قانون الأحزاب الأسديّ المتأخر

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

وعد النظام السوري عام 2005 أن يصدر قانوناً للأحزاب ليؤكد بهذا – على حد زعمه – مشاركة السوريين جميعاً في حكم بلدهم . وتعهد بشار أسد أن يصدر قانون الأحزاب في فترة وجيزة .

وامتدت هذه الفترة الوجيزة أكثر من ست سنوات ليخرج قانون الأحزاب هذا – أمس : 25-07-2011- (خديجاً) هذا إن أحسنا الظن بالنظام ، أو ميتاً على أصح الأخبار . ولم يترك النظام لأحد من مواطنيه أن يحسن الظن به لأكثر من سبب .

- من هذه الأسباب أن الشعب لا يحسن الظنّ بالعملاء ولا السراق ولا القتلة مصاصي الدماء.

- أن وعود النظام تذكرنا بمسيلمة الكذاب الذي بدأ البعض يتعاطف معه لأن مسيلمة أثبت أنه يقل سوءاً عن بشار أسد وزمرته بمرات عديدة . ولعنة الله على الظالمين جميعاً .

- أن مسيلمة كان يقتل الأعداء والمخالفين من القبائل الأخرى ، وثبت أن أعداء النظام هم شعبه السوريون فقط الذي يحكمهم ، ويدّعي أنه الناطق بأفكارهم ، المعبر عن تطلعاتهم ، المنطلق بأحاسيسهم ، إلى كثير من هذه التخرصات التي ما عادت تنطلي إلا على الأغبياء والمنتفعين ، ولن تعدم وجود أمثال هؤلاء الأغبياء والمنتفعين .

- وأن النظام عوّدنا أنه لا يُصدر القوانين إلا بعد أن يحاصَر وتضيق أنفاسه ، ثم يصدرها غير قابلة لتحقيقها على الواقع ، فقد اعتاد أن يكذب على شعبه وأن يكتم أنفاسه وأن يظل مسيطراً على كل صغيرة وكبيرة في سورية ، ولا يستطيع النظام – وهذه عادته منذ أن استلب الحكم قبل نصف قرن من الزمان - أن يرى شعبه حراً يختار ما يشاء .

- وأن حرية الشعب تعني نهاية النظام الديكتاتوري لآل أسد ، ولا يستطيع النظام الدموي أن يتصور هذه النهاية المأساوية التي كتبها على نفسه بيده طواعية لأنها ستكون عبرة لمن يعتبر .

- ولم يظهر قانون الأحزاب لرغبة من النظام في الوقوف على الحق والعمل به ، إنما اشتعلت الثورات في كل مكان من سورية الحبيبة تنادي بإسقاطه فهو دمّل خبيث ينبغي اجتثاثه من جذوره ، ولن ينفع معه عمليات التجميل أبداً . فالقبيح يزداد قبحاً بعمليات قبيحة لا تغني ولا تنفع .

وحين ظهر قانون الأحزاب بعد هذه السنوات عجاف وجدناه يقوم على أرضية هشة لا تنفع ، منها :

الالتزام بأحكام الدستور الأسدي الذي يفرض فيه حزب السلطة – البعث- فوق قانون الأحزاب ، وهذا أول خرق للحرية التي ينادي بها الشعب ويعمل لها .

أما مبادئ الديموقراطية التي يدّعي النظام وجودها على الساحة السورية فيعريها قتل الآلاف من الثائرين السلميين واعتقال عشرات الآلاف من الشبان وتعذيبهم - على خلفية قانون الطوارئ الذي يُعمل به على الرغم من وقف العمل به قولاً لا فعلاً – ولا ننسَ أن تشريد مئات الآلاف في بقاع الأرض لا يتساوق وحرية الأحزاب .

أما سيادة القانون الذي في ظله تقوم هذه الأحزاب فهو ( قانون الغاب) المعمول به في كل شبر من أرضنا المنكوبة بنظام أسد.

وأما احترام الحريات والحقوق الأساسية ! فهي موجودة في سطح المريخ وعطارد ، أما في سورية فلا حرية للشعب ولا كرامة ولا حقوق في ظل حكم  أسد المستبد الهالك بإذن الله .

وكيف يطالب النظام بالحفاظ على وحدة الوطن والشعب وهو الذي يلعب على وتر الطائفية ويستثمرها في قمع انتفاضة الشعب وثورته ضد طغيان الحاكم المجرم؟. وهو كذلك من يقتل شعبه ويستبيح دماءه ولا يعرف للشيخ ولا للمرأة والطفل حقوقاً ، ولا للإنسانية مكانة ولا حفاظاً ؟ .

ومن العجيب أن الدستور الأسدي يشترط للموافقة على إنشاء الأحزاب أن يلتزم كل حزب جديد في الإعلان عن مصادر تمويله ، وحزب البعث الذي يتخذه آل أسد غطاء لمفاسدهم وظلمهم سرق اقتصاد الأمة واغتال مصادرها وتغوّلها لخدمتهم وخدمة محسوبيهم.

ويحظر دستور الأسد على كل حزب أن يدعو إلى العنف بكل أشكاله ، ونظام أسد وحزبه قائمان على البطش والإرهاب وسفك الدماء منذ أن سيطر على مقدرات الأمة إلى هذه الساعة ، ولا نشك في أن النظام مسؤول عن سفك دماء أكثر من مئتي ألف من السوريين على مدى نصف قرن من حكمه الشؤم .

وإذا كان دستور النظام يحظر الأحزاب على أساس دين أو قبيلة أو مهنة أو " أن يكون تابعاً لحزب أو تنظيم غير سوري " فقد حكم على نفسه بالخروج من الحكم إلا إذا استثنى نفسه ونظامه من هذه الشروط لأنه " ابن الست " والآخرين " أولاد الجارية " .

فحزب البعث قائم على محاربة الدين ، وهذا يعني أنه حزب ديني بمفهوم عكسي واضح ، فرسالته الخالدة في المزابل قاتمت للقضاء على كل خلق قويم وأدب رفيع ،

وهو تنظيم غير سوري فله امتداد في العراق والأردن ولبنان ، ويقصد النظام بهذا الشرط ( الإخوان المسلمين ) الذين تمتد جماعتهم على البسيطة كلها ، وهذا يُعتبر شوكة في أحداق النظام االأسدي الفاسد.

وهو قائم على العرق فأول شعاراته " أمة عربية واحدة " وهذا يعني أنه حزب عرقي ذو لون يخالف دستور الأسد نفسه .

ولن يكون تفعيل الحراك السياسي كما يزعم وزير إعلام النظام بوجود قانون أحزاب النظام الذي ولد ميتاً  ، إنما تفعّل الأحزاب في ظل حراك حر ليس فيه لنظام القمع الأسدي مكان إلا كغيره من الأحزاب – إن استوفى الشروط النظيفة التي لم يتحلّ بها يوماً على مدى سبعين سنة ، فقد انتهت صلاحية هذا النظام الفاسد وهو آيل للسقوط ومتصدّع تماماً ،لا يطيل في عمره قليلاً سوى ضخ الأموال من بعض الدويلات التي باعت نفسها للشيطان ورضيت أن تكون ذيلاً له على الرغم من توجهات شعوبها التحررية الواضحة ، وسوى دعم الفرس الذين لا يتصورون سقوط هذا النظام ، فسقوطه هدم لمخططاتهم الخبيثة في السيطرة على بلاد الشام والعرب كلها .

إن الأحزاب لا تقوم على على بناء الحرية ولا تتنسم إلا هواء الكرامة ، ولا ترى إلا بنور الحق . أما النظام الأسدي فهو في ساعاته الأخيرة وأيامه القليلة .. إن شاء الله .