التدخينُ والمَشاهِدُ المؤسفة
التدخينُ والمَشاهِدُ المؤسفة
رأفت عبيد أبو سلمى
المشهد الأول المؤسف : بينما كنت أمشي ذات يوم بأحد شوارع قريتي فإذا بي أشاهدُ رجلا ً في الأربعين من عمره يشعل سيجارة تتصاعد أبخرة الدخان منها حتى كادت أن تغطى ملامح وجهه ، عجبت لذلك ، وازدادت دهشتي بل واستنكاري لهذا المشهد وأنا أرى هذا الرجل المدخن يحمل طفله الصغير على كتفه ، وتكاد تختنق أنفاسه من أثر هذا الدخان الخارج من منخري وفم والده ، وتصاعدت مني عبارات الاستنكار ، وأنا أرى هذا الوالد المأفون الجاهل وهو يطبع قبلة على خد طفله المسكين ، وسألت نفسي سؤالا : أين عقل هذا الرجل وهو يقتل ابنه ؟ لا شك أنه يحب ولده بالفطرة التي جبلت عليها جميع الخلائق حتى الوحوش ولكن ( مِن الحُبِّ ما قتـَـل )
وليت شعري هل يدري هذا المدخن أن هذه هي القبلة القاتلة !!! وأن ولده الصغير هذا يدخن معه برئتيه الصغيرتين ، ويستقبل بهما ضخات من الدخان المميت ، ثم أظل أتساءل ما حييت : ما هي اللذة الكامنة في استنشاق هذا الدخان القاتل المدمر ؟؟
المشهد الثاني المؤسف : هو مشهد جاري المسن الذي بلغ الثمانين من عمره ، وهو يمارس التدخين حتى هذه المرحلة العمرية الحرجة الخطيرة ، لقد رأيته ذات يوم وهو يدخن السيجارة بنهم غريب ، فإذا أخذ منها نفسا عميقا أخرجه دخانا تكاد تخرج معه روحه ، وإذا صوت السعال المزعج والمؤلم معا ً يخرج من صدره يسمعه القاصي والداني من جيراننا ، هذا الصوت الذي يعلو مع سحابة الدخان التي يضخها من فمه ومنخريه فتقشعر منه الأبدان ،،،، وأجدني أقول في نفسي : ما هو الداعي أيها الشيخ المسن الهرم لقتل نفسك بهذه الصورة الشنيعة المؤلمة ؟؟!!
وانتهت حياة الرجل الذي أسلمه التدخين إلى سريره مريضا عليلا
بعد أن اجتمع عليه ضعف الشيخوخة والضعف الناتج عن هذه العادة القبيحة التي أورثته مرضا عضالا لا يرجى شفاؤه ،، ورحل هذا الجارُ عن الدنيا ليطوي معظم صفحــــــــــات أيام حيــــــــاته - شابا ً وكهلا وشيخا - في كتيبة المدخنين الهالكين ...
المشهد الثالث المؤسف : وهو لأحد زملاء العمل والذي غطى الشيب رأسه حتى ابيضت كلها ، وهو على مشارف الستين من عمره ، أشاهده في صباح كل يوم يجلس في الحديقة المطلة على مكتبه ، يحتسي فنجان القهوة ، و يعانق السيجارة بكلتا يديه ، وهو يحتسي ذلك السم الذي يقطر منها مع كل نفس ، عجيب أمرُهُ ، لطالما نصحناه وبمنتهى الود والاحترام ولكن دونما جدوى ....
ولطالما عاتبناه عتاب المشفق عليه من هذي العادة الآثمة مرات ومرات ، ولكننا لم نجد الحد الأدنى عند زميلنا ذي الشعر الأبيض من الاستجابة لما نقول ،،
ذات يوم وجدناه متغير الوجه ، ممتقع اللون ، تبدو عليه علامات الأسى والحزن ، سألناه ماذا وراءك ؟ فأجاب بلهجة حزينة وكلمات منكسرة : إنني أعاني من وجود قرحة كبيرة بالمعدة تسبب لي ألما لا يطاق ، طمأنه الزملاء ،، وأخبروه بأنها شيء بسيط ، وليس ثمة داع للقلق والحزن والاضطراب ..
تم عرض زميلنا على أحد الأطباء المتخصصين فأفاد بلزوم أخذ عينة من القرحة وتحليلها ، وأضاف قائلا بأن هناك اشتباها في كونها ورما خبيثا في جدار المعدة ،، زاد حزن صاحبنا الذي امتنع عن التدخين استجابة لأمر الطبيب المتخصص و الذي حذره من مغبة مواصلة هذه العادة القاتلة ..
وأخيرا ظهرت نتيجة فحص العينة ، وجاءت مطمئنة والحمد لله على ذلك ، و إذا بزميلنا - وللأسف الشديد - يعود إلى التدخين وبشراهة منكرة كأنه ما تعرض لأزمة أو نزل به ألم ..
سنوات وسنوات وهؤلاء المدخنون يمارسون عادة التدخين بلا توقف ، يدق ناقوس الخطر فوق رؤوسهم وهم لا يسمعون ، وإذا سمعوا فإنهم يتجاهلون النذير ...
ترى ما هو السبب الذي أوصلهم إلى ذلك ؟
معظم المدخنين يدخلون إلى نفق التدخين الأسود ، والقليل منهم من يفكر في الخروج منه ، والأقل منهم من يخرج منه فعلا ...
أطفال في عمر الزهور يقتلون أنفسهم ، ويدمرون أبدانهم ، وهم يتناوبون على التهام أنفاس من سيجارة واحدة يقتسمونها ..
إنها صرخة مدوية أطلقها في هذه الكلمات – وهي جهد المقل - حفاظا على الأجيال القادمة التي ستصنع النهضة لبلدنا الحبيبة مصر : أفيقوا أيها الناس ..
لقد أصبح فرضا ً لازما ً علينا جميعا أن تتضافر جهود المسجد والمدرسة وأجهزة الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني حتى تنتهي هذه المشاهد المؤسفة من حياتنا ...
تعالوا بنا جميعا نرفع شعار : لا للتدخين بعد اليوم