رد على أدونيس
محمد العلي – دمشق
دعا الشاعر السوري أدونيس في مقابلة مع صحيفة الرأي الكويتية مؤخراً الرئيس بشار الأسد إلى الاستقالة ، ودعا المعارضة إلى الابتعاد عن الفكر الديني !.
أدونيس شاعر سوري من الطائفة العلوية اسمه الحقيقي " علي أحمد سعيد أسبر " ، وسأعلق أولاً على دعوته المعارضة إلى الابتعاد عن الفكر الديني ويقصد الإسلام تحديداً ، فقد أثار غيظ الشاعر الكبير تدفق الجموع الهادرة من الجوامع وتكبيراتها التي صدحت بها حناجر المتظاهرين وشقت عنان السماء !.
" أدونيس " في دعوته السوريين إلى الابتعاد عن دينهم ، كمن يدعوهم إلى الخروج من جلدهم أو كمن يدعو إلى فصل الجسد عن الروح ، فهل تراه يقوم بعدها أو يحرك ساكناً !؟. وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر عنه مثل هذه الدعوة التي تعبر عن نفس مريضة هزيلة ، وينفث فيها ثقافة متخلفة متعصبة بل طائفية محضة ، رغم عشرات الجوائز العالمية التي حصدها ، لكنه - ويا للأسف - يعيِّر من باريس الجماهير السورية الثائرة بأنها تتجمع في المساجد ، وتخرج منها ضد النظام ، ولذلك هو لا يشرِّفه – كما يقول في تصريح سابق بعد شهر تقريباً من ميلاد الثورة - الانتماء والانتساب لهذه الثورة !.
على كل حال ، الجماهير لا تعبأ بأدونيس الطائفي واعتراضه السمج ، وترفض كل من يتنفس في مناخ الطائفية والحزبية والعصبية أيا كان لونها أو شكلها أو وجهتها ، وهي تتابع كفاحها ضد الطاغية ، وتطور أداءها بشكل متصاعد ، في حجم التظاهرات وسقف المطالبات وسمو الشعارات والرايات وطهر النيات والغايات من النفس الطائفي والحزبي البغيض ، وخير دليل على ذلك تسمية إحدى جُمَعِ الثورة باسم " الجمعة العظيمة " التي تجمع وتؤلف بين المسلمين والمسيحيين ، و" جمعة صالح العلي " التي توحد بين السنة والعلوية ، وجمعة " الله معنا " وهي أول جمعة للسوريين في شهر رمضان المبارك ، ثم جمعة ( لن نركع إلا لله ) وهذه الجمعة اليوم ( بشائر النصر ) وتعكس هذه التسميات فطرة التدين المغروسة في الشعب السوري ليس في المسلمين فقط بل في جميع طوائفه طبعاً ، فالله هو رب العالمين وليس رب المسلمين فقط ، والمسلمون لا يقولون كما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ( شعب الله المختار ) !. كما تعكس " الله معنا " و" لن نركع إلا لله " عمق صلة الشعب السوري بربه وثقته به وعبوديته لله وحده ، رغم أنف " أدونيس " الذي انحاز إلى جانب " الديكتاتور " منذ بداية الثورة . ومن دلالات التسمية أن الله سبحانه هو مصدر قوة الشعب وعزته ، وهل يظن " أسبر " أن صمود السوريين الأسطوري المدهش كان ليتم دون تأييد الله تعالى لهم أو إذا كنت ممن لا يرى الله في الوجود ؛ هل كان صمودهم ليتم لولا إيمانهم بالله وصلتهم العميقة به ؟. وهل يتحمل هذه الألام والجراح الكبيرة إنسان منبت عن الله بعيد عنه ؟. وهل كان صمودهم ليتم لولا قيم الكرامة الإنسانية التي يغرسها الدين القيم في نفوسهم !؟. وهل كان هؤلاء الشباب سيركضون إلى الموت لولا اعتقادهم بالعوض الأخروي وجنة عرضها السموات والأرض وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون !.
ورسالة أخرى أيضاً يوجهها الشعب السوري إلى بعض رموز المعارضة الذين يحادُّون الله وإذا سمعوا ذكره اشمأزت قلوبهم ، الرسالة تقول : نحن السوريين متدينون بالفطرة وأي محاولة لمخالفة الفطرة أو إنكارها والانتقاص من القيم الدينية والروحية فإن السوريين سينكرونها وينبذونها هي ومن ينعق بها نبذ النواة !.
وأمر آخر أحب أن ألفت النظر إليه وهو تخوف البعض من أن تكون الثورة السورية " إسلامية " وبعضهم يستخدم تعبير ( أسلمة الثورة ) وهو مصطلح خطأ لغة ولا يستسيغه الذوق العام ، فالإسلام في سوريا ليس غريباً عليها بل هو دينها وفطرتها وتاريخها وحضارتها وروحها ونسغها ، ولا يمكن سلخ سوريا عن إسلامها ، وكل عملية من هذا القبيل محكوم عليها بالفشل ، نعم هي تؤخر سوريا وتعرقل نهضتها لكن سوريا أكبر منهم وهي في نهاية الأمر ترجع إلى دينها وثقافتها وفطرتها ويرجع إليها . لكني أقول هنا : ثورتنا وطنية بامتياز بمعنى أنها ليست طائفية وهي تنادي على الطوائف جميعها بالالتحاق بركب الثورة والمسارعة فيها ، لكن الثورة وإن كانت وطنية فإنها إسلامية الصبغة ؛ ألا ترى جموعها المتدفقة كالسيل الهادر تخرج من الجوامع !؟. ألا تسمع هتافاتها وشعاراتها وتكبيراتها !؟. ألا تسمع نداء التوحيد وضجيج التكبير الذي تصدح به الحناجر ؟. ألا ترى أن كتلتها الأكبر هم مسلمون بينما لا تزال الطوائف الأخرى تنظر وتنتظر ولما تحسم أمرها بعد !؟. نعم هناك شرفاء أحرار من كل ألوان الطيف السوري ونفتخر بهم ونباركهم ونقدرهم وهم إخوتنا في ثورتنا ونحن وإياهم همٌّ واحد وهدف واحد ودرب واحد لكني أقصد الطوائف ككتل وجماعات !. ثم لم لا تكون إسلامية أو يغلب عليها هذا الطابع ، وقد نيل من الإسلام من قِبَل هذا النظام الجائر ، إقصاءً وتشويهاً وتآمراً وتخريباً ! ولا يغرك تقريب البوطي وأمثاله فما هو تقدير للدين ولأهله لكنه يستخدمهم لتخدير الناس وتضليل الجماهير أما قناة " نور الشام " الجديدة ونقل خطبة الجمعة وتحول القنوات السورية إلى قنوات دينية وتحول رامي مخلوف إلى فاعل خير فإنها لا تخرج عن هذا السياق وهي من حزمة رشاوى النظام وألاعيبه الرامية لإسكات صوت الشعب ، ولسوء حظ النظام أن السوريين يتمتعون بذاكرة قوية لا تنسى ما اقترفته يداه !.
وما لم يستطع " أدونيس " الشاعر السوري أن يهضمه ويستوعبه ، لم ير المفكر الفلسطيني عزمي بشارة فيه مشكلة رغم أن الرجل من أبناء الطائفة الدرزية الكريمة بل رآه أمراً طبيعياً ، لأن يوم الجمعة - كما قال على شاشة الجزيرة - يوم اجتماع الناس في المساجد ، فهي توفر لهم فرصة التجمع ومن ثم الانطلاق للتظاهر والاحتجاج ، ولا تملك قوات الأمن أن تمنع إقامة صلاة الجمعة كما يقول !! وإن كانت السلطات قد لجأت إلى هذا الإجراء مؤخراً ، في درعا وبعض المناطق الأخرى بل لم تقم صلاة الجمعة في حماة في جمعة " الله معنا " ، لكن أعجبني الأستاذ بشارة وهو يسخر على قناة الجزيرة من المثقفين الذين يتعالون على ثورات شعوبهم وثقافاتها ودياناتها ، ويقول لهم : هلموا إلى الميدان ، وشاركوا الشعوب في آلامها وتضحياتها ، وبعد ذلك قولوا ما عندكم فإن رآه الناس حسناً يُسمع لكم !!.
أما دعوة " أدونيس " الرئيس بشار الأسد إلى الاستقالة فإني أرحب بها ، وأرجو ألا تكون دعوة متسلق ترجح له أن النظام آيل للسقوط لا محالة فصرح بما صرح به ؛ تملقاً ورئاء الناس شأن كثير من الانتهازيين الوصوليين الذين تحكمهم مصالحهم وأهواءهم لا مبادئهم وكلماتهم أو شعرهم أو فنهم ، مثل دريد لحام وعباس النوري وأضرابهم الذين أعلنوا منذ انفجار الثورة السورية ومن أيامها الأولى عداءهم لها وبراءتهم منها ، وربما تسمع قريباً جداً تصريحات من هؤلاء يغازلون فيها الثورة والثوار مثل تصريح " أدونيس " ، ولا يسوؤني ذلك فهي من المبشرات بأن سقوط النظام بات وشيكاً !