أعداء الثورة

أعداء الثورة

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

لكل ثورة أعداء يسعون بكل ما أوتوا إلى محاربة هذه الثورة والعمل على إفشالها , والراصد للثورة المصرية يلحظ أن لها أعداء خمس هم :

1- فلول النظام السابق :

وفلول النظام السابق هم أعوانه ومن تبقى منه من رجال أمن الدولة ورجال الأعمال ورجال الحزب الوطني المنحل وغيرهم , وهؤلاء قد أيقنوا أن حياة الثورة ممات لهم , وأن المكاسب التي حققوها إبان العهد السابق عرضة للخطر , وأن من كانوا يحمونهم ويفتحون لهم أبواب الفساد والتربح وعقد الصفقات المشبوهة قد صاروا وراء القضبان ,ولقد بدأت هذه الفلول في محاولات مستميتة للعمل على إفشال الثورة منذ بدايتها وتمثل ذلك في الأتي :

* قيامه ببث عناصر بلطجية أمنية تابعة للنظام لإثارة الفوضى والرعب والقيام بعمليات سلب ونهب وقنص ليشعر الناس بانفلات أمني تجعلهم يتخلون عن خروجهم وإرادتهم ويعودون لمنازلهم مطالبين ببقاء النظام على عيوبه خوفاً مما هو أشد , واستخدم الإعلام المصري التابع للنظام لخدمة هذا الغرض القذر والتسويق له .

* قطع وسائل الاتصال , وقطع المواصلات , وطرد القنوات العالمية التي تنقل صوت الشعب وثورته .

* قطع وسائل التموين والأغذية القادمة من الريف لتغذي المدن وتزودها بمنتجات الريف الزراعية والحيوانية ,  حتى لاتصل إلى المدن لتنفد هذه المؤن من الأسواق , وذلك كوسيلة للضغط على الشارع المصري ليضغط على الثائرين في التخلي عن ثورتهم والتنازل عن مطالبهم .

* إقامة المظاهرات التي تنظمها الاستخبارات والمؤيدة لبقاء النظام كصوت معارض لصوت الثائرين وسخر الإعلام الرسمي للتسويق لهذه التظاهرات , ولكن هذه الحشود التي لا يمكن التشويش عليها كان صوتها أقوى وأكبر وأعظم من أن تمرر عليها تلك المحاولات المتهالكة

* اللعب على وتر الفتنة الطائفية بإشعالها وقد بدأ ذلك قبل الثورة بقليل بتفجير كنيسة القديسين ثم بعد الثورة بإحراق كنيسة أطفيح ثم أحداث كنائس  مارمينا والعذراء بإمبابة .

 ولقد أكد على ذلك اللواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة فقد اتهم من سماهم "فلول النظام السابق بالوقوف وراء الانهيار الأمني وأعمال الترويع والبلطجة.

وأكد "الملا" الأربعاء  5 مايو 2011م في أولى ندوات المجلس العسكري تحت عنوان: "الأمن وآلية تحقيقه في ظل الظروف الحالية" ـ أن القوات المسلحة تحمى الشرعية الدستورية وليس نظام الحكم، وأن المجلس العسكري يدير شؤون البلاد ولا يحكمها، مشيرا إلى أن جميع المؤسسات تعمل تحت إدارة مجلس الوزراء والهيئات القضائية، "وبالتالي فإن القوات المسلحة لا تتدخل إلا عند الضرورة".

ولقد ظهرت تحركات فلول النظام السابقة منذ بداية الثورة وموقعة " الجمل " ليست ببعيدة فلقد استأجروا مجموعة من البلطجية بالجمال والخيول لضرب المتظاهرين في ميدان التحرير وتفريقهم بالقوة , ثم توالت تدابيرهم الخفية في إشعال الفتنة الطائفية , ولم تسلم منهم مباريات كرة القدم .

2- بعض أعضاء الجماعات الدينية :

فهناك بعض من أعضاء الجماعات الدينية  والذين مازالوا يحرمون المظاهرات بكافة أشكالها وأنواعها , ولقد كان أمن الدولة السابق يعمل طوال السنوات السابقة على إذكاء روح العداء وغرس بذور الفرقة بين الجماعات الإسلامية بل ويستقطب بعضهم ليعملوا لحسابه .

ولقد وجدنا بعض رموز هذه الجماعات قد عارضوا التظاهر منذ البداية ومازالوا حتى الآن يقولون بحرمة التظاهر بل ويعملون على إشعال نيران الفتنة وطرح قضايا ليس هذا زمانها ولا مكانها لتفريق شأن الأمة .

3- بعض الأنظمة العربية :

فهناك بعض الأنظمة العربية وبخاصة بعض الدول الخليجية التي حاولت إفشال الثورة المصرية بكل ما أوتيت من أموال وأعوان لها بمصر , وما زالت تضغط على المصرين من خلال التهديد بطرد العمالة المصرية من أراضيها , وكل ذلك خشية من نجاح الثورة المصرية وانتقال العدوى إليها , ولقد قالت صحيفة: الدار الكويتية بتاريخ 17 من مارس 2011م إن استحالة وصعوبة استدعاء مبارك وتقديمه لأي محاكمات هو ونجليه وزوجته يعود إلي شدة الضغوط التي مورست طيلة الأسبوعين الماضيين علي المجلس العسكري الأعلى الحاكم في مصر من قبل دول عربية عدة لجأت إلي استخدام تهديدات مباشرة بتجميد العلاقات مع القاهرة ووقف أي مساعدات مالية وتعطيل وسحب مجمل استثماراتها في مصر بل والتضحية بأكثر من 5 ملايين مصري يعملون بأراضيها حاليا إذا تمت إهانة الرئيس مبارك أو ملاحقته وتقديمه لأي محاكمات.

وهناك على سبيل المثال  قناة ( سكوب) الكويتية التي تبكي على مبارك وتشتم الثوار وتتهمهم بالخيانة بل وتتهم المصريين بقلة الأصل .

4- التدخلات الخارجية :

المتتبع لأحداث وتطورات ثورتي تونس ومصر ، يتبين له أنهما كانتا ضد ما تتمناه إسرائيل فالكنز الثمين (حسنى مبارك) وقبله زين العابدين تبدد وانهار تماماً ، والمتظاهرون بدأوا يصلون إلى أبواب السفارة في الجيزة ، وغداً سيحاصرون منزل السفير في الفيلا التي سرقها من المالك وهى موجودة بجوار قسم شرطة المعادى لمن يريد الذهاب والحصار ؛ والغاز بدأ في التوقف ووزير النفط الجديد ، مثله مثل رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي ،غير مرحبين بالعلاقات الدافئة مع تل أبيب رغم ادعاء إسرائيل وواشنطن (الداعمة لها) .

فحينما قامت الثورة المصرية سببت انزعاجا إسرائيليا وقابلها الأمريكان بالفتور , بل جرت تحقيقات مع جهازي المخابرات الاسرائلي والأمريكي لعدم معرفتهما بما كان سيحدث في مصر . وقد ذكر مائير في تقرير له عن أحداث ثورة 25 يناير وسبب فشل الموساد في توقعه أن الجيش قام بقطع الاتصال بالكامل عن القصر الجمهوري حيث خير مبارك بين ترك الحكم أو الاعتقال الفوري فاختار التنحي وخرجت عائلته في دقائق من القصر الجمهوري وقام الجيش بجمعهم في بهو القصر ثم خرجوا بالملابس التي يرتدونها مؤكداً أن المشير طنطاوي يرفض منذ هذا الوقت الحديث مع مبارك أو أي محاولة للتدخل أو الوساطة الخارجية بشأنه.

ورصدت أجهزة الأمن اختراق عناصر من "الموساد" الصهيوني لمجموعات شباب الثورة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عبر انتحال أسماء وهمية مدعين أنهم من شباب الثورة ويقومون بالتحريض ضد القوات المسلحة.

ونقلت المصريون عن مصادر أمنية أن تلك العناصر المخابراتية تتبنى دعوات تحريضية للشباب من أجل استمرار الاعتصام والتظاهر ضد القوات المسلحة، كما وضعوا معلومات مغلوطة لإثارة الشباب على أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة .

وكان اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن الأسبوع الماضي خلال لقائه مع بعض فئات المجتمع السكندري بمقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية انه سيتم الكشف خلال الفترة القادمة عن تفاصيل عشرات المحاولات التخريبية التي استهدفت مصر ومنشآتها خلال الثورة، وكانت أصابع خارجية محركة لها.

وكشف عن ضبط محاولات عديدة لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات من الحدود الغربية، بالإضافة إلى محاولة إغراق البلاد بكميات هائلة من المخدرات.

5- بعض العوام البسطاء :

وهناك بعض الناس البسطاء من العوام وغيرهم ممن ألفوا الاستكانة للظلم والرضا به , وظنوا أن سعادتهم ومصالحهم الشخصية في بقاء الأمور على ما كانت عليه , وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وعلى حد تعبيرهم ( وإن اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش ) وهؤلاء يتعجلون الأمور , وتجلس مع أحدهم فيصيبك بالإحباط ويهاجم الثورة ومن قام بها , ويقول لقد تعطلت مصالحنا وهناك أزمات في البلد مثل أزمة الغاز والبنزين , وكأنه يصور لك أن حال البلد قبل الثورة كان على ما يرام , والمتفحص لحياة هؤلاء يجدهم على ثلاثة أقسام : قسم تجده في حياته الخاصة بل والعامة لا يعرف إلا الديكتاتورية والسلطوية حتى في تعاملاته مع أقرب الناس إليه , فكأنه والنظام السابق وجهان لعملة واحدة ,فهو لم يألف الديمقراطية ولم يتعود على الرأي الآخر, والقسم الثاني تجده في حياته شخصا أنانيا لا يحب إلا نفسه ولا يسعي إلا في مصلحته هو وأي شيء يوثر على مصالحه يقف ضده ويعاديه , والقسم الثالث جاهل لم يدرك بعد ما حدث من تغيرات فهو صاحب أفق ضيق وتفكير محدود لا يستوعب كثيرا ما يدور حوله من أحداث , وفي الحقيقة إن هذه الأقسام الثلاثة ليس لها خطر كبير على الثورة كالسابقين فهم لا ينظرون إلى المستقبل ولا يهم إلا اللحظة الحاضرة , ويسهل إقناع بعضهم بمستقبل الثورة وأهمية التفاؤل بالأمل القادم.

واعتبار هؤلاء من أعداء الثورة على الرغم من نياتهم الحسنة وعدم إدراكهم لحقيقة الأمور لأنهم يشيعون روح اليأس والإحباط في الناس وهم بذلك يشاركون أعداء الثورة الحقيقيين في التسبيح بحمد النظام السابق ومعاداة كل جديد قادم .