الزيجات الباردة الكاذبة
صالح خريسات
كل زواج له قصة. ولكن الزواج الفاشل وحده، تنتشر قصته بين الناس، والسبب أننا بحاجة إلى جواب على سؤال، يخطر دائماً ببالنا، عقب كل زواج فاشل: لماذا فشل الزواج؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ وهل هناك فرصة لإعادة بناء بيت الزوجية، بعدما تم تدميره؟.
وإذا تركنا للزوجة فرصة لتقول كل ما لديها من أشياء تعتقد أنها سبب فشل زواجها، وإذا تركنا للزوج فرصة مماثلة، فإننا لا نكاد نسمع إلا مساوئ الزواج، بينما يتكتم الزوجان السعيدان على سعادتهما، خشية الحسد والغيرة والتقليد.
إن الطريقة التي يتعرف الرجل بها على زوجته، تقرر نتيجة الزواج مسبقاً، ولا يعني استمرار الزواج حتى النهاية، أن الزوجين عاشا في سعادة وهناء. وقد نكتشف أنهما بقدر ما كانا يجهدان في سبيل تحصيل السعادة، كانا يبعدان عنها، ولا يقتربان. بيد إن وجود الأولاد، والأوضاع الاقتصادية، وما يترتب على الزوج من نفقات إضافية، قد تكون عاملاً مساعداً في بقاء الزواج واستمراره ، ولكننا لا نستطيع أن نسميه زواجاً ناجحاً أو سعيداً.
وإذا دققنا في تفاصيل الحياة الزوجية، فإننا نكتشف أن الزوجين - وأنا أقصد في الزواج الفاشل - لم تكن تربط بينهما علاقة حب صادق، وإنما هما استجابا لضغوطات الغريزة الجنسية، فقررا تصريفها وفقاً للشرع والقانون. يدلنا على ذلك، أن الزوجة، ومنذ أيام زواجها، تسعى إلى تعلم طرق منع الحمل، ويساعدها الزوج على هذه المهمة، باتباع التعاليم الخاصة في فراش الزوجية.
وبالرجوع إلى قصص الحب والزواج، في المجتمع الشرقي، نكتشف أن الحماقة والجهل، والجمود والتخلف، وضيق الأفق، هي أسباب فشل الزواج. وليس صحيحاً أن الأوضاع المالية للزوج، تكون في الغالب سبب فشل الزواج. بدليل أن الزوجة تدرك وضع زوجها المالي قبل أن تقترن به. وليس صحيحاً أن جمال الزوجة، أو قبحها، هو السبب في فشل الزواج، على افتراض أن هذه الزوجة لم تكن منقبة، ولم تخف وجهها عن خاطبها. إن الزيجات الصحيحة بين الطبقات المتماثلة لا تفشل مطلقاً! إلا إذا توافرت أسباب فوقية، تكون فيها فائدة الانفصال أكثر من فائدة استمرار الزواج أو بقائه.
وقد سجلت عدداً من الزيجات الباردة الكاذبة، التي لا يقاس عليها ولا تصلح أن تكون مادة للدرس. إن من بيننا من يندب حظه في الزواج، لأن زواجه كان قائماً في أساسه على محادثة مؤدبة، دارت بينه وبين الفتاة التي أصبحت زوجته فيما بعد. وقد يبلغ به الانحدار أن يتزوج من امرأة ساقطة لأسباب يعلمها هو ولا يريد أن يفصح عنها، لكنه في كل الأحوال يجد ضالته عندها.
إن أحد أهم أسباب فشل الزواج في بلادنا، وجود الحواجز بين الرجل وزوجته، فهو لا يجرؤ أن يفعل أمامها ما يريد، فيشعر بالضيق والحرج والرغبة في الخروج من البيت. وإذا كان هذا الحاجز يتعلق بالحياة الزوجية، فمن المؤكد أنه سيخون زوجته، مع امرأة تسمح له بما لا تسمح به زوجته. وقس على ذلك أيضاً بالنسبة إلى الزوجة. وقد أجريت دراسة حول هذا الموضوع، كانت نتائجها مذهلة وخطيرة. فإحدى الزوجات تدعي أنها تنام ولحية زوجها تفصل بينها وبينه، مما كان يسبب لها العصبية والاضطراب، فأخبرته بذلك، فغضب، واتهمها بالميل إلى الشباب، فخلعته. وزوجة أخرى، تقول أن زوجها يمضي ثلثي الليل مع أهله، وما من مرة عاد إلا ووجدها نائمة. وزوجة أخرى تدعي أن زوجها كان يطلب منها، كل ليلة، غسل قدميه بالماء والملح.. وهكذا.
ونقلت كتب علم النفس، قال رجل أنه اختنق بوقار زوجته الرزين العظيم، فتركها هرباً من الموت. وإن امرأة ذات نشاط عظيم، ولطف كبير، فائقة في محبتها الهادئة، ربة منزل ناجحة وأماً فاضلة، ولكنها لم تكن قط عاشقة مدلهة. ومن هنا كانت مشكلة هذه الزوجة، فنشاطها العظيم يجعل زوجها لا يستمتع بها، وطيبتها البالغة تضايقه، وحياتها المنزلية الرتيبة تجعله لا يشعر بما ينبغي أن يكون بين الزوجين من حب متبادل، فهجرها إلى بلاد الهند. وهناك من كتب بسخرية عن أولئك الرجال الفزعين، الذين يشعرون بالتعب والإرهاق، ويسيرون في طريق لا يعرفون إلى أين يفضي، وقلما يعودون إلى البيت إلا بعد أن تنام زوجاتهم. وهناك من تزوج من امرأة لم يحبها، وذلك لأنه عرضها لسوء الظن عندما وجد معها بعد منتصف الليل، ولكن التزامه الأدبي والأخلاقي، لم يمنعه من الانفصال عنها، فخرج ولم يعد. وآخر تزوج من امرأة كان يعبدها، ولكنه لم يستطع أن يكون أميناً لها، فخجل منها وسافر إلى بلاد بعيدة، ولم تعثر له على عنوان. وهناك الزوجة التي كان زوجها يخونها، تضعف أمام عبث زوجها، فتصبح موضوعاً لثرثرة أهل القرية. وهناك زوجة تحترق بصبرها، وأصبح فقر زوجها الذي كان مفخرة في الماضي، أحد أسباب ضيقها. وقد دخلت الآن قيم جديدة، ومبادئ جديدة، مأساتها الازدراء البائس البارد. ولكن يجب أن تستمر حملات التوعية والتثقيف، حتى نتوصل إلى أسرة هادئة هانئة، كما أرادها الخالق، وأرادها القلب الخافق، المعذب بالحب.