دائمة لا ينفصل عن توفير ضمانات متينة لحفظ السلم والأمن الدوليين، وهذه الضمانات لا يمكن توفيرها بدون وجود قيادات حقيقية مؤثرة تستطيع تحمل المسؤولية ومواجهة استحقاقات المرحلة.