حتى العفاريت لم تسلم منهم
كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
من الظواهر الجديدة المثيرة للسخرية في الوطن العربي أن طقوس
السحر والشعوذة تسربت إلى الأوساط السياسية العربية, وشاعت بين بعض رجال القضاء,
فانحرفت بوصلة التردي نحو دهاليز العالم السفلي, ونحمد الله أننا عشنا حتى بلغنا
اليوم الذي سمعنا فيه بحكاية القاضي السعودي الذي قبل رشاوى بقيمة 600 مليون ريال
مقابل تسهيل استيلاء عصابة على أراض وفيلات مملوكة للدولة, وقال القاضي المرتشي في
دفاعه انه تعرض لغواية عفاريت الجن وألاعيبهم, وانه (معمول له عمل), وان العفاريت
ركبت على ظهره, وحرضته على الفساد, واستغلته لتحقيق الأغراض الدنيئة لسبعة مكاتب
هندسية, وشهدت قضيته المعروضة على محاكم المدينة المنورة تطورا جديدا, إذ طلب
المحامي إحضار الجن إلى مجلس الحكم لسماع أقواله وتدوينها أصوليا, ومن ثم إخضاعه
للعقاب الصارم, وفي تصريح طريف لصحيفة عكاظ, قال المحامي: (إن صح ما ذكره القاضي
فإن الجني إما فاسق, أو كافر مبعوث من ساحر خارج الملة), واستعانت المحكمة بالراقي
الشرعي (فايز القثامي) لاستجواب الجني المتهور, الذي سكن القاضي المتهم في قضايا
الفساد, فوضعتنا المحكمة بين خيارين لا ثالث لهما, إما أن نصدق أن القاضي مسحور
ويسكنه جني خبيث, أو أننا لا نؤمن بوجود السحر والجن فنكون في نظرها من الكافرين,
وهي التي وضعت ثقتها في شهادة هذا الجني مع علمها المسبق بأنه عفريت ابن عفريتة ؟,
فطاردته وضبطته بالجرم المشهود, ونجحت في اختراق خطوطه الدفاعية, وكسرت طوق الحماية
المشددة الذي وفرته له قبائل الجن الأزرق ومرتزقة البلو ووتر, لكنها فشلت في ضبط
المتورطين بنهب أموال الدولة وممتلكاتها.
المحزن في هذه القضية الغريبة المرفوضة أنها استغلت القضاء
السعودي في تبرير أعمال النهب والاختلاس, وان القضاء نفسه استعان بالأعذار والذرائع
الواهية, ولجأ إلى الأساطير والخرافات في تلفيق الاتهامات للعفاريت والأبالسة,
وتبرئة اللصوص والسراق الآدميين, وإظهارهم كضحايا من ضحايا السحر والشعوذة.
وقعت هذه الحادثة في البلد العربي الذي يتبوأ المركز (63) بين
الأمم في معايير العفة والنزاهة لمنظمة الشفافية الدولية, فما بالك بما يجري اليوم
من تعاملات مخزية في الأقطار العربية الأخرى التي جاء تسلسلها في ذيل القائمة,
فكانت مراكز الفساد الأولى عالميا من نصيب الصومال, ثم العراق, ومن بعده السودان,
ووصلت قضايا الفساد هناك إلى المستوى الذي يشيب له الولدان, ويغري قبائل الجن
باستثمار مهاراتهم السحرية لنشر أساليب الغش والخداع والتضليل, ويدفعهم لتسخير
عفاريتهم في مشاريع النهب والسلب والنصب والاحتيال, وربما سيفتتحون لهم فروعا
لتجهيز وتوزيع العفاريت على الزبائن, ووضعهم تحت الطلب في خدمة البرامج التخريبية,
وسيأتي اليوم الذي تتأسس فيه مفوضية جديدة على غرار مفوضيات الجامعة العربية, يُطلق
عليها (المفوضية العليا لمراقبة العفاريت والأرواح الشريرة), والتي ستكون بمثابة
طوق النجاة لتبرير انتهاكات أصحاب النفوذ والسلطة ومخالفاتهم, وإلصاقها بمؤامرات
الجن ودسائسهم, وأشتاتاً أشتاتاً أشتوت.
لقد أصابتنا هذه الأحداث المضحكة المبكية بثلاث جلطات جاءت
متزامنة مع بعضها البعض, الجلطة الأولى سببها المحاولات المغرضة لتشويه صورة
الأماكن المقدسة التي انبثقت من أرضها الطيبة مشاعل العلم والنور والإيمان, والجلطة
الثانية جاءت بسبب تصدع سمعة القضاء العربي وهيبته, أما الجلطة الثالثة فوقعت بسبب
هذا الاستخفاف السافر بعقول الناس. .