الإرهابيون المنسيون !
الإرهابيون المنسيون !
أ.د. حلمي محمد القاعود
على صفحات التواصل الاجتماعي نشر بعضهم القصة التالية ، وادعى أنها حقيقية وحدثت بالفعل . تقول القصة التي صغتها باللغة الفصحي :
" صديق في الإسكندرية لقي جسما غريبا وسط الزبالة فاشتبه أنه قنبلة ، وأبلغ عنه ، وجاء خبراء المفرقعات في خمس دقائق . كالعادة ؛ تجمع الناس حول الضابط المتخصص في تفكيك المفرقعات . نظر إليهم وسألهم باستغراب شديد :
- هل لعب أحد في هذه القنبلة ؟
رد أحد الواقفين : نعم . الزبّال وجدها متصلة بموبايل ففصله ..!".
تبدو القصة أقرب إلى النكتة ، ولكن دلالتها لا تخفى بالنسبة لما يضخّه الإعلام الانقلابي على مدار الساعة حول الإرهاب ، والقنابل بدائية الصنع ، وتفكيك هذه القنابل ، ثم اتهام ما يسمى بالجماعة الإرهابية بتدبير كل الحوادث في أرجاء البلاد !
إذا وضعنا دلالة القصة التي تشي بأن الشعب المصري صار كله إرهابيا ؛ مع تصريح أدلى به مسئول مخابراتي سابق ، نكتشف كم هو مظلوم شعبنا المصري التعيس أمام جهات استباحت إرادته وشرعية نظامه وحقه في الكرامة والعدالة والاحترام .
يقول التصريح الصادر عن مسئول بدرجة وكيل جهاز مخابرات أسبق ،ونشر في 18/4/2015 : " إن نظام المخلوع مبارك هو الذي انهار في 18 يومًا خلال اندلاع ثورة 25 يناير، وليست الدولة المصرية. وأشار إلى أن هناك أجهزة كبيرة في الدولة حافظت على نفسها كالقوات المسلحة، لافتًا إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها على أحسن وجه، وأن وجود أخطاء أمر وارد . وأضاف المذكور في حواره على قناة "القاهرة والناس"،: "أن السماح لجماعة الإخوان بتسلق (؟) السلطة عبر البرلمان والرئاسة؛ كان جزءًا من مخطط الدولة ( يقصد الجيش ) ، نظرا لتعاطف عدد كبير من المصريين معهم، إلي أن تأتي اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم".
وأوضح أن مواجهة الإخوان- عقب سقوط الرئيس المخلوع مبارك- كان سيعرض مصر لحرب أهلية، تحولنا إلى سوريا، خاصة وأن الجماعة وعدت المواطنين بالعديد من الأكاذيب (؟) عقب ثورة يناير، منها : توزيع ثروات مصر المنهوبة في الخارج عليهم !
إذا ربطنا ذلك بما قاله أتابك عسكر وهو يطلب تفويضا من الشعب المصري لمواجهة ما سمّاه الإرهاب المحتمل ؛ أدركنا أن كثيرا من الإرهاب صناعة أمنية احترافية لتسويغ القمع وحرمان الشعب من حريته وكرامته وإنسانيته .
الشعب المصري بما فيه الحركة الإسلامية شعب طيب مسالم ، لدرجة أنه سمح للطغاة القتلة المهزومين أمام أعدائهم دائما أن يحكموه أكثر من ستين عاما بالحديد والنار ، وأن يعاملوه كما العبيد ، وصبر عليهم كثيرا ، ولم تكن عمليات العنف التي جرت في الثمانينيّات والتسعينيّات إلا نوعا من الثأر أو رد الفعل على ما اقترفه الجلّادون المتوحّشون ضد أسراهم وعبيدهم . وحين انتفض المصريون في يناير 2011 على القهر والظلم والإجرام ؛ كانت انتفاضتهم من أعظم الانتفاضات السلمية في العالم ، ومثلا يحتذي في أكبر الدول المتمدينة " تذكر حركة : احتلّوا وول ستريت " ، ومع أن الجلادين القتلة قضوا على أكثر من ثمانمائة شهيد ، وما يزيد عن خمسة آلاف مصاب وجريح ، فإن المصريين لم يواجهوهم بالعنف ، بل احتملوا لعلهم يقتصّون بالقانون ، ولكن الإرهابيين المنسيين أفلتوا من العقاب ، و" عادوا إلى مقاعدهم "!
الإرهابيون المنسيون موجودون في سدة الحكم منذ زمن بعيد . ويحكي الصاغ خالد محي الدين في مذكراته أن اليوزباشي أنور السادات كان ضمن مجموعة اغتيالات الحرس الحديدي التي شكلها النظام لاغتيال المعارضين ، وأن البكباشي عبد الناصر شارك مع الصاغ خالد في محاولة لاغتيال بعض الزعماء ، وأنه فجر أنحاء القاهرة قبل عام 1954 ليمنع الديمقراطية وينفرد بالحكم ، ويؤسس للحكم العسكري الذي لم يحتمل رئيسا مدنيا واحدا منتخبا في انتخابات حرة نزيهة لمدة عام ، وكان " الانقضاض " الذي أشار إليه البصاص الكبير لحرمان الشعب المصري من حقه في تقرير مصيره !
الإرهابيون المنسيون موجودون على مدى ستين عاما أو يزيد ، ويعلقون كل حوادث العنف على شماعة ضعيفة ومسالمة هي الإخوان أو الإسلاميون بصفة عامة ، وقد وجدوا في أنفسهم الجرأة ليصموا كل إسلامي بالإرهاب ! ومن أجل تمديد الطوارئ في زمن المخلوع اقترفوا كثيرا من الجرائم ، وخاصة قبيل انتهاء كل مدة طوارئ حيث يفاجأ الناس بحادثة مروعة تعلق في رقبة المسلمين لتستمر الطوارئ وتتمدد ، هل تذكرون حادثة كنيسة القديسين في ليلة رأس السنة بالإسكندرية وراح ضحيتها الشهيد بإذن الله سيد بلال ؟ كشفت ثورة يناير أن القاتل الإرهابي المنسي يقبع في عقر دار من يزعمون أنهم يحاربون الإرهاب! أو الأذرع الأمنية المتصارعة أو شركات الحراسة أو صنّاع البلاك بلوك، أو غيرهم ممن لايعرفون الله ..
قبل أسابيع تم تدمير برجي كهرباء مدينة الإنتاج الإعلامي ، واتجهت التهمة مباشرة إلى الجماعة الإرهابية ، وفي الوقت ذاته تردد كلام عن عميد سابق له علاقة بإدارة الإنتاج الإعلامي ، وكان حارسا شخصيا لمسئول كبير في عهد المخلوع وكانت مدينة الإنتاج الآعلامي بالنسبة لهذا العميد كنزا لايفني ، فكيف يتركها بسهولة ؟ ولكن أحدا لم يفكر في سؤاله أو وضعه في دائرة الاشتباه ، فالمتهمون الضحايا وهم الإسلاميون تحت الطلب في كل لحظة . أضف إلى ذلك أن قوة التدميرالهائلة والحرفية الدقيقة تشيران إلى أن المسألة أكبر من أولئك الذين يهتفون : الداخلية إرهابية ، أو يسقط يسقط حكم العسكر !
الإرهاب المنسي انتقل من مصر المحروسة إلى البلاد العربية ، ويصنعه بشار الأسد ليظل في الحكم ، ويقتل الشعب السوري الشقيق ويكسب تأييد دول العالم الصليبي ذات الخبرة العميقة في صناعة الإرهاب والترويج له بمخابراتها وأجهزتها وجيوشها .ويصنعه الطائفيون في العراق ولبنان واليمن السعيد ، كما انتقل إلى تونس الخضراء لتقوم الثورة المضادة بحادث متحف باردو ، ويتحدث كثيرون عن مشاركة رجال أمن بالتفجير الذي لم يخلف خسائر كثيرة .
حكاية شارلي إبدو الفرنسية ، وصفها الصليبي اليميني المتطرف جان- ماري لوبن مؤسس الجيهة الوطنية اليمينية في فرنسا وفقا لصحيفة لوفيجارو الفرنسية بأنها صناعة أجهزة المخابرات .
لعبة الإرهاب التي تجعل كل المتهمين يعترفون سريعا على أنفسهم ، تحت التعذيب ، أو تحت التهديد باغتصاب الزوجات والقريبات أو يموتون ، لن تؤدي إلى بناء الأوطان أو تقدمها .
الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!