مبادرة الجامعة العربية... ومراوغة النظام السوري
مبادرة الجامعة العربية...
ومراوغة النظام السوري
م. محمد حسن فقيه
بقيت مواقف النظام السوري تظهر تشددها من مبادرة الجامعة العربية ، فحينا تعتبرها تدخلا في شؤونها الداخلية ، وتارة أخرى تتحفظ على بعض بنودها ، وأخرى يخرج بشار بمقابلة صحفية مع التيليغراف فيهدد بزلزال يهدد المنطقة ... لا بل والعالم ويتوعد بأفغانات في المنطقة ، ويحاول إثارة حفيظة الغرب الذي يعتبره عدوا ، بأن البديل للحكم في سورية لو تخليتم عني هو الإسلاميين ... لا بل الإخوان المسلمين ، وينبري رئيس أركان الجيش الفارسي ليهدد الغرب وإسرائيل إذا سقط نظام بشار لأن العالم الإسلامي سينتصر له وينتفض لأجله حتى يحطم امبراطورية أمريكا ودولة إسرائيل ، ويطل ثالة الأثافي ( شيف ) طبخ السموم وتنفيذ المؤامرات مع أسياده من جنوب لبنان ، فيهدد بنقل المعركة إلى خارج سوريا وإيران وامتدادها لتشمل مناطق كثيرة كأنه يملك دولة عظمى ، ويعتير نفسه أحد أركان دول المحور في الحرب العالمية الجديدة ، وعلى مبدأ حليفه بشار بطل الزلازل والأفغانات وتفجير العالم !
إذا كانت الأمور كذلك وكانت إيران وملحقاتها يدعمون المقاومة والممانعة ضد إسرائيل ويعادون أمريكا ، فكان لزاما شرعيا وواجبا مبدأيا دينيا ووطنيا ، وخدمة لشعار المقاومة وأسطورة الممانعة ، أن تسرع إيران بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة ، فتسقط بشار ونظامه ليوقدوا شعلة تلك الثورة الإسلامية المزلزلة انتقاما لبشار ونظامه ، فيقوضوا دولة بني صهيون ويفتتوا إمبراطورية أمريكا ! .
كل المؤشرات كانت تشير إلى رفض نظام بشار للمبادرة المقدمة من الجامعة العربية بشروطها البسيطة المتواضعة ، ليس من التصريحات الإعلامية لأبواق النظام فحسب ، بل لأن تنفيذ شروط المبادرة هو حقا يعني سقوط النظام ... والنظام يدرك ذلك تماما ، لذا فقد أعلن موافقته على المبادرة بدون أية تحفظات ، ليس إيمانا منه بجدواها لحل الأزمة ، لأن النظام بالأصل لا يريد حل الأزمة الا بحسب طريقته الأمنية ونهجه القمعي ، ولكنه لايريد التفريط بمواقف روسيا والصين التي دعمته في مجلس الأمن ، كما يريد استغلال الوقت ريثما تجتمع الجامعة العربية مرة أخرى ، فيقوم بأعمال القمع الوحشية والإعتقالات التعسفية والمذابح الجماعية علّه يخمد صوت الإحتجاجات والمظاهرات بالعنف المفرط ولإرهاب الممنهج .
إن ما جرى في اليوم الأول من أحداث ووقائع على الأرض بعد موافقة النظام السوري على المبادرة ، يثبت حقيقة هذا النظام المراوغ ونهجه المخادع وسياسته البراغماتية ، ويكشف حقيقته التضليلية ، المبنية على الدجل والخداع وقلب الحقائق والتي أصبحت مكشوفة للإعلام العربي والخارجي ، فضلا عن الشارع الثائر من أبناء الوطن الشرفاء .
كأن هذه المبادرة أمدت هذا النظام الفاشي بحقنة مهيجة ، فصعد من وتيرة القمع بنفسية إجرامية انتقامية ، وطبيعة عدوانية حاقدة على الشرفاء من أبناء سورية ، وتوجيه رسالة استهتار واستهزاء بالجامعة العربية ومبادرتها ، تجلى ذلك بوضوح بتلك الهجمة الشرسة التي نفذها في اليوم التالي في أحياء حمص وبعض مناطق إدلب ودرعا وباقي المحافظات قتلا وقصفا وتدميرا للمباني المدنية والممتلكات فوق رؤوس المواطنين العزل ، فأودت بعشرين شهيدا من حمص وبضع شهداء من إدلب ، مع حملة اعتقالات شرسة في مناطق ريف دمشق طالت المئات لا بل الآلاف من شباب الوطن الشرفاء والأحرار، وتتالت السلسلة يوميا بعد ذلك لتقديم الشعب السوري العشرات من قر ابين الشهداء كل يوم ! .
ثم خرج رموز النظام بعد ذلك بكل مكر ووقاحة يطالب عناصر الجيش الحر الشرفاء بتسليم أسلحتهم ، ليقوم شبيحته وأزلامه بجمعهم كالخراف ليضحي بهم بعد أن يشبع ساديته بتعذيبهم وإذلالهم وإهانتهم ، وهم النشامى وشرفاء الجيش الذين رفضوا أوامر الطاغوت في القمع والقتل لأبناء الوطن الأحرار، وانحازوا إلى أهليهم وأبنائهم وإخوانهم ، وأصروا أن يبروا بقسمهم ، فيبقوا حماة الديار لا يتحولون إلى قوات احتلاال وغزاة الديار، كغيرهم من التافهين الذين حولهم النظام المستبد الفاسد إلى عصابات إجرامية لقتل أبناء الشعب وانتهاك حرماته ، تاركين خلفهم الجولان المحتل للعدو الصهيوني يسرح بها ويمرح .
على المجتمع العربي والجامعة العربية إن تدرك أن نظاما إجراميا بنهج استبدادي درج على الدجل والتضليل الإعلامي داخليا وخارجيا ، يعلمه تماما أبناء شعبه من الشرفاء والأحرار كما كشفه أيضا جميع المنصفين من نشطاء وأحرار العالم ، وهم يشاهدون القتل والمجازر ودماء المحتجين الشرفاء ، تسفح كل يوم بلؤم وخسة من قبل أجهزة النظام في جميع أرجاء الوطن السوري الحبيب .
على الجامعة العربية اليوم أن تحزم أمرها ، وتكون على مستوى المسؤولية والحدث ، فتسارع لإيقاف هذا النزيف المتدفق من دماء الأحرار والشرفاء على أيدي المجرمين القتلة ، من هذا النظام الأسدي المتوحش ضد أبنائه ، وهو الخوار الجبان المتخاذل ضد أعدائه .
على الجامعة العربية أن تنهض بالدور المنوط بها والمطلوب منها فتتحلى بالشجاعة الكافية للجم هذا النظام وإيقاف شلالات الدم المتفجرة في جميع أطراف وجسد هذا الوطن المنكوب ، وإلا فإنها تساهم بشكل أو بآخر مع نظام الأسد الإجرامي في سفح الدم السوري يوما بعد يوم .
إذا لم تتخذ الجامعة العربية الموقف المناسب لإيقاف نزيف الدم ومحاسبة هذا النظام الدموي ، وكانت الجامعة العربية ومؤسساتها عاجزة عن اتخاذ قرار وحل حاسم ، فإن الجامعة العربية عندها لا تعدو مجرد مؤسسة هزيلة ضعيفة عاجزة عن حل أي مشكلة عربية داخل البيت العربي ، بل تصبح الجامعة العربية نفسها مشكلة تحتاج إلى حل هي الأخرى على طريقة الربيع العربي .