مؤتمر دمشق... حوار الطرشان أم حوار الذات
د. ياسر سعد
[email protected]
بدأ في دمشق اللقاء التشاوري للحوار الوطني والذي دعا إليه بشار الأسد وقاطعته شخصيات معارضة، باعتبار أن أية مشاركة لأسماء ذات وزن أو مصداقية في مثل هذه اللقاءات تعتبر اختراق واحتراق، اختراق من النظام واحتراق على المستوى الشعبي.
مقاطعة مثل هذه اللقاءات الخادعة واجب على كل مثقف سوري يسعى للتغيير في بلاده وإخراجها من ظلمات الفساد والدكتاتورية والقمع إلى أنوار الحرية والكرامة والشفافية.
النظام ليس جادا في مسألة الحوار على الإطلاق، فالمناخ العملي وعلى الواقع والمتزامن لهذا اللقاء هو نقيض لمفاهيم الحوار في حدها الأدنى. فعلى الأرض يتواصل حصار المدن ويعلو أزيز الرصاص وتتحرك عشرات الدبابات وتستمر ألآت القمع والتعذيب تنتهك الكرامة البشرية وتزهق الأرواح الطاهرة.
مؤتمر الحوار هو رسالة للخارج بل وجزء من حملة العلاقات العامة والتي يقوم بها النظام، ولا استبعد أن تكون الفكرة بناءا على نصيحة أمريكية خصوصا وأن الإدارة الأمريكية تصر ولحد الساعة على الاعتراف بشرعية بشار وتدعوها لقيادة الإصلاح.
بكل الأحوال ما كان لمثل هذا المؤتمر أن ينعقد، وما كان لشخصيات محسوبة على النظام أن تتكلم بهذه الجرأة (وإن كانت للاستهلاك الإعلامي) لولا شجاعة المواطن السوري الثائر والذي فرض قضيته محليا ودوليا بعدما زعم بشار في مرحلة ما قبل الثورة في تصريحاته لوول ستريت جورنال أنه قريب من شعبه وأن لا خوف على البلاد من احتجاجات ولا تظاهرات. وبالتالي فإن الفضل الأساسي لرياح التغيير تعود للثائرين المسالمين، ولهم يجب أن تعود الكلمة الأولى والأخيرة وقد قالوها، لا حوار مع نظام
يفتقد للمشروعية ويفتقد للمصداقية، يقتل شعبه ويعذب حتى الموت زهرة أطفاله.
بعض المحسوبين على النظام يردد بأن إصلاحات الأسد هي أكثر بكثير مما كان يحلم به كثير من المعارضين على الرغم من أنها لفظية وورقية. وللتذكير فإن فاروق أبو الشامات والذي يرأس لجنة الحوار صرح بعد أيام من تشكيل لجنته بأن الشعب السوري يفتقر للثقافة والتعددية السياسية. السؤال الأهم هو من المسؤول عن احتكار تلويث الحياة السياسية في سورية حتى تصبح الحقوق الأساسية مجرد أماني وأحلام؟
وإذا كان بشار وفي خطبه الثلاثة اعترف بالوضع السيئ في البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية وانتهاكات الكرامة وغياب العدالة الاجتماعية وقد حكم البلاد هو ووالده حكما شموليا مطلقا. الآن وبعد أن قاد مسيرة الفساد والإفساد يأتي ليصبح رمز الصلاح والإصلاح! فهل يعقل أن يؤدي النظام دور القاتل والقاضي أو الخصم والحكم في وقت واحد؟
إذا كان النظام جاد في إصلاحاته وقد أصابته يقظة ضمير مفاجئة (وهو أمر أقرب للمستحيل) فعليه الاعتذار للشعب السوري وإرجاع ثرواته المنهوبة ومحاكمة القتلة والمجرمين. الطريف في مؤتمر دمشق الحواري المزعوم أنه ضم العديد من نجوم الدراما السورية ربما لأن النظام يحتاج لخبراتهم في التمثيل والأداء الفني في إخراج مسرحيته الحوارية والتي هي نقيض سلوكياته الدموية وتصرفاته القمعية.