أيها المتحولون.. اذهبوا فأنتم الطلقاء
" لقد انتهت اللعبة , ومات الشاه , وتكسرت كل الأصنام
قدري شوقت محمد الراعي
وباتت جموع الشعب تحلم في لياليها بالحياة النظيفة
حرية ...وعدالة....وكرامة "
السيدات والسادة الأعزاء..
من بني مصر الخالدة..
أصحاب الياقات البيضاء .
أيها الموهوبون مثلما السحرة في الظهور والاختباء , في اقتناص كل الفرص , والأكل من كل الموائد.
أيها المتلونون ..المقنعون بألف قناع وقناع ..الممتطون الموجة باقتدار في العهد البائد.
الذين تصدرتم المشهد واللعبة إبان النظام الفاسد ...
واحتشدت أياديكم تصفق للعرش القميئ ومن حوله , وتدق الطبول فرحة نشوانة تحتفي بتلامذة الشيطان وشلل السواد
المتخرجة من جامعات الظلم , وكليات القمع , ومعاهد الكهانة والدجل.
وأوقفتم أنفسكم , وأقلامكم , وفنونكم , وأموالكم لتعميد الفرعون الأكبر نصف اله علي أرض مصر , يحكمها كيف يشاء
خالدا مخلدا حتي الممات.
ولم تدخروا جهدا في تدشين كبسولات الوهم , وعقاقير الهلوسة , وحبوب الكذب , وأقراص الرياء , وأمصال النفاق
في صيدليات الشعب البائس.
فمنحتم " الطاغوت " جائزة نوبل للسلام.
وأهديتم " الديكتاتور " نيشان الحرية.
وقلدتم " السفاح " وسام العدالة.
وأعطيتم " فرق الحواة " الماهرين في أداء لعبة السير علي الأحبال داخل السيرك السياسي شهادات تقدير.
وصنعتم للفرعون صنماً, ضخماً, كبيراً , جعلتم تطوفون حوله , وتدورون في فلكه , وتسبحون بحمده صباح مساء
ونصبتم أنفسكم حباً وكرامة خداماً , وحراساً للمعبد الملعون.
فرعونه...
وكهنته...
حتي خفرائه.
أيها الموهوبون , المهرة , المحترفون , اللاعبون –بفن وابداع- بالبيضة والحجر في أندية الباطل , وحلبات الفساد
ومهرجانات الزيف والتدليس وقلب الحقائق..
أيها الإخوة الكرام..التحية لكم جميعاً والسلام
من أرض مصر الطاهرة النقية أحييكم , وأسألكم لا فوض فوكم:كيف حالكم ؟
عساكم بخير بني وطني , متعتم بالسعادة والأمان , وأذكركم ونفسي بقول الله الحكيم المنان : " فأما الزبد فيذهب جفاءاً
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
خبروني أيها الرهط الكريم ..الان وقد انفض المجلس العتيق , وكفت الثكالي عن اللطم والنحيب , وقطعت (جهينة) في الميدان
قول كل خطيب..
ما رأيكم في دولة " الفيس بوك " ...؟
وحكومة الشباب..؟
وشرعية الميدان...؟
وشهادة التاريخ الموثقة عن ثورة الشباب المصري ضد غربان الخراب , وقراصنة السفينة , وجرذان الحصاد.؟
ما رأيكم في الثورة البيضاء ..المباركة..المعجزة التي انطلقت مردتها من قماقم الظلم والخوف يوم الخامس والعشرين
من يناير لتكنس في طريقها كل أردان الفساد , وتنادي في الوجود بالحرية والكرامة والعدالة بين العباد ..؟
تري ما تقولون بعدما سقط " الصنم الأكبر" وانعتق صوت الحرية من قبضة السجان ليعانق أفئدةً مكثت في الظلام عقوداً
تحلم بالنور..وتربت علي ضمائر شريفة شربت من مرارات الظلم والقمع حيناً من الدهر حتي ارتوت.
ويقذف في حنايا الشعب المقهور- زمناً طويلاً- بشائر الأمل , ونسمات التغيير , وأنوار العدالة الحقة..؟
أنتم خائفون , أليس كذلك؟
فمكاسب قوم عند قوم خسائر , والمرحلة الجديدة بلا شك أكبر بكثير من مواهبكم ..وتحدياتها الحبلي بالأماني والامال
الجسام أشد بلاغة وفصاحة من كل معاجم اللغة ودواوين الشعر التي تحتفظونها بعقولكم.
لقد سعت جحافلكم في العهد البائد عقولاً وأقلاماً وفناً وأموالا ً من خلال منابركم , وأحزابكم , واعلامكم إلي تزييف الواقع
المرير الذي يعيشه فوق أرض النيل أبناء مصر..
فرسمت أياديكم صورةً ورديةً لمجتمع مصر الراقد فوق مستنقع الفساد , وابتكرت عقولكم "كاريزما" كهنوتية مقدسة
وضعتموها علي رجل أضاع قضية شعبه لقاء نزواته , وألقي بالسواد الأعظم منهم في كهوف الجهل والفقر والمرض
كنتم تكذبــــــــــون..
وتعلمون جيداً أننا نعلم أنكم تكذبون.
فما الصورة الوردية التي رسمتموها لنا عن وطن رائعٍ تنساب في ربوعه جداول الحرية , وتسطع فوق أرضه شمس
الديمقراطية إلا رماداً كنتم تنثرونه فوق النار حتي يخمد لهيبها.
وما الكاريزما المقدسة إلا قناع مهترئ ألصقتموه علي وجه رجل هرم , عجوز , حكم البلاد حقبة من الزمن لم يكن فيها أميناً
علي شعبه , ولم تكن له رؤية اصلاحية واضحة المعالم ينعش بها مستقبل الوطن المحتضر..
لقد كانت " كاريزما " من الشيكولاتة انتهت صلاحيتها منذ زمنٍ , ففسدت قيمتها , وأفسدت حياة شعب بأكمله.
***.....
كانت في الشوارع العامة, والطرقات , في المترو , وأماكن العمل , علي امتداد كورنيش النيل , وفي الحدائق العامة
علي حوائط المنازل , وحتي جدران بيوت الراحة المنتشرة في الأزقة والأسواق.
في كل شبر من هذا الوطن الجميل...
كانت تطالعنا كل يوم نقوش , وألفاظ , وعبارات ....صور , ولوحات , ويافطات
تخرج لسانها لنا , هازئة بنا , ساخرة من أوجاعنا , مستخفة بعقولنا , تبصق في وجوهنا بازدراء .
تتحدث باسم الشعب المقهور قائلة في وقاحة:"جموع الشعب تبايع الفرعون , نعم للفرعون مدي الحياة.."
وكنا نتساءل وقتها في حيرة وامتعاض ...بربكم ما تقصدون بعبارة(مدي الحياة) حياة الفرعون أم حياة الشعب..؟
كانت عادة "البصاق" يومية كل صباحٍٍ , كل مساء..نتحملها بالجبر والاكراه.
وفي المذياع والتلفاز... كان النشيد الوطني للبلاد مخنوقاً يحتضر...يحاول حانوت الإعلام وأده , واقتلاعه من حنايا القلوب الشريفة
المحبة , فيما ارتفعت أصوات النشاذ من حناجر كتائب الحمقي وجنرالات المنتفعين تصدح بالثناء والتسبيح والتمجيد.
وتعزف سيمفونية " المجد للفرعون الكبير" بقيادة أوركسترا الأفاقين , والنهازين , والأوغاد.
كانت الأصوات الصادحة بالغناء نابية , ومفجوجة , يفوح منها رائحة النفاق العتنة , ويتدافع من فمها رذاذ المؤامرة الخبيثة.
وعلي صفحات الجرائد ...انبرت اقلامكم تسطر قصة الزيف الكبير , وشحذت عزائمكم تنسج ملحمة للبطولة كل ما فيها تدليس
وباطل..فالقميئ جميل , والقزم عملاق , والشريف وضيع , والفضيلة عاهرة تختبئ في دور العبادة أو في مسوح الرهبان.
لقد تبارت مواهبكم في حلبات الكذب , وأندية الرياء كيما تجري للنظام السيكوباتي الحاكم للبلاد بيد من حديد عمليات جراحية
متكررة , ومكثفة , بقصد التجميل والتلميع.
لقد تصور رؤساء التحرير المزيفون , وصحفيو العار , وكتاب الندامة أن السطور التي استهلكوها في الحديث عن الأمجاد
المزعومة للنظام ستكون تميمة علي صدر " الصنم " تعصمه من الحسد , وتقيه معاول الشر.
ستكون تعويذة سحرية تضمن للنظام بقاءه جاثماً فوق صدور الشعب حتي النهاية.
ستكون سفناً يصدرون خلالها زجاجات الويسكي والبراندي والفوديكا إلي بيوت الشعب الثمل من فرط القمع..
وأكواخ البسطاء الثكالي المجهدين من فرط الظلم.
***.....
تقول الحكمة : "إن العواصف القوية تكسر الأشجار الضخمة , ولكنها لا تؤثر في العيدان الخضراء التي تنحني لها.."
وأنتم ماهرون جدا في هضم كل المحن و مسايرة الأجواء والانحناء للموجة العاصرة حين يلقي بها المحيط علي الشاطئ
أنتم بارعون في اعادة تنظيم صفوفكم إذا ما انكسر رمزكم ومات . أنتم أبناءاً لكل العصور.
إن من الحق والانصاف أن نشهد لكم بالبراعة.
فلقد كانت عباراتكم فوق أرض النيل رنانة , وأفعالكم مغرية مؤثرة كما السحر.
ولكن حكمة الله شاءت لسفينة الشر يوماً أن تغرق في المحيط ...
وأن تتكسر كل أنوف قراصنتها...
وأن تلفظ أنهار الثورة المباركة كل" القروش" و "الحيتان".
لقد قضي النظام الذي كنتم ترتمون في أحضانه , وتستحلبون من شياهه وإبله ونعاجه وتقاسمونه الغنائم والمكاسب.
والان ويحكم ما أنتم صانعون...؟
لقد انتهت اللعبة , ومات الشاه , وتكسرت أصنام الالهة والكهنة , وتساقطت أقنعة الزيف والخديعة والمؤامرة
وباتت جموع الشعب تحلم في لياليها بالحياة النظيفة....حرية , وعدالة , وكرامة.
تريدون أن تركبوا السفينة معنا ...؟
أن نجلس علي مائدة حوار هادئ لنصل إلي اتفاق ودي حول حياة مشتركة نعيشها معاً بلا حساسية , أو مكدرات..؟
حسناً , لا بأس .عفا الله عما سلف ...إن من شيم الكرام أن قلوبهم ملآنة دائماً بالحب ..ووجداناتهم أبداً واحات مزهرة
وارفة, ونضرة..لا تثمر إلا غفراناً ولا تطرح إلا سماحة ومحبة.
ونحن شعب كريم تحكمه العاطفة إلي حد كبير وليس من طبعه التشفي..والهواء الذي يتسلل إلي صدورنا في كل لحظة
نعيشها ملآن بالحب والسلام ...ومشاعرنا رحيبة , هائلة , تنحو إلي الغفران وتتسع للجميع.
من أجل ذلك ..نحن نمد إليكم أيدينا بالسلام...
ونقدم لكم أغصان الزيتون تعبيراً عن القبول والرضا..
لقد كان شعارنا الأول لثورتنا المجيدة منذ بدايات اندلاع الشرارة الأولي في "الميدان" وحتي تصاعد ألسنة لهيبها في ربوع
البلاد هو"حرية ..تغيير..عدالة اجتماعية"
وانطلاقاً من ذلكم الشعار الغالي نقول لكم : " لا تثريب عليكم اليوم "
لا بأس عليكم ..أنتم اليوم أحرار ..اذهبوا فأنتم الطلقاء
إن سماحة قلوبنا تأبي أن نعاملكم بذات الطريقة , لن نمد يدنا إليكم بالجهالة والإساءة .
هلموا إلينا ..أقبلوا ..نحن رفقاء لم نزل , وشركاء في القضية والوطن.
تعالوا ننسي ما حدث , نحن مستعدون أن نغلق ملفاتكم القديمة معنا , وننسي الماضي الأسود , ونفتح صفحات جديدة
بيضاء ..صافية .....نسطر فيها قصة الحب الكبير.
ونرصد فيها ميلادة الضمير الوطني..
وندون بها سيناريوهات عدة , ثرية , وخصيبة لبناء مصر القوية ..دولة الحلم الجميل وبلاد العدالة البصيرة
كي ينضوي تحت لوائها أبناؤها جميعاً ...متساويين حقوقاً وواجبات.
باختصـــــــــــــــــار..
إننا نقول لكم وقلوبنا مفتوحة ..أهلاً بكم ومرحباً في جزيرتنا الجميلة ..إننا نريدكم قلوباً عاشقة , وضمائر نقية
وأقلاماً شريفة , وفناً راقياً لا يعرف الإستجداء , وأصواتاً لا تنطق إلا حقاً وصدقاً
سنفسح لكم طريقاً إلي قلوبنا , ومكاناً إلي جوارنا ...كيما نبني وطناً للعدالة والكرامة..
أيها الرهط الكريم ...
سنفتح معكم صفحات جديدة , ونرسم نقطة فارقة ونقول: من أول السطر الجديد
ولكن قبل ذلك...
طهروا أنفسكم أولا , تصالحوا مع ذواتكم , أقروا بذنوبكم وتحرروا من اَثامكم , أنيبوا الي ربكم وعودوا إلي رشدكم.
طهروا عقولكم وقلوبكم , وخلوا ضمائركم تعانق نسمة التغيير.
تغيروا فإن الله لن يغير ما بقوم إلا إذا أحدثوا بأنفسهم بدعة التغيير الحسنة.
اغتسلوا بماء طهور , وصلوا ضارعين خاشعين عسي الله يغفر لكم خطاياكم.
اجهروا بتوبتكم ...لا تؤدوا صلواتها في خلوة الليل..بل أعلنوها في وضح النهار صراحة بلا خوف أو دنية
أدوا مراسمها الجليلة في خشوع علي شاطئ النيل , أو قبالة الأهرام , أو حتي فوق جبل المقطم.
لا تستنكفوا إن القضية توبة في العمر كي نحيا حياتنا طاهرين قبيل اللقاء في ساحة الحق العظيم.
إن ذا مطلبنا أيها الرهط الكريم...وإلا فاذهبوا أحرارا ولكن من فضلكم -عفواً- تنحوا....
من فضلكم عفواً ....تنحوا