سوريا: حكومة متآمرة أم مُقاوِمة

أحمد النعيمي

[email protected]

http://ahmeed.maktoobblog.com

تمهيد:

ما طالعت تاريخ قادتنا العظام، قديماً وحديثاً، إلا ووجدتهم قد حملوا سلاحهم وقدموا أرواحهم وأموالهم وجهدهم نصرة ورفعة لراية التوحيد، وطرد الغزاة والمحتلين من بلادنا، كما فعل عماد الدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي – رحمهم الله– حيث رفعوا راية الجهاد ضد الصليبين، الذين دخلوا بلاد الإسلام واخذوا بيت المقدس وجعلوه عاصمة لهم، فكانت الموصل مركزاً ومنطلقاً للجهاد بداية من واليها آق سنقر الذي اخذ الراية من بعده عماد الدين بعد أن قتل على يد الحشاشين، وبجهاد سنوات عديدة توج هذا العمل الجهادي بفتح الرها، ومنذ ذلك الوقت ولحين فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين – بعد هزيمة الفرنجة في معركة حطين – وإعادتها إلى دولة الإسلام، وعلى مدى ما يقارب الخمسين سنة، أي من سنة (539 – 583 هـ) لم تخل سنة منها إلا وحقق فيها المسلمون نصراً أو فتحاً، وهذا كان حال قادتنا الأفذاذ؛ جهاد وتضحية، إلى أن يمن الله عليهم بالنصر والتمكين ودحر المعتدين عن بلاد الإسلام، وهو حال من جاء بعد صلاح الدين، حتى طهرت الأراضي من دنس الصليبيين ولم يبق لهم شبر فيها إلا واسترجعوه، وكان هذا الفتح على يد السلطان الأشرف خليل – رحمه الله –.

كيف يسترجع سلاطين العصر حقوقهم:

وأما المطلع اليوم على تاريخنا في العصر الحديث، فلا يجد أي مظهر من هذه المظاهر من قبل سلاطيننا مطلقاً، وإنما يجد بلاداً إسلامية يحكمها أمراء طوائف متناحرين متفرقين، باعوا ذممهم وأنفسهم للغرب مقابل الوصول إلى سدة حكم هذه الدويلات، مرتضين أن يكونوا مجرد حرس لحدود دولة يهودية أخذت بيت المقدس وجعلت منه عاصمة لها، فما عاد يسمع قرقعة سلاح أو تقدم أية تضحيات، وإنما اخلدوا إلى الراحة وتسخير الجيوش لحماية عروشهم، وملاحقة كل من سولت له نفسه بالاقتراب من الحدود، يرافق هذا الواقع إعلام وأكاذيب وشعارات ترفع مدعية وجود دول تدعي كذباً وزوراً أنها تقاوم هؤلاء الغزاة، بينما على الأرض فلا ترى إلا الهزائم تلو الهزائم، والخيانات إثر الخيانات.

وعلى سبيل المثال الحكومة الأسدية التي بدأت مشوار خيانتها ببيع الجولان، مما أدى إلى وصول المجرم حافظ من وزارة الدفاع إلى سدة الحكم في سوريا، وبعد حرب الثلاثة وسبعون وقعت هذه الحكومة مع اليهود اتفاقية "فض الاشتباك السورية الصهيونية" والتي أقرت بها سوريا الاعتراف بحدود الدولة اليهودية وفقاً لقرار مجلس الأمم المتحدة رقم338 المؤرخ في 22 تشرين الأول 1973م، ومنذ ذلك التاريخ لم تحدث أي مواجهة بين الطرفين، إلا بالحروب الكلامية فقط، وبعد رحيل الهالك الأب وتسلم الابن من بعده، بقيت الحيثيات نفسها والحرب الإعلامية تحاول أن تؤكد وجود عداوة بين الحكومة الأسدية والمحتل اليهودي.

وعلى مدى أربعين عاماً من المقاومة والصمود الكاذبين، لم تحقق هذه الدول المزعومة أي انتصار يذكر، سوى الخيانة والتآمر على الأمة الإسلامية، وتسليم الجولان للمحتل اليهودي وتنصيب أنفسهم حرساً لحدوده، وفي بداية القرن الحالي وبالتحديد عام 2007م قام المحتل اليهودي باختراق الحدود السورية، ووصلت طائراته إلى عمق المدن السورية، وقصفت في دير الزور – ما قيل أنه مفاعل نووي– وعادت وحلقت فوق قصر الأسد الابن لمدة ثلاثة ساعات، دون أن يجرؤ الابن على إطلاق أي قذيفة نحو الطائرات الحربية، ثم عادت إلى قواعدها سالمة، واكتفى أسد المقاومة الابن بالقول بأنه سيرد في الوقت المناسب، مع احتفاظه بحق الرد طبعاً!!

كذبة الصمود والمقاومة:

والأخطر في هذا الواقع محاولة إظهار دول الصمود المزعومة بالبطولة حتى وإن كانت كلاماً فقط!! من أجل بهرجة العداء وتمويه الحقائق وزيادة التضليل – حتى وإن كان شأنها في هذا شأن بقية دول الاعتدال الأخرى– فالمطلوب هو إظهار هذه الدول بأنها تعادي الغرب وتقاطع اليهود، من أجل استقطاب الجماعات الإسلامية وسيطرتهم عليها وتحجيمها، كما فعل مع حماس وغيرها من بقية الحركات الإسلامية، في الوقت الذي تجري فيه العلاقات على أتمها بين الطرفين!!

الثورات العربية تكشف المستور:

إلى أن جاءت الثورات العربية وخصوصا الثورة السورية فكشفت ما كان يراد له أن يبقى طي الكتمان، وفضحت العلاقات الخفية بين الغرب وأمراء الطوائف، وكشفت تواطؤا الغرب وسكوته عن المجازر التي تجري في سوريا طيلة أشهر الثورة المباركة، بل وإعطائه الفرصة للمجرم الأسد فرصة تلو أخرى، من اجل محاولة إخماد شعلة الثورة السورية المباركة، وتوجيهه تهم الخيانة – الغارق بها من رأسه إلى أخمص قدميه–  إلى شعبه، ووصفه بالعمالة بالتآمر، إذ كان المفترض أن لو كان الأمر مؤامرة مقصود منها الإطاحة بالأسد الابن، أن يتدخل الغرب لإنقاذ هؤلاء الذين حركهم – كما يزعم الخائن الأسد– من أجل تحقيق ما زعم أن الغرب يسعى إليه!! بينما كانت الحقائق على أرض الواقع تؤكد أن الغرب يقف إلى جانب الأسد الابن تاركين الشعب السوري نهباً للقتل والإبادة.

وليس الغرب وحدهم المشاركين في هذه الجرائم والسكوت عنها، وإنما أمراء الطوائف العرب والمسلمين، وذلك كما كشف عنه عدد من أعضاء الجالية السورية في الكويت "للرأي" بعد اللقاء الذي جمعهم مع الأسد الابن في دمشق بتاريخ التاسع والعشرين من شهر آب الماضي، حيث أجاب الأسد عن سؤال يتعلق بالموقف الخليجي وسحب بعض الدول الخليجية لسفرائها للتشاور، بقوله: " إن الموقف الخليجي مساند لنا في الخطوات التي نتخذها، والاتصالات التي أتلقاها من زعماء الخليج ناهجة لنهجنا.. ودعكم من المواقف التي تعلن في وسائل الإعلام" وبالنسبة للموقف التركي أجاب الأسد: " إن أردوغان والجيش والأمن في تركيا داعمون لنا".

مما جعل الأسد يفرد له مقالاً كاملاً في صحيفة "هآرتس" الصهيونية بعنوان" الأسد ملك إسرائيل" جاء فيه أن اليهود يصلون للرب من أجل بقاء هذا النظام الذي لم يحاربهم ولم يطلق عليهم أي رصاصة بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك، ولا يهمهم كلامه لأنه يستخدمه شماعة لقمع شعبه، ومن ثم جاءت تصريحات "رامي مخلوف" ابن خال الأسد الابن بأن أمن اليهود من أمن سوريا، وكذلك فضيحة حضور السفير السوري "بشار الجعفري" في واشنطن، حفل زفاف ابنة "جاك افتيال" رئيس اليهود الشرقيين في "بروكلين" حيث ضم الحفل جمعاً من شخصيات يهودية مرموقة، من ضمنهم الحاخام "يوشياعو بنتو" والذي وجهت له دعوة من قبل السفير باسم الحكومة السورية لزيارة دمشق وإقامة الصلاة على ضريح أجداده في العاصمة السورية، ورغم كل هذه الحقائق إلا أن النظام الذي ألبس ثوب المقاومة بالرغم عنه، كان يحاول جاهداً أن يكذبها، ويفندها، مدعياً أن رامي مخلوف يمثل نفسه، وأن الدعوة لم توجه للحاخام اليهودي، وإلصاقهم تهمة الخيانة والتصهين بكل من يعمل على فضحهم، ويكشف حقيقتهم، وهو نفس الوصف الذي الصقوه بالشعب السوري واتهموه بالتآمر والخيانة؛ زوراً وبهتاناً، شأنهم في هذا شأًن من قيل بها "رمتني بدائها وانسلت" ولا ذنب لهم في هذا إلا أننا نحن من أعطيناهم هذه الصبغة، وألبسناهم ثوب المقاومة كذباً ودجلاً، فباتوا يصدقون أنفسهم، وأصبح الخائن يدعي شرفاً!!

القاصمة والكاشفة للعميل الأسد:

ولم يطل بهم الأمر كثيراً في التخفية والتعمية، إلا وجاءت القاصمة والفاضحة، حيث أفاد تقرير دبلوماسي حصلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية على نسخة منه، بأن اتصالات سرية تجري في كل من واشنطن وباريس وبروكسل، بين موفدين من الأسد الابن وبين ديوان "بنيامين نتياهو" أفضت إلى اتخاذ الصهاينة قراراً يقضي بوجوب دعم بقاء النظام الأسدي، على اعتبار أنه "مصلحة إستراتيجية لإسرائيل".

 ويشير التقرير إلى أن هذه الاتصالات تجري في أكثر من عاصمة غربية وأوربية، بدأت بعدما حصل في يوم الأرض، إذ بعث الأسد برسائل مفادها: " إن ضعف النظام السوري الحالي والتهاء جيشه بقمع الثورة التي تستهدفه، سمحا بفلتان الحدود، مما مكن الفلسطينيين من اختراق خطوط الهدنة التي كانت مستقرة مع استقرار النظام" ويفيد التقرير أن الصهاينة تعاطوا مع هذه الرسالة بايجابية وتم إطفاء كل حديث عن الضحايا الذين سقطوا على الجبهة في ذاك اليوم، وتم إعادة فتح القنوات المغلقة بين تل أبيب ودمشق، حيث اشترط اليهود أن تكون الأبواب المفتوحة محمية بالسرية لعدم إحراج المجتمع الدولي المستاء من العنف المفرط ضد الشعب السوري.

وفي رسالة العميل الابن أقرار بكونه حارس حدود وأنه قد قصر بعمله هذا لما يعانيه على يد الشعب السوري، واستدراراً لعطف أسياده واسترحاماً، لكي يبقوا داعمين له، مقابل مسامحتهم في الدماء التي ازهوقها نتيجة لتقصيره في الحراسة، وهو ما أكد عليه رامي مخلوف وروسيا والصين والمالكي ونجاد ونصر الله، وحاولوا جهدهم أن يرسخوه، قبل أن تأتي واضحة جلية من الكيان الصهيوني، وهي أن أمن كل من هذين النظامين من أمن النظام الآخر!!

أتباع دول المقاومة المزعومة، كشفت ملفاتكم:

وفي هذه الحقائق درس وعظة لهؤلاء الخونة الذين يدافعون عن هذا النظام الخائن ليل نهار، والذين يعيشون بيننا، وفي كل زاوية من بيوتاتنا، يدعون الشرف وهم شر الخونة وأسوءهم على الإطلاق؛ واضعين نصب أعينهم بأن الناس قد فهتهم ووقفت على حقيقتهم، وحقيقة الأنظمة الخائنة التي يدافعون عنها، وما عادت تنخدع بهم، كما قالت إحدى المعلقات في ردها على الشبيحة الالكترونيين تحت مقالي السابق، حمل التعليق عنوان: " هل ترون بغير العين التي نرى أو تعقلون بغير العقول التي نعقل" وجاء فيه :" ما أظن كل هؤلاء المعلقين إلا موظفون ومسخرون من قبل النظام لتصيد مثل هذه المقالات والإجماع على الرد عليها بلسان واحد يدعي غير ما نشاهد ونرى ونتابع الأحداث عبر القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، هل أصبح سطوة الحاكم وأسرته ما يزيد على أربعين عاماً شرعاً!! وإذا طالب الشعب بالحرية في اختيار من يمثله ويحفظ أمنه ويحرس دستوره يعد خروجاً وكفراً واستحقاقاً للقتل والتنكيل!! إن ما تدعونه إيه المعلقون منافي للعقل والمنطق ولا يدل إلا على أنكم إما مرتزقة أو عبيد، ألفتم العبودية، تخافون أن ترون نور الحرية والشورى، وإما تخافون أن تنكشف خيانتكم واحتماؤكم واستعانتكم بمن يكيد لإخوانكم وأمتكم ودينكم وعربيتكم".

ثورة أخرجها الله لتعيد الأمور إلى نصابها:

الجميع اليوم يتآمر على ثورة الشعب السوري ويحاول تشويهها، ولكنهم ما دروا وما أدركوا بأن هذه الثورة التي قمعت بكل الأساليب واخسها وأحقرها كل شهورها الماضية، فصمدت واستمرت واشتعلت جذوتها كل يوم بازدياد البطش والقتل، واجتمع الجميع حولها؛ لأن من أخرجها هو الله – عز وجل–  بعد أن نفض الخوف عن قلوب أهل الشام – أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم– وهو المتكفل بها، رغم تخاذل الجميع وتآمره، وثورة أخرجها الله لتحق الحق وتبطل الباطل وتزيل الخونة والعملاء وتعريهم، لن ترجع إلا بهذا المطلب، وستغير وجه العالم اجمع بإذن الله، والعاقبة للمتقين.