استشهاد زياد أبو عين
منير شفيق
عندما يسقط مقاوم للاحتلال والاستيطان، أكان برتبة وزير أم كان إنساناً عادياً، وسواء أحمل غصن زيتون، أو غرسة زيتون، أم حجراً، صريع رصاص أو غاز أو ضرباً بكعب بندقية، يسقط شهيداً مكرّماً، وما ينبغي لدمه أن يذهب هدراً، بل يجب أن يتحوّل إلى وقود يلهب جذوة المقاومة والانتفاضة.
وهذا ما يجب أن يكون عليه موقف كل من اختلف معهم في السياسة والمواقف. فمهما كانت حدّة الخلاف فإن الشعب الفلسطيني يتوّحد ويتحّد في رفع جثمانه شهيداً على الأكف، كما في مواصلة النضال ضد الاحتلال والاستيطان. وعزاءً وهنيئاً لذوي الشهيد وإخوانه وأحبائه إذ حصل زياد أبو عين على رتبة شهيد وهي أعلى المراتب التي يمكن أن يصلها إنسان.
ولهذا لا يعجبَنَ أحدٌ يعرف ما كان بيننا من خلاف حول اتفاق أوسلو والاتفاق الأمني واستراتيجية المفاوضات كما حول المقاومة المسلحة والانتفاضة أن نعتبره شهيداً. وهو يستحق ذلك، وقد نال الشهادة بدمه وشجاعته في مواجهة بنادق قوات الاحتلال.
على أن ثمة عِبَراً يجب أن نتوقف عندها. وذلك أمام حادثة قتله من جانب العدو وهو يحمل شتلة زيتون، ويريدها تظاهرة سلمية تحتج على الجدار، وتدافع عن الأرض التي أقيم الجدار لمصادرتها واغتصابها.
هذا المستوى من المقاومة أو النضال يمثل في درجات المقاومة والنضال وأشكالهما أدنى مراتبهما. وما كان لاحتلال آخر أن يواجهه بالعنف الذي واجهه به الاحتلال الصهيوني. بل جاءت هذه المواجهة القاتلة من جانب الجيش الصهيوني صدمة للسلطة في رام الله، فهي لم تتوقعه، كما لم يتوقعه، كل من يحمل أوهاماً عن طبيعة الصراع في فلسطين. ولهذا جاء استشهاد زياد أبو عين صدمة لهم فراحوا يتوّعدون ويزبدون وكانوا قبل ذلك، وسيكونون بعد حين، باحثين عن التفاهم مع الكيان الصهيوني وحل القضية من خلال حل الدولتين وعبر المفاوضات، وإذا كان لا بد من مقاومة فلتكن في حدود الجدار ومتقطعة (يوم في الأسبوع) وسلمية قدر الإمكان بحيث لا تتحول إلى شكل أرقى فأرقى من أشكال النضال وممنوع أن تصل إلى الانتفاضة. أما إذا جاء الرد اللجوء إلى المحكمة الجنائية فيكون رد الفعل قد بلغ الزبى، وهو ما لا يتوقعه الكثيرون وإن حصل يمكن للذين يطلقون الأجهزة الأمنية ويلاحقون المقاومة المسلحة وكل شكل نضالي شعبي غير مسيطر عليه من قبل السلطة، ناهيك عن السماح بوصول المواجهة إلى انتفاضة، أنهم يمارسون المقاومة.
نعم لا بدّ من التمييز بين شكل النضال أو المقاومة الذي مورس في ترمس عيا حيث استشهد زياد أبو عين تحت رايته من جهة وبين أشكال النضال التي تذهب إلى المقاومة المسلحة، كما هو الحال في قطاع غزة أو إلى الانتفاضة والمقاومة كما هو الحال في القدس حيث لا سلطة ولا أجهزة أمنية من جهة أخرى، كما لا مفرّ من أن يوصف الشكل النضالي الذي يتم ضمن السقف الذي حددته سلطة رام الله (زمن سلام فياض والإتفاق الأمني وما زال سارياً حتى اليوم) بالشكل الأدنى من النضال وبأنه ليس الشكل النضالي الذي يمكنه أن يدحر الاحتلال ويفكك الاستيطان ويحرّر القدس ويطلق الأسرى أي شكل الانتفاضة الشاملة والمقاومة.
ولكن من جهة أخرى يظل شكلاً من أشكال مقاومة الجدار وفضحه. وها هوذا استفز العدو إلى حد القتل المتعمّد لزياد أبو عين بالرغم من موقعه في السلطة. وكان قد استفزه مراراً في بلعين ونعلين والنبي صالح إلى حدّ سقوط جرحى وشهداء. ومن ثم ليس هنالك من اعتراض على ذلك، ما دام في حالة مواجهة مع الاحتلال. ولكن الافتراض بأن يُعتبَر الشكل الرئيس للمقاومة أو البديل للانتفاضة والمقاومة في الضفة الغربية يُستخدم تغطية لسياسات التفاوض والتنازلات. أما ما عدا ذلك فليمارس كشكل ثانوي من أشكال مقاومة الاحتلال. ومن ثم له قَدْره وإيجابيته في مواجهة عدو لا تستفزه مظاهرة سلمية تحمل غصن الزيتون فحسب وإنما أيضاً يستفزه ولادة طفل فلسطيني ومجرد السكن في بيت على أرض فلسطين. لأن الصراع هو صراع وجود أولاً وقبل كل شيء. ولهذا فإن مجرد ولادة طفل ومجرد البقاء على أرض فلسطين، ولو باستكانة، يستفز العدو ويعتبره شكلاً من أشكال الإزعاج أو التخريب ضدّه. ومن ثم يجب ألاّ تفسّر ردود فعل العدو ضدّ نضال مقاوم جزئي ومحدود باعتباره شهادة لهذا النضال تعفي من الشكل النضالي المتمثل في الانتفاضة الشاملة والمقاومة الشكل الوحيد الذي يستطيع ضمن الظرف الراهن وموازين القوى الراهنة أن يفرض على الاحتلال الانسحاب وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وكل الأسرى، وبلا قيد أو شرط.
إن كل ما تقدّم لا يقلل قيد أنملة من دماء الشهادة التي قدّمها زياد أبو عين داعين له الرحمة وسكنى الجنة ولذويه وإخوانه ولكلٍ من محبيه وأصدقائه ممن سيسير على دربه في الشهادة العزاء والسلوان.