الانتخابات.. رؤية شرعية (2)
(2) مواصفات المرشح الأصلح والتحالفات الانتخابية
أ.د/ عبد الرحمن البر
عميد كلية أصول الدين بالمنصورة
وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بعد الحديث عن وجوب المشاركة في الانتخابات، وخطأ التخلف، والقعود عن المشاركة ترشيحا واقتراعا، أرى أن المرشح الجدير بالتصويت لصالحه ونيل العضوية والقيام بتمثيل الأمة في البرلمان، ينبغي أن تتحقق فيه مجموعة من المواصفات كالتالي:
الأول: التجرد لخدمة الوطن وتقديم الخير للأمة، وألا تكون نيته التنافس للحصول على مكسب شخصي ومصالح خاصة، فلا يخدع الجماهير بأنه يريد أن يحقق مصالحهم، ثم يسعى وراء مصالحه الشخصية، ولهذا ينبغي النظر إلى تاريخ كل مرشح وسيرته ، مثلما ينبغي النظر إلى تاريخ ونشاط كل حزب من الأحزاب في الواقع، قبل اتخاذ القرار بالتصويت
الثاني: ألا ينافس من هو أكفأ منه وأجدر بهذا الموقع، فإذا علم أن أحد المرشحين أكفأ منه وأجدر وأقدر على القيام بهذا العمل فإن عليه أن يتنازل له وألا يقدم نفسه.
الثالث: أن تتوفر فيه القدرة على القيام بحق هذا العمل، وأداء واجباته وتبعاته من الإصلاح والمتابعة، وما تقتضيه النيابة عن الأمة في تحقيق مصالحها، ورفع الظلم والضرر عنها، من القوة والأمانة والمعرفة والكفاءة والخبرة اللازمة للقيام بمهامه على وجه مقبول.
الرابع: أن تكون له قواعد جماهيرية في البلاد المختلفة التي يمثلها، فالمرشحون الذين لهم امتدادات من إخوانهم وأحبائهم الصادقين والناصحين، يرفعون إليهم واقع الأمة ونبض الجماهير، وحاجات الناس، ويساعدونهم على تحقيق مصالح الأمة هم الأجدر بتمثيل الأمة والنيابة عنها.
التحالفات الانتخابية: بعد الحديث عن وجوب المشاركة في الانتخابات، وحرمة التخلف، وإثم القعود عن المشاركة ترشيحا واقتراعا؛ نأتي إلى مسألة التربيطات والتحالفات الانتخابية.
فبعض الناس يقول: إن الإسلاميين، الذين يحملون المشروع الإسلامي، ربما تحالفوا مع من يحمل مشروعا غير إسلامي، فما حكم هذا التحالف، وما حكم هذا التنسيق أو هذه التربيطات.
وأقول بكل وضوح: إذا كان التحالف بين جهتين أو بين مرشحين يحملون المشروع الإسلامي، فهذا تحالف مبدئي والحاكم فيه على الطرفين هو الإسلام وقواعده العامة، حتى إذا كان بين الفريقين بعض الاختلافات في بعض المسائل الشرعية الجزئية، فثمة الكثير من المبادي يتفق عليها الجميع، وإن من واجبنا أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. بل يجب أن يقوم هذا التحالف بين حملة المشروع الإسلامي، بل هو من أقوى أنواع التحالف المأمور به شرعا، لقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
أما التحالف السياسي الذي يتم بين أحد المرشحين الإسلاميين، أو يضطر إليه حزب يحمل المشروع الإسلامي، فيتعاون مع جهة أو حزب أو شخصية ذات فكر وطني أو قومي لا تحمل المشروع الإسلامي، أو حتى مع مرشح غير مسلم أصلا، فهذا التحالف يجوز إذا كانت هناك قضايا سياسية عامة متفق عليها، تلتقي فيها وجهة النظر الإسلامية مع وجهة نظر أصحاب الاتجاهات الأخرى، كالقضايا الكثيرة التي يتفق عليها الجميع، مثل: قضايا الإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري في الدولة، وقضية استقلال القرار الوطني، وقضية التأكيد على مرجعية الأمة الإسلامية والمطالبة بدستور معبر عن هوية الأمة، وقضايا الحريات والحقوق العامة، فكل هذه الأمور المشتركة وغيرها، لا بأس أن يحدث تحالف بين يتوافق عليها ومن يقبل بها وبضرورة العمل على هذا الصعيد سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين، يحملون المشروع الإسلامي، أو يحملون مشروعا قوميا أو وطنيا أو غير ذلك، فلا بأس عندئذ بالالتقاء على هذه الأسس السياسية المشتركة والتي هي مقبولة من وجهة النظر الإسلامية، وهذا مما يساعد المرشح الإسلامي أو الجهة الإسلامية على تحقيق بعض أهدافها بالتعاون مع الجهات الأخرى التي تعيش معها في نفس المجتمع وتشاركها المواطنة، وتتقاسم معها هموم الوطن والمواطنين.
ومما يدل على جواز هذا التحالف، حلف الفضول، الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وقد كان حلفا بين زعماء قريش على إغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، والتي جاء الإسلام بالدعوة إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «لَقَدْ شَهِدْتُ فِى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوِ أُدْعَى بِهِ فِى الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ». إذًا، لا بأس بالتحالف على المسائل المشروعة، والتي هي مقبولة من وجهة النظر الإسلامية.
أما التحالف مع من يُعلن رفض المشروع الإسلامي جملة وتفصيلا، ومع من يدعو إلى عدم تطبيق الشريعة، ومع من لا يلتزم بصميم الدستور الذي ينص على اعتبار الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، أو مع فلول النظام الفاسد البائد، فهذا هو التحالف المرفوض، ومن غير الجائز شرعا أن نعمل على إنجاح مرشح يكون همه محاربة الشريعة ومحاربة المشروع الإسلامي، أو إعادة إنتاج النظام البائد الذي خلعته الثورة المجيدة.
آداب الدعاية الانتخابية: على الأحزاب والأفراد المترشحين وأعوانهم حينما يقومون بالدعاية الانتخابية أن يلتزموا بمجموعة من الآداب:
أولها: مهم جدا وهو ألا ينشغل الفرد في مرحلة الدعاية عن واجباته الشرعية وطاعته لله، فالمرشح الذي ينشغل بالدعاية عن الصلاة، وينشغل بالدعاية عن طاعة الله أحرى أن ينشغل بعد الدعاية عن الأمة التي وكلته، والمرشح الذي لا يخاف الله تبارك وتعالى ولا يراقبه أحرى ألا يراقب الذين انتخبوه وألا يسعى في مصالحهم بعد ذلك.
الأدب الثاني: التحلي بالخلق الإسلامي الرفيع بين الناس، وأن يكون مهذبا في عباراته مؤدبا في ألفاظه جيدا في سلوكه.
الأدب الثالث: ألا يتكلف المبالغ الطائلة في حملته الانتخابية حتى لا يقع في الإسراف الذي جاء النهى عنه شرعا: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
الأدب الرابع: ألا يذكر أحد منافسيه بالسوء وألا يفتري على الناس كذبا وبهتانا: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل/105]
إن المنافسة الانتخابية لا تعطي لأحد الحق في أن يتجاوز الآداب والقيم الإسلامية في الحديث عن المخالف، ولا يجوز لمن يتقدم نيابة عن الأمة أن يكون لسانه سليطا حديدا يلتمس العيب للبرآء ويتكلم على الناس بالسوء.
إن الذي تكون حملته الانتخابية عبارة عن إساءة عن الآخرين هو إنسان فج، لا يصح أن يعبر عن الأمة، ولا أن يمثلها في شيء؛ لأن مثل هذا الشخص حري إذا حقق مصلحته ألا ينظر إلى مصالح الأمة، وحري إذا تكلم مع الناس عند الترشح بلسان لين أن يتكلم معهم بعد ذلك بلسان حديد قبيح شديد.
الأدب الخامس: أن يكون صادقا لا يعد بما يعلم أنه قد يكون غير قادر على تنفيذه، فإن الوفاء بالعهد من الإيمان وإن خُلف الوعد صفة من صفات النفاق.
الأدب السادس: ألا يقدم رشاوى للناخبين أيا كان نوعها، سواء أكانت رشاوى مادية مباشرة أم غير مباشرة، كأن يعين ابن هذا، ويعمل مصلحة لهذا بغرض شراء صوته.
عزيزي الناخب إن من واجبك أن تبحث عن الأكفأ من الأشخاص والأحزاب، لتختاره ممن تتوافر فيه الكفاية والقدرة على القيام بالعمل الذي سيوكل له بعدالة وحكمة، واحذر أن يكون اعتبار الاختيار عندك هو صلة القرابة أو الصداقة أو الجوار أو البلدية أو المصلحة أو العصبية للعائلة ونحو هذا، وأشد من ذلك أن تحذر أن يكون اختيارك قائما على أساس من الرشوة سواء كانت الرشوة مادية أو معنوية فهي حرام شرعا، وكن أشد حذرا من انتخاب فلول الفساد الذين يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.