أطروحة في المنهج العقلائي السياسي المعدل
أطروحة في المنهج العقلائي السياسي المعدل
محمد الحميداوي
هذه مجموعة من النقاط تشكل بمجموعها أطروحة تصلح ان تكون أساسا نظريا للقول بالحاكمية الإسلامية على وفق المنهج العقلائي, نزعم إنها تستجيب لمعطيات الواقع المتغير فضلا عن ضمانها تطبيق المفاهيم والقيم الإسلامية الأصيلة بحدود معقولة وسنرى خلالها مناقشة المباني الفكرية للقائلين بالحياة الديمقراطية سواء اعتبرنا الديمقراطية جزءاً ذاتياً من المنظومة الفكرية الإسلامية أو مقولة عقلية ومن الضروري للدين ان يتوافق معها لا أن نعكس المسألة ونسأل عن تبني الدين للديمقراطية أو لا , وهكذا مناقشات أخرى وربما يتضح الأمر أكثر في استعراض النقاط التالية :
النقطة الأولى : النظام والحكومة ضرورة من ضرورات حياة الإنسان، ومن دون وجود نظام وحكومة لا تستقيم حياة الناس، على وجه الأرض. ولا يمكن لأحد أن يشكّك في هذه الحقيقة فضلا عن كون هذا المستند من أهم المستندات -العقلية- التي دأبت الأبحاث الكلامية التقليدية على طرحه للتدليل على ( لابدية الإمامة ) بل لعل الأمر يأخذ مديات أوسع حينما تعد ضرورة الحكم شاهداً على الحاجة المتأصلة للدين (1) .
النقطة الثانية: لايمكن التشكيك- مبدئيا (2) بأن المطالبة بتطبيق أحكام الله وشريعته على الأرض ضرورة من ضرورات الدين وان السعي لإقامة العدل الإلهي وفق الرؤية الإسلامية مع توفر الفرصة أمر لا يمكن المناقشة فيه وعليه إجماع السابقين واللاحقين ومن خالف في هذه المسألة لا يعتد بمخالفته بعد عدم تضعيفها الإجماع السابق أو التقليل من قيمته كمستند شرعي فيما ندعيه(3 ).
النقطة الثالثة: افترق الفقهاء حول مسألة الحاكمية - في عصر الغيبة- الى فريقين: الاول ذهب الى عدم ثبوت شكل محدد للنظام السياسي بعد كون تبني ولاية الفقيه خلاف ماعليه جمهور الفقهاء عبر الأجيال, والثاني يرى- مبدئيا- انحصار مشروعية النظام السياسي في خصوص النظام المبتني على القول بولاية الفقيه ,وكيف كان فاننا نرى ان النتيجة واحدة على الأرض بعد الاستحالة العملية المحكوم بها تطبيق مقتضيات ولاية الفقيه على الواقع العراقي,تلك الاستحالة التي تستند الى مبررات واقعية تأخذ شكلا ذاتيا وموضوعيا لانرى إنها تزول مادام التنوع بأبعاده الفكرية والدينية والمذهبية ضاربا بأطنابه في صميم الواقع العراقي ومعلوم الى إن تصور وجود مجتمع عراقي خال من هذا التنوع وبالتالي يعبد الطريق أمام تفعيل مبدأ- ولاية الفقيه- أشبه بالتصور الخيالي الذي يعد تحققه على الخريطة العراقي قريبا من المستحيلات.
رغم إيماننا بان تلك المبررات لا ينبغي ان تشكل محددا موضوعيا تمنع بموجبه التوجهات الفكرية التي تسند الى القول بالولاية من العمل على مستوى الساحة الاجتماعية والسياسية لأيماننا بان لكل فكرة شعاراتها تمثل مستوى الطموح ولكن يبقى الواقع هو المحك ..
النقطة الرابعة: إن مقولات من قبيل العدل ومحاربة الاستبداد والاستعباد والجور ورفض الظلم وتقليله الى اقل درجة ممكنة وهكذا تحديد السلطة الحاكمة تجنبا للطغيان والجور ,كل هذه وغيرها مقولات تعد من صميم الدين بحيث لا يمكن افتراض دين يدعو الى الضد منها ونظرة واحدة الى الآيات والروايات تثبت بما لا يدع مجالا للشك مطلوبية تلك المقولات دينيا
النقطة الخامسة: لابد لأي نظام حكم ان يستلهم المقولات السابقة وان لا يحيد عنها بأي حال من الأحوال لذا وبناء على عدم وجود شكل حكم محدد وصيغة جاهزة في الفكر السياسي الإسلامي او عدم إمكانية تطبيق تلك الصيغة على افتراض وجودها فلابد ان للشكل العقلائي أن يستلهم القيم والمقولات الإسلامية العليا وبالتالي فانه يكتسب مشروعيته من تجسيده تلك المقولات واستلهامه القيم التي ذكرناه..
النقطة السادسة: أثبتت التجارب ان أفضل صيغة للحكم يمكن أن تحقق الى حد كبير مضامين النقطة الرابعة هي تلك الصيغة المبتنية على- النموذج العقلائي المعدل- ذلك النموذج الذي ابرز معطياته:
الانتخابات الحرة ,فصل السلطات, الحياة البرلمانية , التداول السلمي للسلطة , التعددية السياسية.....الخ , وهذه مقولات تقع كلها تحت عنوان(الديمقراطية )
النقطة السابعة: الديمقراطية تارة ينظر لها كنظام حكم و أخرى كآلية حكم , والتعاطي مع الديمقراطية إنما يكون على مستوى النظر الثاني باعتبارها أدوات واليات أقل ما يقال فيها إن التجربة الإنسانية اثبتت نجاعتها في تحقيق قيم النقطة الرابعة وبدرجة معتد بها, وهذا مايصطلح عليه-المنهج المعدل
وليكن معلوما إننا اسمينا هذا المنهج العقلائي ب - المعدل- لأنه ليس أنموذجاً عقلائياً خالصا بل هو نتاج المزاوجة بين نتاجات-العقلاء- وقيم الشريعة ومفاهيمها العليا, ولابد من التذكير إن مصطلح - العقلاء – لا يساوق وبالضرورة اطلاقه في الابحاث الاصولية والفقهية لوضوح ان تعاطي - الانسان- مع تفاصيل الإدارة والحكم والدولة لاتشكل الحالة العقلائية - بالمصطلح الاصولي- مستندا له, ومن هنا يكون اطلاقنا صفة العقلائية على المنهج المذكور من باب التوسع في الاستعمال فقط وفقط .
النقطة الثامنة: الديمقراطيات العتيدة في العالم الغربي هي الضلع السياسي في مربع النظام الاجتماعي الغربي ومعلوم إن روحها قائم على أساس استقلال الشعب في حكم نفسه بالكيفية التي يراها مناسبة, وفي نفس الوقت تمثل الرأسمالية الضلع الاقتصادي في ذلك المربع والعلمانية الضلع الفكري والليبرالية الضلع الاجتماعي, ومن البيّن تصادم أغلب هذه المفاهيم - بمعناها العريض- مع الفهم الإسلامي ..
النقطة التاسعة : فيما يتصل بكون الديمقراطية أداة تشريعية فلابد ان تتم ممارسة ذلك في المساحة التي هي خارج أحكام الشريعة المنصوص عليها و التي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال, على أن يكون كل هذا في ضوء مراعاة قيم الشريعة ومبادئها العليا .
النقطة العاشرة: النتيجة التي صرنا اليها في مجموع هذه النقاط إن: الديمقراطية على
مستوى الاليات والأدوات متبناة إسلامياً بصورة عرضية لا ذاتية, وبكلمة أخرى :
إن المطلوب إسلامياً هو إيجاد صيغة حكم تحقق قيم العدل والمساواة و إزالة الظلم ومحاربة الاستبداد ومكافحة الاستعباد وغير ذلك ولما كانت الديمقراطية - وبحكم التجربة - أفضل صيغة متاحة فهي بالتالي مطلوبة إسلاميا بل و تمتلك المشروعية دينيا ولو بالعرض .
النقطة الحادية عشرة: الديمقراطية مفردة من مفردات المنهج العقلائي في الحكم والسياسة وتبنيها يعني تبني ذلك المنهج ضمنا ولما كان هذا المنهج نتاجا إنسانياً قابلا للصيرورة والتحول على مستوى المخرجات أمكننا القول بان الديمقراطية قد لا تكون- ولو نظريا- هي الصيغة الأخيرة ولا الفضلى في الحكم والإدارة وبالتالي فمن الممكن أن يظهر نظام جديد يكون متبنى إنسانيا ومدعوما دينيا مادام يكفل تحقيق القيم الدينية الأصيلة التي أشرنا اليها سابقا, والنقطة الجديرة بالإشارة هي: ان
مخرجات المنهج العقلائي إنما تكون معتبرة دينيا عند توفر شرطين :
الاول: أن لا تكون هناك صيغة حكم قد حددتها الشريعة سلفا ودعت الى تطبيقها من دون ان نفترض وجود دليل لها يمكن المصير إليه عند عدم التمكن من ذلك التطبيق , وقد قلنا ان المشهور من فقهاء الاسلام داخل المدرسة الأمامية ذهب الى عدم ثبوت اي صيغة جاهزة في عصر غيبة المعصوم-عليه السلام- وحتى من رفض الفكرة السابقة وامن بوجود الصيغة الجاهزة يرى عدم إمكان تحققها على ارض الواقع المحكوم بتنوع إنساني وديني يجعل من المتعذر فرض الصيغ ذات النزعة الاحادية بغض النظر عن حقانيتها من عدمها.
الثاني: أن يكون ’مخرج المنهج العقلائي أفضل صيغة متيسرة يمكنها تحقيق القيم والمثل العليا في الدين وقد تقدم ذكر ذلك .
النقطة الثانية عشرة: إن التعاطي مع الديمقراطية ليس على اساس تحقيقها العدل المطلق,إن هذا أمر لم يدعيه احد, ولو كانت كذلك لكانت بديلا عن حكم المعصوم-عليه السلام- وهذا باطل بالضرورة الدينية, لكننا نعتقد ان أقصى مايمكن ان يحققه التمسك بالأليات الديمقراطية هو العدل النسبي لذا فان تلك الاليات تبقى افضل المتاح والمتيسر لتحقيق ذلك العدل النسبي, والعقل يحكم بهذه الافضلية بعد اجرائه سلسلة من المقايسات والمقارنات يسلط فيها الضوء على معايب ومحاسن النظم السياسية والاجتماعية فيتوصل بعد ذلك الى ان النظام الاصلح هو ذلك النظام المبني على الاسس الديمقراطية ومن هنا يحكم بضرورته اما وفقا للقاعدة العقلية القاضية بارتكاب اقل الضررين او ما لايدرك كله لايترك جله او اختيار النظام الذي يضمن تحقيق أقصى درجة ممكنة من العدل وتحجيم الظلم بأفضل درجة ممكنة او غيرها من القواعد العقلية المؤيدة دينيا.
النقطة الثالثة عشرة:حاول بعض المفكرين الاسلاميين(4 ) إقامة دليل على انحصار مشروعية الحكم اسلاميا في- المنهج الانتخابي- وذلك عن طريق التمسّك بحكم العقل بتقريب حاصله :
إن العقلاء يرون وحسب طبعهم وفطرتهم أنّ أفضل الحكومات هي الحكومات المنتخبة. حينما تكون على الاُمّة إدارة المجتمع، فإنّ خير منهج تنتهجه لتحقيق ذلك هو العمل بالانتخاب. ويرى العقلاء أنّ حكم الانتخاب يسري حتّى على المخالف لأنّ المنتخب إنّما انتخب بالأكثريّة. فالارتكاز العقلائي يرى أنّ الجميع محكومون بهذا الحكم.
ويقال إنّ هذا الحكم وهذا الفهم عينه كان ثابتاً في زمن المعصومين: غاية ما في الأمر أنّنا ندّعي أنّه مع ورود النصّ يتقدّم النصّ على الانتخاب. وأمّا في غياب النصّ، فإنّ الدور يصل الى الأخذ بمبدأ الشورى والانتخاب والذي هو مبدأ عقلي ارتكازي في تعيين ولي الأمر..
وقد علق مفكر اسلامي اخر بالقول :
( ولكن هذا الدليل على دور الانتخاب في تعيين ولي الأمر يكتنفه نحو غموض في تعيين قصد القائل من أنّ العقل يرى أنّ الانتخاب ورأي الأكثريّة حجة وأنّ حكمه نافذ على الكل.
فهل يقصد القائل بذلك حكم العقل، أو يقصد العادة والارتكاز والسيرة التي جرى عليها العقلاء؟
فإن قصد الاول، فمن الواضح أنّه ليس كذلك، لأنّ العقل لا يأبى عن تعيين ولي الأمر بطريق غير الانتخاب ولو كان حكماً عقلياً لامتنع ذلك.
وإن قصد الثاني ..... الارتكاز العقلائي لأنّ تباني العقلاء قام على أنّ الولاية تتم لمن ينتخب انتخاباً، كفطرة وعادة وسيرة سار عليها العقلاء وليس حكماً عقلياً بذلك المعنى الذي يمتنع خلافه. ويقال حينئذٍ، أنّ هذا الأمر ما دام مرتكزاً عقلائياً، فإننا وكعقلاء نسير عليه مالم يرد نص على خلاف ذلك.
ومع ذلك لابدّ من إثبات موافقة الشريعة الإسلاميّة على ذلك لأنّه كان مرتكزاً عقلائياً لا حكماً عقلياً. وفي مثل هذا المقام، يقال عادة، بأنّ السجية والعادة تعتبر ممضاة شرعأً إذا لم يرد من المعصوم ما يدل على بطلانها
نحن لا نستطيع إثبات ذلك، ما دام الأئمة: كانوا يؤمنون ويقولون بالنصّ لأنفسهم:، ولولا ذلك لقلنا بقبولهم بهذه السيرة لو ثبت تحقّقها آنذاك، ولاستفدنا من سكوتهم : عنها، الرخصة فيها. لكننا - كشيعة - نؤمن بأنّ الإمامة والولاية آنذاك لم تكن مستمدة عن طريق الانتخاب بل عن طريق النصّ. فكيف نستطيع إثبات أن سكوتهم عن ذلك كان رخصة للعمل بالانتخاب
وتعليقا على ذلك نقول :
ان ماذكرناه في النقطة السابقة يصلح جوابا على تعليق المفكر المعترض لاننا لاندعي ان العقل يحكم بضرورة المنهج الانتخابي ابتداء وبصورة مباشرة بل ندعي ان العقل يحكم بذلك بعد اجرائه سلسلة من المقايسات والمقارنات يسلط فيها الضوء على معايب ومحاسن مناهج الحكم المحتملة والممكنة وبالتالي يتوصل الى ان النظام الاصلح هو ذلك النظام المبني على الاسس الانتخابية ولأجل هذا يحكم بضرورته, وكم لهذا الحكم العقلي في الفقه من نظير
النقطة الرابعة عشرة:هناك صنفان من الكتاب الاسلاميين ينّظرون للديمقراطية من زاويتين مختلفتين :
اعتبار الديمقراطية من جوهر الدين وصميمه ويرى غير واحد من هولاء ان الديمقراطية تساوي الشورى بعد حذف الزوائد, ومن هنا فتبني الاسلام للديمقراطية تبنيا ذاتيا.(5 )
ان الديمقراطية تقع خارج دائرة الدين وتفهم بمعزل عنه لان العقل يستقل في التوصل الى ضرورتها من دون الاستعانة بالدين تماما مثلما هو الامر في مباحث كلامية وفلسفية تقع خارج الدائرة الدينية كما في :العدل والحسن والقبح وغير ذلك(6)
والاتجاهان لايخلوان من تحفظات أهمها في عجالة :
إن الاتجاه الاول مبتلي بقلة المستندات الدينية التي يمكن ان تكون أساسا فكريا للقول بتبني الاسلام المنطق الديمقراطي تبنيا ذاتيا لاسيما في مدرسة النص والعصمة,وغير خف ان ارجاع الديمقراطية الى الشورى متفرع على ثبوت الشورى في رتبة متقدمة ومن الملاحظ ان نظرية الشورى كانت ومازالت متهمة من معارضيها بالضبابية وعدم الوضوح سواء على مستوى تقنينها كمنهج حكم اسلامي اوأليات تطبيقها واكتساب مخرجاتها درجة الالزام الشرعي,يتضح هذا من خلال القاء نظرة فاحصة على-الفقه الشورائي .
ويبقى الاستفهام الابرز من الاتجاه الثاني هو :
اننا لو اذعنا بقطعية مقولة الديمقراطية ومفرداتها وقلنا بضرورة توافق الفهم الديني معها فكيف نفسر غيابها بالكامل عن الموروث الديني بشقيه النقلي والعملي ولو على مستوى التأييد؟؟
لقد ألفنا الدين يتكلم حتى في البديهيات فضلا عن القضايا النظرية التي يستقل العقل بادراكها واثباتها , فقد تكلم في التوحيد والنبوة والمعاد والامامة والعدل والجبر والاختيار وصفات الحق تبارك وتعالى وهكذا عشرات القضايا الكلامية والفلسفية والتي تقع خارج دائرة الدين فلماذا سكت ياترى عن الاشارة الى مسألتنا مع انها اسس اساس المجتمع وحجر الزاوية فيه؟؟
النقطة الخامسة عشرة: يبقى الاتجاه الذي فسرنا به علاقة الدين والديمقراطية خاليا من الاشكالين الانفين لان قضية الادارة والحكم بعد القول بضرورتها فانها تحتمل أمرين لا ثالث لهما: فأما أن تكون قد تكفلت بها الشريعة نفسها وهي من تحدد تفاصيلها الدقيقة ,او أن القضية أوكلت الى الناس أنفسهم ,وقد قلنا إن جمهور الفقهاء يرى عدم ثبوت صيغة حكم جاهزة تبنتها الشريعة عند غيبة المعصوم-ع- أو إن الصيغة المتبناة لا يمكن تحققها -عمليا- وبالتالي فان الأمر ينحصر في تطبيق الناس المنهج العقلائي المحدد بحدود الشريعة وقيمها ومبادئها العليا التي اشرنا اليها سابقا و لو بنينا على عدم وجود صيغة محددة سلفا فان نفس سكوت الشريعة عن بيان صيغة الحكم وشكله يكفي لليقين بعهدة الأمر الى -المكلفين- ليختاروا أفضل الأشكال والصيغ التي من شأنها تحقيق العدل وتقليل الظلم وتحديد الاستبداد والجور ومكافحة القهر والاستعباد وغير ذلك من قيم ومفاهيم يحكم المتابع وبأدنى مؤونة انها تمثل روح الدين وجوهره, فالمطلوب اذن هو تحقيق هذه المفاهيم وتلك القيم عبر منهج عقلائي يمثل افضل الممكنات المتاحة ولما أثبتت التجارب ان الصيغة الفضلى المتاحة تنحصر في الديمقراطية أصبحت هذه المقولة مدعوما دينيا .
اذن الديمقراطية ليست مطلوبة بذاتها بل بما هي اداة وألية فضلى لتحقيق القيم السالفة وبدرجة مقبولة ولما كان المطلوب هو هذا أمكننا الجزم بعدم كونها من ذاتيات الدين وبعدم كونها مطلوبة في كل زمان ومكان لان الاستبداد والاستعباد والظلم والقهر أمر لا يمكن تصوره- مبدئيا- في دولة النص والعصمة حتى يقال بالحاجة الى المفردات الديمقراطية هذا اولا
وثانيا: قلنا ان الديمقراطية احد مفردات المنهج العقلائي الخاضع للصيرورة تطورا وتكاملا ولم يدع احد- نظريا- أن ليس بالإمكان أفضل مما كان وحتى الاتجاه الثاني الذي يرى الديمقراطية مقولة عقلية لابد للفهم الديني ان يتوافق معها لابد ان يوجه كلامه بأنه انما يتبنى هذا القول باعتبار الديمقراطية افضل الصيغ المتاحة , ومن هنا فمن الممكن ان ينتج المنهج العقلائي مفردة جديدة تناقض او تخالف الديمقراطية بدرجة كبيرة , ومعلوم ان لو كانت الديمقراطية مطلوبة دينيا- الاتجاه الاول- وعقليا-الاتجاه الثاني- لكانت هذه المطلوبية دائمة ومستمرة و لا يستثنى منها حال دون حال وهو خلاف الضرورة الدينية التي توجب استثناء زمن المعصوم-ع- نبيا كان او اماماً- وعدم اباء العقل من ظهور مقولة جديدة تكون اكثر تجسيدا للمقولات الدينية والانسانية وبالتالي تكتسب الشرعنة الدينية
يبقى الكلام في ان هذا التأصيل الفكري انما يؤسس للمنهج العقلائي ضمن الحالة الدينية وهي -اي الحالة الدينية - احد مفردات الواقع العراقي وليست كل المفردات وبالتالي فان الضرورة البحثية تلزمنا التأسيس للتعاطي مع الخارج عن الدائرة الدينية وبأدوات معرفية إسلامية, ولعلنا نستجيب لهذه الضرورة في مقال اخر .
-- -----------------------------------------------
فلسفة الدين-الدليل الثاني في الحاجة إلى الدين والنبوّة-علي العبادي تقريرا لدروس سيدنا الاستاذ كمال الحيدري
من ذهب من القدماء الى حرمة اقامة الحكم الاسلامي في ظرف غيبة المعصوم-ع- لاينكر مبدأية اقامة الحكم الاسلامي بيد انه يرى غيبة المعصوم مانعا عن تفعيل تلك المبدأية,وهناك مناقشات كثيرة لهذا الرأي واحدة منها مخالفته لفلسفة الدين وسر الحاجة اليه.
لاحظ:الاسلام واصول الحكم لعلي عبد الرازق
السيد كاظم الحائري- المرجعية والقيادة ص29
النظام السياسي الاسلامي-على المؤمن
عبد الكريم سروش في الدين العلماني- المقالة السادسة.