القدس لن تكون إلا عربية
جميل السلحوت
قبل أن تخمد نيران حرب حزيران 1967العدوانية، وما تمخضت عنه من هزيمة نكراء أوقعت الضفة الغربية وجوهرتها القدس وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية، وسيناء المصرية تحت الاحتلال الاسرائيلي، شرع المحتلون الاسرائيليون بهدم حارة الشرف وحيّ المغاربة، وحي النمامرة في القدس القديمة، وفي المنطقة المحاذية لحائط البراق- الحائط الغربي للمسجد الأقصى-، من أجل إقامة حيّ يهودي مكانه، فهدموا أكثر من الف بناء تاريخي، منها مساجد ومدارس، وشردوا أكثر من ستة آلاف فلسطيني هم سكان الأحياء المهدومة، كما شرعوا في حفريات استهدفت أساسات المسجد الأقصى في البداية بحثا عن الهيكل المزعوم، من الجهة الغربية، حيث يعتبرون الحائط الغربي ويسمونه"حائط المبكى" يقيمون فيه صلواتهم واحتفالاتهم الدينية، وتبعتها لاحقا في كافة أرجاء المدينة، كما ترافق ذلك مع هدم الجدار الحدودي الذي كان يمتد من باب العامود إلى المصرارة، والذي بني بعد سيطرة اسرائيل على القدس الغربية في حرب العام 1948، وفتحوا باب الخليل والباب الجديد، المغلقين أيضا منذ تلك الحرب، ليجتمع بعدها الكنيست- البرلمان- الاسرائيلي ويتخذ قرارا في 28 حزيران 1967، بضم القدس الشرقية المحتلة الى القدس الغربية، لتشكل"القدس الموحدة عاصمة اسرائيل الأبدية" كما جاء في القرار أحادي الجانب، واسرائيل التي استغلت ظروف الحرب في تلك الفترة، لم تأخذ بعين الاعتبار القانون الدولي الذي ما احترمته يوما في تعاملها مع القضية الفلسطينية، تماما مثلما جاء قرارها رغما عن إرادة مواطني هذه المدينة الفلسطينيين الذين توارثوها أبا عن جد منذ آلاف السنين، وبالرغم من القاعدة القانونية القائلة بـ"أن لا مكاسب للاحتلال". ولم يقتصر رفض قرار الكنيست الاسرائيلي على الفلسطينيين والعرب فقط، بل تعداه إلى مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صدر منهما أكثر من قرار يدين قرار الكنيست ويعتبره لاغيا، ولم تعترف أي دولة في العالم بقرار الضم الاسرائيلي للقدس الشرقية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم اسرائيل في كافة المجالات، وتوفر لها الحماية في المحافل الدولية، بحيث أن أمريكا استعملت حق النقض"الفيتو" مئات المرات في مجلس الأمن الدولي لمنع أي ادانة لاسرائيل، كما أن غالبية الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية وبقية الأراضي العربية المحتلة، هو على حساب دافع الضرائب الأمريكي.
توسيع حدود بلدية القدس:
ولم تقتصر الأطماع الاسرائيلية في القدس على المدينة العتيقة التي يحيطها سورها التاريخي وحدها، فقد قام المحتلون بتوسيع حدود البلدية من خلال ضم بعض القرى المحيطة بالمدينة، مثل: رافات، بيت صفافا، أم طوبا، صورباهر، جبل المكبر والسواحرة الغربية باستثناء حيّ الشيخ سعد، سلوان،الثوري، الطور-جبل الزيتون- وادي الجوز وحيّ الصوانة، العيسوية، شعفاط، مخيم شعفاط وبيت حنينا الجديدة، لتصبح مساحة الأراضي المحتلة الواقعة داخل حدود البلدية حوالي سبعين كيلو متر مربع، والهدف طبعا كان واضحا من البداية، وثبت على أرض الواقع لاحقا، وهو من أجل البناء الاستيطاني، لفرض حقائق على الأرض تمنع أي تقسيم لاحق للمدينة، مما يعني منع أي حلول سلمية قادمة.
مشاكل نتجت عن الضم:
يبدو أن الاسرائيليين قاموا بضم القدس القديمة وبعض قراها، من خلال خرائط جوية لم تراع الواقع على الأرض، مما سبب معاناة قاسية جعلت حياة المقدسيين الفلسطينيين جحيما، خصوصا بعد إغلاق المدينة أمام أبنائها الفلسطينيين منذ 28 آذار –مارس- 1993فعلى سبيل المثال جرى تقسيم قرية السواحرة إلى أربعة مناطق، فحيّ الشيخ سعد وهو امتداد لجبل المكبر تم فصله واعتباره "قرية مستقلة"مع أنه لا يوجد له أي مدخل او مخرج إلا من جبل المكبر، والجزء الشرقي من القرية، اعتبروه "قرية"أخرى تتبع بيت لحم، وجزء يتبع البلدية، موجود ما بين الجزء الشرقي من القرية، وقرية أبو ديس المجاورة، ولا تواصل له مع القدس إلا من خلال مناطق أخرى وعبر حواجز عسكرية تشبه المعابر الحدودية بين دول متحاربة، بل هي أكثر سوءا، وهذا التقسيم اللاعقلاني واللا إنساني ترك مآسي على جميع مواطني القرية، منها وجود مقبرة البلدة، والمدارس، والمراكز الصحية داخل حدود البلدية، ومنها تشتيت العائلات الواحدة، ومنع المواطنين من الوصول الى أراضيهم.
ولا يختلف الوضع كثيرا في قرية بيت حنينا، حيث تم عزل البلدة القديمة عن أحيائها الجديدة، وكذلك بالنسبة لشعفاط ومخيمها، ولمنطقة قلنديا والرام وكفر عقب ومنطقة مطار القدس، وسمير أميس، بحيث أنه لم يعد عجبا أن ترى رصيف أحد الشوارع داخل حدود البلدية، والرصيف الآخر خارجها.
أما القرى الأخرى الواقعة خارج حدود البلدية فمعاناتها كبيرة جدا، ولكم أن تتصوروا على سبيل المثال أن مواطني أبو ديس والعيزرية والزعيّم لا يستطيعون الاستشفاء في مستشفيات القدس أو الصلاة في الأقصى مع أنهم يبعدون عنها بحوالي كيلومتر واحد.
مصادرة أراضي القدس:
منذ بداية احتلال المدينة شرعت اسرائيل بمصادرة أراضي الفلسطينيين بـ"حجة مصلحة الجمهور" والمقصود بالجمهور طبعا هم المستوطنون اليهود، فصادرت حوالي 35%من مساحة القدس الشرقية للبناء الاستيطاني، وتم بناء أكثر من ستين ألف وحدة سكنية استيطانية لليهود، يقطنها حوالي مائتين وثلاثين ألف مستوطن، في حين كان عدد البناء اليهودي والمستوطنون اليهود في القدس الشرقية حتى الرابع من حزيران 1967 صفرا.
وفي نفس الوقت حصرت البناء العربي في 14% من الأراضي هي مكتظة بالبناء أصلا قبل وقوع المدينة تحت الاحتلال، ويبلغ البناء العربي الآن حوالي 30 ألف وحد سكنية، في حين كان في الرابع من حزيران 12 ألف وحدة، وتضع البلدية والداخلية الاسرائيلية شروطا تعجيزية لحصول المقدسي الفلسطيني على رخصة بناء، ومن يبني بدون ترخيص فإنهم يهدمون البناء ويحكمون صاحبه بغرامة مالية كبيرة، أو يسجنونه.
ويجدر التذكير هنا أن حوالي 15%من مساحة القدس الشرقية هي للخدمات العامة كدور العبادة والمدارس والمستشفيات والشوارع والحدائق العامة، في حين تعتبر بقية الأراضي خضراء يمنع البناء فيها بحجة عدم التنظيم لتبقى احتياطيا للإستيطان اليهودي الذي لم يتوقف يوما منذ وقوع المدينة تحت الاحتلال.
جدار التوسع الاسرائيلي:
بعد أن اكتمل جدار التوسع الاسرائيلي في العام 2007 عُزلت القدس نهائيا عن محيطها الفلسطيني، وامتدادها العربي، وتم إخراج حوالي 150 ألف مقدسي خارج الجدار، مما يعني ابعاد أكثر من نصف المقدسيين البالغ عددهم 273ألفا عن مدينتهم، وفي الجدار عدة معابر حدودية منها:معبر قلنديا، حزما، الزعيم، قبة راحيل، أم طوبا، إضافة الى معبرين خاصين واحد على مدخل حيّ الشيخ سعد وآخر على مدخل الجزء الشرقي من السواحرة.
وماذا بعد:
تهويد القدس يجري بشكل يومي، مع أن الاسرائيليين يعلمون قبل غيرهم أن لا حلول سلمية بدون عودة القدس لشعبها الفلسطيني، كونها عاصمته السياسية والدينية والتاريخية والحضارية، ولا يمكن إقامة دولة فلسطينية بدون القدس، عدا عن أهميتها الدينية للمسلمين والمسيحيين.