الجامعات الفلسطينية ودورها الغائب
شاكر فريد حسن
شكلت الجامعات الفلسطينية في السبعينات من القرن الفائت صروحاً للعلم والتربية ، ومنارات للثقافة والوعي وصقل الهوية وبناء الانسان ، ومراكز للاشعاع الفكري والتنويري التعبوي . وكان لها دور مميز وملحوظ في النهضة الحضارية التنموية لشعبنا الفلسطيني ، وفي المسؤولية الوطنية والاخلاقية في رفض ومقاومة الاحتلال . وساهمت في الحراك الفكري والثقافي والسياسي والنضالي التحرري ، وتنمية الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية وحمايتها ، ورفد المجتمع الفلسطيني بالطاقات والكفاءات العلمية .
كذلك تركت الجامعات الفلسطينية بصماتها الواضحة على السياسة والثقافة والفكر والايديولوجيا والوعي والمجتمع والعمل الوطني والاهلي والمؤسساتي الفلسطيني . ولا ننسى الدور العظيم والكبير لجامعة بير زيت ، التي كانت بمثابة خلية نحل ومركزاً للوطنية والتضحية والتفاني الوطني والممارسة الثورية ، واسهمت في تعميق واشاعة الوعي الوطني السياسي والفكر الفلسطيني الثوري التعبوي . وكانت ساحاتها تعج بالانشطة السياسية والفعاليات الثقافية والنضالية ، ومن رحمها بزغ نور العمل التطوعي الذي عزز صمود الانسان والمجتمع الفلسطيني في مواجهة المحتل . وفي اروقتها تولدت ونشأت الديمقراطية الحقة والتعددية السياسية والثقافية واحترام الرأي الآخر ، ونهضت الحركات الوطنية واليسارية ذات الايديولوجيات المختلفة.
وايضاً شكلت الجامعات الفلسطينية رافداً اساسياً في دعم الحركة الادبية، وتطوير وتنشيط الحياة الثقافية الفلسطينية تحت ربقة الاحتلال . فكانت تنظم الندوات والاماسي الادبية بمشاركة العديد من الادباء والكتاب والمثقفين والاكاديميين الفلسطينيين ، وقامت بتنظيم المسابقات القصصية بين الكتاب . واذكر ان جامعة بيت لحم نظمت في العام 1977 مسابقة لكتاب القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومن بينهم فاز الكاتب القصصي والروائي غريب عسقلاني من غزة . وقامت صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية العريقة آنذاك بنشر القصص العشر الفائزة.
انني اقولها بمرارة والم واسى ، ان دور الجامعات الفلسطينية النهضوي والتنويري والمعرفي والاكاديمي ، وللاسف الشديد، لم يتعزز ويتطور خلال العقيدين الاخيرين ـ اي بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية ، وانما تراجع وتقلص وانكمش الى الوراء ، ولم تعد الجامعات كما كانت في الماضي ، بل تحولت الى منابر للعنف والاقتتال وتأجيج الصراعات الفئوية والصدامات الدموية ، وانتهكت فيها الحريات الاكاديمية والديمقراطية ، واصبحت معاقل للقوى السلفية والرجعية ، وسجون لاصحاب الفكر الحر والعقول المتنورة ، كما هو الحال مع جامعة النجاح الوطنية في نابلس ، التي اعتقلت البروفيسور عبد الستار قاسم وقامت بفصله ، لكونه تجرأ وانتقد ادارة الجامعة ..!.
اخيراً ، فان المجتمع الفلسطيني بحاجة لجهود الاكاديميين ، واعادة الاعتبار للجامعات الفلسطينية وتعزيز دورها، لتكون مشاركة متكاملة وفاعلة في صميم الحياة الفكرية والثقافية والعلمية والتنموية المجتمعية الفلسطينية ، وتؤدي دورها المطلوب والمنشود في نشر الوعي والمعرفة واشاعة الديمقراطية والتنوير الفكري ، والمساهمة في صراع التحرر الاجتماعي والوطني الاستقلالي، وبناء المؤسسات المدنية ،وصنع المستقبل الاجمل والافضل.